الخميس 25 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

سمية عبد المنعم تكتب: تلك الوردة

سمية عبد المنعم
سمية عبد المنعم

أنت ظننت أني أهملتها، وأنها ها هنا قد ألقتها يدي بلا اكتراث، وربما حدّثت نفسك بل وأكدت لها أني لا أستحقها، قبل أن تمتد أصابعك لتقبض عليها بغضب وتطيح بها حيث سلة المهملات، ثم تمط شفتيك محاولا كتمان غضبك، لتغادر الحجرة حيث أنا، فترسم على وجهك ابتسامة زائفة مدعيا لنفسك نسيان الأمر. لكنك لم تنسه يا محمد، أعلم أنك لم تنسه، كما أعلم أيضا أنني لم أهملها، ولم تلقها يدي بلا اكتراث، بل وضعتها فوق "التسريحة" عن عمد، بدت لعينيك أنها ملقاة لكنها كانت عن يساري قابعة طوال الوقت، ذلك المكان الاقرب إلى زاوية إبصاري، لم أضعها في كوب به ماء وسكر، مثلما يفعل الاخرون، بل تركتها تقبع فوق علبة كريم وجهي المتروكة في ذلك الركن القصي من التسريحة مثلما قلت، لأنني لا أومن في قدرة الماء والسكر على إحياء الورود بعد قطفها، وأراه محاولة سمجة تشبه تحنيط الجثث للإيحاء باستمرارها في الحياة، لكنها ميتة على كل حال.  تلك الوردة التي أهديتني يوم غضبت منك فأسرعت أنت لشرائها ومحاولة إصلاح الموقف. أحببتها لكنني لم أقل لك، أعجبتني رائحتها ولونها الأحمر الذي أعشق، لكنني لم أقل لك، ويا ليتني قلت. كان وجودها في تلك الزاوية يبهجني، أنت لم تكن تلحظ يا محمد، كلما وقفت أمام المرآة لأتزين أو أبدل ملابسي كنت أنظر إليها بطرف عيني وأبتسم دون ابتسام، لكنك لم تر ولم تحس. في اليوم الذي نظرت إليها ولم أجدها وبحثت عنها بلهفة أسفل التسريحة وخلفها واكتشفت أخيرا أنها تقبع في سلة مهملاتي وتحيطها مناديل ملوثة ببقايا زينتي، حزنت، لكنك أيضا لم تر، ولم تحس بي. وعندما افتقدتُ عقد الفل الذي اشتريته لي من بائع الفل بإشارة ميدان التحرير، انخلع قلبي وصرت أردد: "يا رب ميكونش رماه"، وابتسمت عندما وجدتك قد علقته أعلى التسريحة، لكنك لم تر ابتسامتي. أو تذكر آخر وردة أهديتني إياها؟ تلك الحمراء التي اشتريتها لي في آخر نزهة لنا، تلك التي وضعتها بيديك في كوب مملوء بالماء والسكر، فأنت ممن يعتقدون في أسطورة إحياء الماء والسكر للورد، أسطورة التحنيط، أتذكر تلك الوردة؟ هي مازالت هناك، فوق "السفرة"، بين الماء والسكر، مازالت تحمل بصمات أصابعك، ورغم أنها ذبلت حد الموات، الا أنني لم ألقها في سلة المهملات، وكيف أفعل وهي تحمل بصمات أصابعك يا محمد؟ مازالت هناك، صارت قبلتي، أقصدها بمجرد دخولي للبيت، أسرع إليها، أتلمسها فأحس بأنني ألمس أصابعك، أقبلها بشفتي فأحس بأنني أقبل يديك. ستظل هناك يا محمد، ستظل حتى تشتري لي وردة أخرى وأضعها بنفسي في كوب به ماء وسكر، فقد صرتُ مثلك، أعتقد في أسطورة التحنيط، لكنك لم تعرف، ولم تحس بي.  سمية عبدالمنعم  

تم نسخ الرابط