أيمن عبد المجيد
30 يونيو.. ثورة بناء الجمهورية الجديدة 7
إعلام الرئيس والاختيار الصعب
منذ اللحظة الأولى، لتصدي الرئيس عبدالفتاح السيسي، لمجابهة تحديات الدولة المصرية في عام ٢٠١١، وما تلاها من أحداث تاريخية، وحتى توليه مسؤولية رئاسة مصر، وللإعلام أهمية كبيرة في أولوياته.
ففي أكثر من حديث، يشير إلى دور الإعلام وأهميته، في بناء الوعي العام، ذلك الوعي الذي يتوقف عليه نجاح أي دولة قوية، في تعريف شعبها بحقيقة التحديات، على الأرض، والإجراءات الواجب اتخاذها في مواجهتها، إقناع الشعب بقرارات الإصلاح ودور كل من الدولة وأفراد شعبها في دعم نجاح العلاجات الجذرية.
وكثيرًا ما دعا الرئيس: "قولوا للناس الحكاية، بكام ومنين وإزاي"، واليوم خلال افتتاح حزمة من المشروعات العمرانية الجديدة، في مقدمتها مساكن العاملين بالعاصمة الإدارية بمدينة بدر، أشار الرئيس لقضية الوعي من جديد، مؤكدًا: "قضية الوعي أخطر قضية، ليس في مصر فقط، بل في أي دولة من دول العالم".
أن المدقق في منهجية تعاطي الرئيس مع القضايا، يكتشف أن للرئيس استراتيجيته الإعلامية الخاصة، منذ أن كان الرئيس وزيرًا للدفاع، يتحدث للشعب عبر فعاليات الندوات التثقيفية، يواجه ويشرح ويوضح، باتصال مباشر مع نخبة تمثل الجمهور، ومنها لعموم الشعب عبر بث تليفزيوني مباشر للقاءات، مستهدفًا العُمق في تناول القضايا، لبناء وعي حقيقي بالتحديات ومتطلبات المواجهة.
عظّم من أهمية تلك الاستراتيجية الإعلامية الرئاسية، اللحظة التاريخية، لم يعتمد الرئيس كغيره من الرؤساء السابقين، على كاتب صحفي يقربه أو بضعة كتاب، أو وسيلة إعلامية اختصها بتصريحات، أو حوارات، تُعبر عن سياساته.
بل خلق الرئيس إعلامه الخاص، يرسل رسائله لشعبه، بدون وسيط، يقدم من أرض الواقع الأدلة والبراهين، على صدق رؤيته، وسلامة سياساته، وقدرته وفريق إنقاذ مصر، على تحقيق مستهدفات في سبع سنوات ما كان لها أن تتحقق في ٥٠ عامًا.
وكأن الرئيس يقول: "لندع الإنجاز يتحدث، بعد أن يكون واقعًا منظورًا"، لم تكن الوعود منهجه، فمن ذا الذي كان يصدق، إذا وعد الرئيس مع ترشحه الأول، بالقضاء على العشوائيات، وتطوير القاهرة التاريخية وعواصم المحافظات، وتطوير الريف المصري، وإنشاء مجرى جديد بقناة السويس، وبناء ١٤ مدينة جديدة على رأسها العاصمة الإدارية، التي تتجاوز مساحتها ضعف مساحة العاصمة التاريخية؟!
استراتيجية الرئيس الإعلامية، اعتمدت الصدق والمصارحة، وتنحية الوعود، وتحديد مسؤوليات القيادة السياسية، والمسؤولية الشعبية، فما بين الرئيس وشعبه عقد شراكة لإنقاذ مصر.
في ٢٦ مارس ٢٠١٤، وخلال خطاب تحدث المشير عبدالفتاح السيسي- آنذاك- للشعب، في آخر ظهور له بالبزة العسكرية، معلنًا عزمه الانتقال من خدمة مصر جنديًا في صفوف القوات المسلحة، إلى خدمتها جنديًا من مقعد الرئيس إذا منحه الشعب ثقته، قال: "السنوات الأخيرة أكدت إن مفيش حد يستطيع أن يصبح رئيسًا لهذه البلاد دون إرادة هذا الشعب وتأييده، لا يمكن على الإطلاق أن يُجبر أحد المصريين على انتخاب رئيس مش عايزينه، الكلام ده انتهى خلاص".
مضيفًا بوضوح وقبل تقديم أوراق الترشح: "من اللحظة الأولى عاوز أكون أمينًا معكم كما كنت دائمًا وأمينًا مع الوطن وأمينًا مع نفسي، نحن المصريين لدينا مهمة شديدة الصعوبة ثقيلة التكاليف، الحقائق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية في مصر، سواء ما قبل ثورة ٢٥ يناير، أو اللي تفاقم بعدها حتى ثورة ٣٠ يونيو، وصل إلى حد لا بد أن يكون هناك مواجهة أمينة وشجاعة لهذه التحديات".
ذكر الرئيس العرض وشخّص المرض واحتفظ بروشتة العلاج: "عاوزين نكون صادقين مع أنفسنا، بلدنا مصر تواجه تحديات ضخمة واقتصادنا ضعيف، هناك آلاف الشباب الذين لا يجدون فرص عمل في مصر، وهذا أمر غير مقبول، وهناك ملايين من المصريين يعانون من المرض، ولا يجدون العلاج المناسب، وهذا أمر غير مقبول، مصر البلد الغنية بمواردها وشعبها، تعتمد على الإعانات والمساعدات وهذا أيضًا أمر غير مقبول".
انتهج الرئيس افتتاح الإنجازات على الأرض، موعدًا للإعلان عنها، وليس وضع حجر الأساس، كما يفعل الآخرون، ومن حفل الافتتاح مناسبة للحديث للشعب، لبناء الوعي وتعميق المعرفة، وشرح سياسات الدولة، وإقناع الشعب بسلامة القرارات التي تبدأ وتنتهي عند هدف واحد وهو الارتقاء بجودة الحياة وتعظيم قدرة الدولة على خدمة شعبها ومستقبل أبنائه.
مؤكد تلك الاستراتيجية ضرورة ملحة، في لحظات تاريخية استهدفت جهات خارجية الوعي العام، لإحباط الروح المعنوية، لإعاقة جهود بناء الدولة، ونهوضها، فلم يكن بالإمكان انتظار إصلاح المنظومة السياسية والإعلامية، والإعلامية، التي يتطلب إصلاحها هي الأخرى سنوات، كغيرها من الملفات.
بالأساس وعي الشعب، ووحدة الجبهة الداخلية، وتحصينها ضد رسائل التشكيك والسلبية، كانت الأساس في حديث الرئيس المباشر، لشعبه، في فعاليات افتتاح إنجازات، متواصلة وفي توقيتات تتجاوز المناسبة في الشهر الواحد، دون إغفال أثر تلك الرسائل على العالم الخارجي.
فلم يكن الخطاب، رغم الأهمية القصوى للداخل، متجاهلًا الخارج، الذي استهدفه إعلام الجماعة الإرهابية وداعموها، فكان مؤتمر شباب العالم، الذي تخاطب فيه الدولة المصرية شبابًا من أنحاء العالم في قضاياه، ويشاهد تفاعل شباب مصر مع حكومته، فضلًا عن المشاركة الدائمة للرئيس عبدالفتاح السيسي باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وطرح رؤية مصر، في مختلف القضايا الإقليمية والعالمية، وهو ما كان له إجمالًا بالغ الأثر في استعادة الريادة المصرية الدبلوماسية وتعظيم ثقة العالم فيما تحققه مصر ٣٠ يونيو من إنجازات.
واليوم يواصل الرئيس استراتيجية المصارحة والأمانة في مواجهة التحديات، وإشراك الشعب، في إبعاد القضايا والقرارات التي تتخذ، لبناء وعي حقيقي، يُضاعف من القناعات، التي تُسهم في مساندة القرارات.
فخلال افتتاح مشروعات عمرانية جديدة، يتم طرح الوضع قبل ٢٠١٤، وما أصبح عليه الآن، وفي القلب من ذلك نقل ساكني العشوائيات لسكن آدمي كريم، بكلفة مليارات، تتجاوز الوحدة الواحدة فيها ٤٥٠ ألف جنيه، تمنح للأسرة بدون تحمل أي تكاليف إنشاء أو بنية تحتية، فضلًا عن شرح وافٍ لحجم تحمل الدولة المصرية لتطوير الطرق والبنية الأساسية ومشروعاتها القومية، التي تخدم كل المواطنين، بالريف والحضر.
يقول الرئيس: "لا تقلقوا، لن نلغي الدعم، ولكن سنعيد صياغته، نعمل كده علشان نغير بلدنا للأفضل، مش علشان الناس تحبنا، علشان نرضي ربنا".
ويستخدم الرئيس منهجه في المصارحة وبناء الوعي عبر خطاب مباشر للشعب: "تتحمل الدولة ٢٧٥ مليار جنيه دعمًا سنويًا، أي ما يقارب ٣ تريليونات جنيه في عشر سنوات، الريف المصري كله سيتم تطويره بشكل كامل بـ٧٠٠ مليار في ٣ سنوات، ينتقل فيها قرابة ٥٢ مليونًا من حياة إلى حياة أخرى أفضل، نتذكر أن الدولة حتى ٢٠١٤، كان حجم تغطية الصرف الصحي بالريف ١٢٪ فقط، وحتى الآن التغطية ٤٠٪، متبقي ٦٠٪، كان ممكن اختار الاختيار السهل، أترك كل شيء كما هو مع زيادات بسيطة في الدعم أو المرتبات، لكن اخترت الاختيار الصعب".
"الاختيار الصعب"، يقول الرئيس: "التصدي للقضايا، وإعادة ترتيب أوراق الدولة، لنعيش بشكل آدمي محترم، إصراري على حلول حقيقية للقضايا، ليس تمسكًا بوجهة نظر، بل سعي لحلول جلست ٥٠ سنة أدرسها، أجيب أمثلة واختار التوقيتات، الطفل الذي ينشأ في عشوائيات، احتاج إجابات من علماء النفس والاجتماع، ما هو مزاجه العام، وهل سيكون له طموح؟ بل سيهدمون البلد، لأنها ببساطة لم تعطهم شيئًا، وعلى العكس عندما نوفر له بيئة وحياة كريمة، كحق من حقوق الإنسان".
يغوص الرئيس في عُمق القضايا، وفلسفة الأهداف، والعوائد على الفرد والمجتمع وبنيان الدولة، يذهب فيما يعرف بقياس الأثر الرجعي لتصريح عن قرار مرتقب والتفاعل الذي دار حوله، ومن ثم التعاطي لإيضاح ما غاب عن الرأي العام، بشأن ما صرح به سابقًا، عن عدم جواز أن يكون عشرة أرغفة خبز بثمن سيجارة، فيشرح بعمق أكبر فلسفة وأسباب القرار المرتقب، أهدافه وعوائده على المواطن ذاته فيقول:
"نطمئنكم، لن نلغي الدعم، بل ننظمه، عندما تم تسعير رغيف الخبز بـ٥ قروش منذ ٣٠ عامًا، كانت تكلفة إنتاج الرغيف ١٨ قرشًا، وكان إجمالي المستفيدين من دعم الدولة ٣٠ مليونًا، واليوم تكلفة الرغيف ٦٥ قرشًا ويباع بـ٥ قروش، وإجمالي المستفيدين من الدعم ٦٠ مليونًا، وبعد سنوات سيتضاعف العدد ماذا ستفعل الدولة عندما يكون تعدادنا ١٥٠ مليونًا، منهم ١٢٠ مليونًا يحصلون على الدعم؟
لن أكون موجودًا حينها، لكن الأمانة تقتضي، أن أواجه المشكلة عندما أكون فاهم اللي هيحصل، كأنه حصل، وإلا ماذا أقول الله حينها عندما يسألني كنت تعلم ما سيحصل ماذا فعلت؟ هل أقول كنت عاوز أفضل جالس على الكرسي؟! سيقول لي الكرسي ده أنا اللي حطيتك فيه وأنا اللي أمشيك منه، سبحان الله مالك الملك يهب الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء".
وهنا يعود الرئيس لما قاله في خطاب ٢٦ مارس ٢٠١٤، من ضرورة أمانة المواجهة للمشكلات والتصدي لها بأمانة وشجاعة، للمهمة ثقيلة التكاليف، مجددًا التأكيد اليوم على أن مستقبل البلاد يتم بناؤه بالجهد والعرق والتضحية حتى يكون للأجيال الجديدة مستقبل.
مؤكد نجح الرئيس باستراتيجيته الإعلامية، في التواصل المُباشر، وما توضحه الحكومة في عروضها في افتتاحات المشروعات، في تعظيم قوة جدار الثقة بين الشعب والدولة، لبناته وعي ومعرفة حقيقية وقناعة بأن ما يتحمله المواطن من عبء، ثماره له ولأبنائه، ولصالح العدالة الاجتماعية وتحسين خدمات الصحة والتعليم، بل وتعظيم جودة الحياة.
أما منظومة الإعلام التقليدي، فتعمل وفق آلياتها وإمكانياتها دون إنكار لجهدها، ولكن المؤسسات القومية واجهت أزمات هيكلية وتمويلية، فيما احتكر ما قبل ٢٠١٣ بعض رجال الأعمال ملكيتها، فتحوّلت لمراكز قوى ضاغطة لحساب مصالحهم، هذا على المستوى المؤسسي، بينما المستوى الفردي، فقد غلبت مهنية ووطنية الإعلاميين، فكانوا ومازالوا مقاتلين يبذلون ما يستطيعون، ينتظرون إصلاحات جذرية، تنطلق من استراتيجية شاملة للإعلام، للحديث عما نراه بشأنها- إن شاء الله- مقال خاص، لتواكب منظومة الإعلام ما تشهده الدولة من إنجازات تاريخية.