عاجل
السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
المستحيل ليس مصريًا اسألوا الرجال عن العاشر من رمضان

المستحيل ليس مصريًا اسألوا الرجال عن العاشر من رمضان

مصر دائمًا عظيمة.. والرصاصة لا تزال فى جيبنا



 

الصبر الاستراتيجى.. حمل الأمانة ومسؤولية القرار طريق النصر

 

لا تعرف الإنسانية اختبارًا قاسيًا مثل اختبار الحرب والسلام.. وكلاهما قرار وإرادة وكلاهما لا يفرضهما الضعفاء وكلاهما أيضًا لا مجال للحديث عنهما دون (امتلاك القدرة).. وامتلاك القدرة من أجل الحرب عمل مُضنٍ، ولكن امتلاك القدرة من أجل فرض السلام واحترامه أثبتت الأيام أنه أكثر صعوبة، ومن هنا استقر عنوان (الرصاصة لا تزال فى جيبنا) مع كل قراءة وحديث عن نصر أكتوبر هنا على صفحات مجلة «روزاليوسف»، وهو العنوان الذي صَكّه فارس الكلمة صانع الحب والحرية الكاتب الكبير «إحسان عبدالقدوس» أيقونة «روزاليوسف» ومؤسّس مَدرستها فى النقد السياسى عندما عنون به إحدى إبداعاته الخالدة وهى (الرصاصة لا تزال فى جيبى).

 

ولعل ما أحوجنا الآن إلى الحديث عن نصر حرب العاشر من رمضان.. نصر أكتوبر المحفور بمداد العزة على جبين كل مصري.. والحديث منطلقه ليس فقط إحياء ذكرى وطنية غيرت الدنيا وعدّلت مسارها واستردت كبرياء الأمّة المصرية بالثأر لسيادة ترابها الوطني.

 ولكن لكى نقرأ.. كيف جاء النصر؟ كيف هزمت هذه الأمة كل شىء عندما أرادت؟ هزمت العَوز.. هزمت فارق القدرات.. هزمت التوازنات الدولية فى فترة استقر فيها اتفاق ضمنى بتجميد الوضع فى الشرق الأوسط بسياسة «لا حرب ولا سلم».. فى إطار لعبة التوازنات الدولية بزمن الحرب الباردة.

كيف حققت مصر المعجزة؟ لمجرد أنها وثقت فى نفسها وكيف حوّل الرئيس «السادات» التركة البائسة الملعونة بعار الهزيمة.. إلى فخر لن ينتزع من هذه الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

أغلب الكُتّاب لا يجدون صعوبة فى كتابة لحظات الحزن والوجع بينما يختبر قلمهم فى وصف مشاعر الفرحة وما تداعب به النفس الإنسانية وهذا النمط فى سيناريوهات السينما.

أمّا فى دفاتر التاريخ وحياة الشعوب فالسيناريو معكوس.. القلم يقود صاحبه فى الكتابة عن النصر ويختبره فى الكتابة عن الهزيمة ولعنتها.

 لعنة هزيمة يونيو 1967 لا توصف، وفى معرفة الدرس كاملاً استيعاب لعظمة الشخصية المصرية وقدرتها على تحقيق المعجزات بغض النظر عن مَن يعتقد أن زمن المعجزات انتهى.

لعنة الهزيمة.. كان كبتُها وكآبتُها ويأسُها تحجب الأوكسجين عن رئة وطن بأكمله، تحجب الرؤية لا أحد يريد أن يصدق ما جرى.. كابوس يطارد كل حى ويؤلم الأموات فى مثواهم.. جعل الله قسوة هذه الأيام فى ميزان حسنات من عاشها.

بصيص من الأمل حضر مع بطولات حرب الاستنزاف.. يقين أطاح بالشك فى قدرة المقاتل المصري مع إعلان أنباء معركة «رأس العش» ومن بعدها بدأت الروح مترددة تعود تارة مع كل عملية وخبر فى حرب الاستنزاف التي شهدت أعمالاً بطولية لم تأخذ حقها فى التوثيق والمعرفة حتى الآن.. ولولا ما كتبه المراسلون العسكريون حينها وفى مقدمتهم الأستاذ «جمال الغيطانى» الذي عرّف كل الأجيال بأسطورة «إبراهيم الرفاعى».. وأصبح أيقونة للبطولة ولا تستغرب أنه كان المثَل الأعلى لأيقونة أخرى اسمه الشهيد البطل «أحمد منسى».

ولكن الروح التي تزرعها بطولات حرب الاستنزاف تسحب من رئة المجتمع مع كل جريمة يرتكبها العدو، وكان أبشعها استهداف العمق المصري سواء لإعاقة بناء حائط الصواريخ الذي شيدت قواعده بخليط من الأسمنت والدم لشهداء وأبطال أحياء عند ربهم يُرزَقون.. أو فى جريمة لا ينساها إنسان ولن يغفرها مصري وهى ضرب مَدرسة بحر البقر فى الثامن من إبريل عام 1970 عندما استعرض العدو الإسرائيلى طائرات الفانتوم على جثة 50 من أطفالنا مسجلاً واحدة من أحقر الجرائم فى تاريخ الإنسانية.

بعدها بشهرين تقدمت الولايات المتحدة بمبادرة عبر وزير خارجيتها «روجرز» لإيقاف إطلاق النار وقَبَلها «عبدالناصر».. وكان مضطرّا للقبول، لم يكن ليستطيع أن يستمر فى البناء تحت القصف.. وفى سبتمبر 1970 ودون مقدمات.. مات «جمال عبدالناصر».. وعليك أن تتخيل وقع الخبر ولو عجزت عن تخيله ستدركه من مشاهدة مَشاهد جنازة الزعيم الخالد.. لا تعرف هل كان المصريون يبكونه أمْ يبكون حالهم؟.. أمْ تذرف دموعهم من خشية المجهول؟ والمصري بطبعه عدو للمجهول.. وتَسَلّم الرئيس البطل «السادات» هذه التركة المفككة المنهارة.. لهذا لم يبالغ الرئيس «السادات» فى كتاب «البحث عن الذات» عندما وصف حاله حينها بأنه حمل الأمانة وهو مربوط على قضبان سكة حديد.

قد تفشل فى قراءة الدولة حتى لو كنت هيكل؟ 

أعرف قدر الأستاذ «هيكل» جيدًا فى الصحافة والسياسة.. الجورنالجى الاستثناء والذي ينطبق عليه القاعدة القانونية فى الاستثناء لا يقاس عليه.. مَهما سعى كُثُرٌ أن يكونوا «هيكل».. ولكن هذا ليس موضوعنا.. ولى اختلافات مفصلية مع الأستاذ العظيم الذي خسرت الصحافة العربية عمودًا رئيسيّا من أعمدة هيبتها برحيله، وهذا الخلاف عنوانه خطأ فى التقدير وقع فيه الأستاذ «هيكل» مرتين.. الأولى فى تحليلاته التي سبقت حرب أكتوبر والتي سيطرت عليها فكرة المستحيلات، وكنت قد أدركت هذه المقالات عند دراستى لحرب أكتوبر قبل 10 أعوام فى كلية الدفاع الوطني.. أمّا المرة الثانية ففى ديسمبر 2012 وكان الشارع فى مصر يغلى ضد الإخوان بعد الإعلان الدستورى الذي أرادوا به الانقضاض على الدولة والمؤسّسات وخرج الأستاذ مستبعدًا الثورة عليهم بصيغة رمادية ضمن حواراته آنذاك مع الأستاذة «لميس الحديدى».. وحينها سمحت الفرصة لتوثيق هذا الخلاف بمقال نشرته فى جريدة الوطن بتاريخ 17 ديسمبر 2012 تحت عنوان (مصر لا تعرف الإحباط يا أستاذ هيكل).

والحقيقة أننى أنظر لهذا الخلاف الآن بزاوية مختلفة، وهى.. أن عقل الدولة المصرية فى لحظات المصير الوطني.. محيطه بالغ العمق.. مفاتيحه ليست بالسهولة قراءتها.. وستعجز عن القراءة حتى لو كنت محمد حسنين هيكل.. فانتبه؛ لأن الكلمة سلاح.. قادر على الهد وقادر على البناء.. ومناسبة هذا الحديث هو ما يجرى على السوشيال ميديا من تحليلات فى ملفات تمس الأمن القومى المصري وكل ذلك بهدف الانتشار.. وهى كارثة من نوع خاص وجهل خطر.. جهل مستحدث.. جهل معرفى يجد من يصفق له. 

الصبر الاستراتيجى.. امتلاك القدرة.. مفاتيح النصر

كان على الرئيس «السادات» حسم أموره سريعًا قبل أن تزداد الأوضاع سوءًا.. كان عليه أولاً ترتيب البيت داخليّا.. قام بالتخلص من مراكز القوى فى مايو 1971، وهى لحظة الإعداد الفعلية للمعركة عندما استقر القرار السياسى فى يد صانع القرار السياسى.. وبدأ رجل الدولة يعمل بصبر وحكمة وإتقان وصبر استراتيجى.

كان السؤال الأول.. كيف نمتلك القدرة؟ كيف نحصل على السلاح؟ وقد كان أمرًا بالغ الصعوبة.. وشهد العديد من المناورات من أجل تحقيقه، ولا نبالغ أن كل قطعة سلاح حصلت عليها مصر جاءت بطلوع الروح.

ثم بدأت خطة الخداع الاستراتيجى.. التي أقر بها واعترف قادة إسرائيل فى كتابات عدة، من بينها كتاب صدر بعنوان (40 عامًا على الحرب) كتب مقدمته وليام كوانت مستشار الأمن القومى الأمريكى الأسبق.. فى هذا الكتاب تم الإقرار بالخديعة التي تعرضت لها إسرائيل وأن مصر كانت تمتلك معلومات دقيقة عن إسرائيل وتمرر لإسرائيل معلومات مغلوطة فى عملية مخابراتية أصبحت مرجعًا فى الحروب الاستخباراتية.

وكنت قد حضرت حلقة نقاشية مغلقة حول هذا الكتاب قبل 8 سنوات فى جامعة جورج واشنطن بقلب العاصمة الأمريكية، وهناك تحدثت إلى «وليام كوانت» حول هذه الفترة وما تضمنه الكتاب.. وقد أقر الرجل أن مصر حققت معجزة فاجأت العالم بها.. «هنرى كيسنجر» وهو الأب الروحى للاستراتيجية فى القرن العشرين وتحديدًا منذ ابتداعه نظرية «الردع الاستراتيجى» لا تزال حتى هذه اللحظة تلاحقه اتهامات بعدم قدرته على قراءة مصر جيدًا وتلاحقه اتهامات الضوء الأخضر للمعركة وينكرها دائمًا وإنكاره حقيقى؛ لأن مصر لم تحصل على ضوء أخضر من أحد ولا تنتظر إذنًا من أحد لكى تسترد أرضها وسيادتها.

وبينما الشارع يغلى.. ويشكك فى قدرة القيادة السياسية وأنها لن تحارب؛ بل إنها لن تستطيع الحرب خوفًا من الهزيمة أو خوفًا من أمريكا أو خوفًا من الاتحاد السوفيتى.. وبينما النخب ظن كبير كتابها الأستاذ «هيكل» أن تحطيم خط بارليف أو اجتيازه هو درب من دروب المستحيل وبينما مخزون السلع لا يكفى وبينما تصل النكات الساخرة من «السادات» إلى قلب منزله.. وتزلزل هتافات جامعة القاهرة محيط منزله.

كان يتم الإعداد للمعركة.. تم تصعيد جيل من القادة قادرين على خوض المعركة.. وفى منتصف يوم العاشر من رمضان فى يوم خريفى حار من أيام شهر أكتوبر عام 1973.. وبينما يمضى إيقاع حياة البيوت المصرية بين العادى أو أقل من العادى.

جاء الصوت «هنا القاهرة».. وإذاعة البيان العسكرى رقم واحد وصولاً إلى بيان النصر.. البيان رقم 7.. الذي أعلن نجاح القوات المسلحة المصرية فى تحقيق المعجزة؛ لأن المستحيل ليس مصريًّا. 

 

 

من مجلة روزاليوسف

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز