الجيش الليبي يطالب بمناطق منزوعة السلاح في مصراته وطرابلس ويضع شروطا للتفاوض
ليبيا.. تصعيد تركي وتهديد بتجاوز الخط الأحمر ورسائل مصرية رادعة
علي الفاتح
"بعين مفتي الإرهاب صادق الغرياني ينظر المجتمع الدولي إلى ليبيا".. هكذا وصف الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري موقف المجتمع الدولي المتمثل في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجاه الأزمة في بلاده، وكأنه أراد القول إن هذه الأطراف ورغم ما تبنته من مبادرات سلام إنما تسعى جاهدة لفرض رؤية وخطط التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية والتي يعمل على تنفيذها راعي الإرهاب الدولي رجب طيب أردوغان بهدف تقسيم ليبيا وتمكين الدول الغربية من الاستيلاء على ثرواتها النفطية.
المسماري قال بوضوح إن إصرار الولايات المتحدة وأوروبا على جعل مناطق سرت والجفرة منزوعة السلاح يعني مباشرة تمكين مرتزقة أردوغان وعصابات السراج الإجرامية من احتلال المدينتين ومن خلفهما الهلال النفطي دون قتال، وانتقد السفير الأمريكي في طرابلس ريتشارد نورلاند لتنصيبه نفسه ممثلا للشعب الليبي ومتحدثا باسمه، عندما يقول "الليبيون يريدون سرت والجفرة مناطق منزوعة السلاح".
تصريحات المسماري تأتي هذه المرة لتضع النقاط فوق الأحرف وترسم خطوط حمراء جديدة أمام المجتمع الدولي وذلك ردا على المساعي الأمريكية الحثيثة في هذا الصدد، وكذا التصميم الأوروبي والذي جسدته تصريحات وزير خارجية ألمانيا هايكوماس أثناء زيارته لطرابلس والتي تزامنت مع تواجد وزيري دفاع تركيا وقطر في العاصمة الليبية مطلع الأسبوع حيث شدد ماس على ضرورة نزع السلاح في سرت والجفرة وإخلاء الجيش الليبي مواقعه فيهما.
ففيما تضغط الأطراف الدولية على الجيش الليبي للانسحاب من سرت والجفرة وتسليم الهلال النفطي لقوات دولية، لم تمارس هذه الأطراف بالمقابل أية ضغوط ولو على مستوى التصريحات على الجانب التركي لسحب مرتزقته والعناصر الإرهابية التي جاء بها من كل حدب وصوب، وهو ما دفع اللواء المسماري إلى الكشف عن شروط الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر لبدء العملية السياسية، وهي الشروط التي يمكن اعتبارها خطوطا حمراء جديدة تحدد استراتيجية ورؤية الجيش الليبي لحل الأزمة.
تتلخص تلك الشروط بحسب المسماري في انسحاب المحتل التركي والقطري من كامل التراب الليبي وتفكيك جميع المليشيات والتنظيمات المسلحة وتمكين الجيش الليبي من بسط سيطرته ونفوذه على كل مدن ومناطق الغرب من مصراته وحتى رأس جدير على حدود تونس حتى يتمكن من ملاحقة فلول التنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية، بعد ذلك تبدأ العملية السياسية التي لن يكون فيها مكان لفائز السراج رئيس حكومة المليشيات وأعوانه ممن ارتكبوا جرائم حرب،حيث تتم محاكمتهم أمام القضاء الليبي.
الشروط الليبية وإن لم تكن جديدة علاوة على توافقها مع مبادرة برلين وإعلان القاهرة إلا أنها جاءت حاسمة إزاء التواجد التركي القطري وما نتج عنه من اتفاقات وعقود مع حكومة المليشيات،وكذلك إزاء مستقبل هذه الحكومة وأعضاءها واستبعادها كطرف وشريك في أي مسار تفاوضي،ويأتي هذا الحسم من جانب الجيش الليبي في سياق عدة استفزازات تركية أمريكية بدأت بإرسال أردوغان بارجة حربية إلى ميناء الخمس.
بينما كان يستضيف في بلاده سفير الولايات المتحدة في طرابلس ريتشارد نورلاند الذي ذهب ليناقش مسألة جعل سرت والجفرة مناطق منزوعة السلاح،وكما صمتت الولايات المتحدة عن إرسال تركيا المزيد من المرتزقة والأسلحة والبوارج الحربية إلى مدن الغرب الليبي لم تعلق على اتفاق تركيا وقطر مع حكومة المليشيات لتهيئة ميناء مصراته ليكون قاعدة للقطع الحربية التركية،ومنح المرتزقة السوريين والصوماليين الجنسية الليبية كخطوة مبدأية لدمجهم ضمن مليشيات السراج.
السفير رمضان البحباح: تمسك الجيش الليبي بسرت والجفرة صفعة للمساعي الغربية واحتمالات المواجهة العسكرية هي الأرجح
السياسي والدبلوماسي الليبي السفير رمضان البحباح وصف تصريحات اللواء أحمد المسماري والتي شدد فيها على تمسك الجيش الليبي بسرت والجفرة بالحاسمة، قائلا إنها تطور جديد في سياق المواقف الدولية الأخيرة،وأضاف أن هذه التصريحات أوضحت بجلاء الاستعدادات العسكرية الكبيرة للتعامل مع أي هجوم محتمل للعدو،وهو ما يعني رفض أية فكرة لانسحاب القوات المسلحة من المناطق التي تخضع لسيطرتها وأن خط سرت الجفرة يمثل الموقف الثابت والقوي الذي لايمكن التنازل عنه وهذا باعتقادي صفعة قوية للمساعي الغربية وتحديدا الأمريكية منها. يشار في هذا السياق إلى أن مصدرا مصريا رفيع المستوى قال لوكالة أنباء الشرق الأوسط الثلاثاء الماضي تعليقا على أنباء تهيئة ميناء مصراته ليكون قاعدة للقطع الحربية التركية إن هذا الأمر خارج على اتفاق الصخيرات وقرارات مجلس الأمن المعنية وأن تواجد مثل هذه القاعدة يشكل تهديدا لمستقبل الشعب الليبي ولأمن المنطقة شمالا وجنوبا.
مصر ترد بفتح خط اتصال مباشر مع الجيش الوطني الليبي وتؤكد رفض الحل منزوع السلاح
إلى ذلك حمل وفد مصري رفيع المستوى، رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المشير خليفة حفتر وصفت بالمهمة وتحدثت تقارير إعلامية عن تضمن الرسالة تأكيدا مصريا على التمسك بالخط الأحمر في سرت والجفرة ورفض قاطع لأن تكون مناطق منزوعة السلاح ومعزولة عن الجيش الوطني الليبي. كذلك شددت الرسالة على موقف مصر الرافض لتقسيم ليبيا ومحاصرة الشعب الليبي مؤكدة أن القاهرة ستفتح خط اتصال مباشر خلال الأيام القادمة مع الجيش الليبي وأن تنسيقا عالي المستوى سيتم بين الجانبين.
الرسائل المصرية الداعمة لموقف الجيش الليبي جاءت لتؤكد تمسك الدولة المصرية بالخطوط الحمراء التي رسمتها للمحتل التركي ورفضها القاطع لمحاولات خلق مناطق منزوعة السلاح واستمرار دعمها للجيش الليبي في محاربة الإرهاب المتمثل في مرتزقة أردوغان وعصابات السراج.
ورغم أن هذا الموقف ليس جديدا إلا أن ذهاب الوفد رفيع المستوى للقاء المشير خليفة حفتر في مقر القيادة العامة للجيش الوطني الليبي يعطي رسالة لكل الأطراف الفاعلة في الأزمة الليبية وقد كان صداها في التصريحات الحاسمة والقوية التي جاءت على لسان اللواء أحمد المسماري فهي من ناحية تحمل دلالات سياسية للمجتمع الدولي، مفادها أنه لا مجال سوى الالتزام بمخرجات برلين ومبادئ إعلان القاهرة والقاضية بانسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة وبسط الجيش الوطني الليبي سيطرته على جميع أنحاء البلاد،وهي من ناحية أخرى تحمل رسائل ردع لتركيا ومليشيات السراج من خلفها،وقد جسد اللواء المسماري تلك الدلالات والرسائل بتأكيده على أن تواجد الجيش الليبي في سرت والجفرة أمر طبيعي وأما الحديث عن مناطق منزوعة السلاح فينبغي أن يدور حول مدن الغرب الليبي من مصراته وحتى الحدود مع تونس التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية والعصابات المسلحة.
ويطرح الموقف المصري الليبي المتمسك بثوابت المصلحة الوطنية الليبية ومقتضيات الأمن القومي المصري تساؤلا عن الخيارات السياسية والعسكرية المطروحة أمام تركيا من ناحية وأمام الولايات المتحدة وأوروبا اللذان يتمسكان بنزع السلاح في سرت والجفرة من ناحية أخرى؟!
يعتقد السفير رمضان البحباح أن عملا عسكريا ضد سرت والجفرة قد يكون الأرجح خلال الفترة حيث يقول "على ما يبدو أن هناك أوامر غربية لادواتها تركيا وقطر بالتصعيد العسكري لمواجهة القوات المسلحة في هذا المحور ترافق ذلك مع زيارة وزيري الدفاع التركي والقطري إلى طرابلس وقبلها وزير الخارجية الألماني، ويبدو واضحا بأن المبادرة الأمريكية لاقت رفضا قويا ذلك أنها تتعارض بشكل قطعي مع المبادرة المصرية والتي وجدت دعما من جميع الأطراف بما فيها الطرف الأمريكي الذي يبدو أن موافقته هي مجرد خداع سياسي وامتصاص ردود الفعل العربية والدولية المؤيدة للمبادرة.
من جهة أخرى شدد الرئيس السيسي على ضرورة رفع درجة الإستعداد للقوات المصرية لمواجهة أي طاريء يمكن حدوثه على الساحة الليبية، أعتقد أننا نمر بحالة شد أعصاب قد تسفر عن مواجهة محتملة تكون سريعة وخاطفة ومؤثرة، وهذا يحتاج إلى تخطيط دقيق وإمكانيات لوجستية متطورة تؤدي هذه المهمة لارغام القوات المسلحة على التقهقر شرقا وتكون القوات التركية مدفوعة بشكل سريع مع عصابات المرتزقة للسيطرة على مناطق سرت والجفرة وكذلك الحقول النفطية ومن ثم التوقف عن أي عمليات عسكرية ويجري فيما بعد حوار يعتمد سياسة الأمر الواقع حسب الخطة الأمريكية، لأن بدون هذه العملية سيكون موقف القوات المسلحة أقوى في أي عملية تفاوض وفق المبادرة المصرية.
وإذا ماحدثت هذه العملية لا أعتقد أن الأمر سيتوقف عند انسحاب طرف وتقدم طرف آخر ولكن الأمر سيتحول إلى مواجهة شاملة ربما تؤدي إلى وضع كارثي سيدفع الجميع نتائجه غير المحسوبة، فمصر لن تسلم بالأمر الواقع الذي يراد له أن يحدث خاصة أن رسالتها قوية وتوصيف الخط باللون الأحمر يعني اجتيازه سيؤدي إلى أوضاع كارثية نتيجة المواجهة العسكرية المباشرة التي ستحدث جراء اجتيازه".
ويؤكد ترجيح الدبلوماسي الليبي لاشتعال جبهة سرت الجفرة عودة مليشيات السراج إلى إطلاق التهديدات باقتحام المدينتين عسكريا حال لم ينسحب منهما الجيش الوطني الليبي خلال مهلة زمنية محدودة وقد صدرت تلك التهديدات عبر صفحة بركان الغضب التابعة لمليشيات السراج عقب إعلان الجيش الليبي إعادة فتح الموانئ النفطية،وبعد زيارة وزيريدفاع تركيا وقطر إلى طرابلس.
يشار في هذا السياق إلى أن إعادة فتح الموانئ النفطية لم يأت استجابة لأي ضغوط غربية وإنما بهدف تفريغ الخزانات التي امتلأت بالمكثفات الناتجة عن عمليات استخراج الغاز وخشية من حدوث كارثة حال استهدافها من قبل العناصر الإرهابية وكذلك بهدف مد محطات الكهرباء بالوقود اللازم لحل مشكلة انقطاع التيار الكهربائي عن أغلب المناطق والمدن الليبية وقد أكد اللواء المسماري أن هذه الخطوة مؤقتة وليست دائمة كما يزعم البعض.
الأيام المقبلة حبلى بالكثير من التطورات خاصة وأن الأزمة الليبية ليست بعيدة عن ملفات إقليمية ودولية أخرى تتشابه معها منها الصراع اليوناني القبرصي مع تركيا في حوض شرق المتوسط والمواجهة الأوروبية المتوقعة مع أردوغان عبر حزمة العقوبات التي تنتظره لإصراره على التنقيب بالمناطق الاقتصادية القبرصية واليونانية كما أن اتفاق السلام بين دولة الامارات العربية المتحدة وإسرائيل قد تكون له انعكاساته على مجريات الأحداث في ليبيا في ظل إعادة ترتيب أوراق التحالفات الدولية والإقليمية في المنطقة.