خليل الذاودي يكتب: عندما تكون التقنية صديقة للإنسان
عندما نتعامل في هذا الزمن مع التقنية الحديثة بكل معطياتها، ونحاول أن نجاري من هم ضليعون بكل أسرارها ونواميسها نجد أنفسنا مضطرين لطلب المساعدة من أبنائنا وربما أحفادنا، فمنذ سنوات كان التربويون عندما يتصدون لمحو الأمية، ويبذلون الجهود الكبيرة في فتح مراكز محو الأمية وتهيئة المدرسين وتنظيمات إدارية في وزارات التربية والتعليم بدولنا لمحو الأمية، شعورًا من المسؤولين بواجب أن يتعلم الناس ومن فاتهم قطار العلم منذ الصغر أن يعوضوا ذلك بالالتحاق بصفوف مراكز محو الأمية ويتعلموا القراءة والكتابة وأن تتاح الفرص للجنسين المرأة والرجل في مجتمعاتنا للحاق بركب العلم، البعض اكتفى بالقراءة والكتابة، والبعض واصل تعليمه إلى آخر مشوار التعليم والالتحاق بالجامعات وهناك نماذج مشرفة في مجتمعاتنا استطاعوا أن يتغلبوا على أميتهم ويكونوا في مقدمة الصفوف، وعندما نجحت مساعي وجهود محو الأمية كنا نسمع من يقول: سيأتي عليكم زمان يختلف فيه تعريف الأمية من مفهوم القراءة والكتابة أي الأمية الأبجدية إلى أشياء أخرى وجاء الوقت الذي لم تكن فيه فعلاً الأمية بمفهومها القديم «الأمية الأبجدية» وأصبح من لا يجاري تقنية العصر ووسائله ومعطياته وفنون وسائل التواصل الاجتماعي فهو يعيش الأمية في وجدانه وعقله وتفكيره وتصرفه البشري وبذلك يشعر بأنه خارج منظومة تقنية وسائل التواصل الحديثة وما يمكن أن تغير في إيقاع حياتنا اليومية.
عندما جاء الكمبيوتر إلى عالمنا انبهرنا به وكان على شكل ألعاب «أتاري» تمهيدًا ربما لشيء آخر أكثر تقنية وبالفعل تطورت هذه الأجهزة تطورًا متسارعًا ومنها الهاتف النقال بحجمه الكبير وليس مستغربًا أن تجد أحد المسؤولين وهو يحمل هذا الجهاز أينما يكون، ثم جاء الهاتف المثبت في السيارة واتبعه جهاز المناداة «البليب»، وهكذا كان تعاملنا مع الفاكس وأصبحنا في حالة ذهول من هذه التقنية التي تنقل المراسلات في التو والحال أينما يكون الإنسان.
كان علينا لكي نتعلم التعامل مع الكمبيوتر أن نفهم لغته القائمة على مبدأ (I 0 1 ) آي صفر واحد، التحقنا بمراكز خاصة لتعليم الكمبيوتر والطباعة واستخلاص المعلومات وبدأت الوزارات تعلم موظفيها على استخدام الكمبيوتر وكان المرحوم طارق عبدالرحمن المؤيد وزير الإعلام الأسبق يرحمه الله من المغرمين بالتقنية الحديثة ومن بينها الكمبيوتر، فاشترت لنا الوزارة يومها أجهزة بسيطة للتدرب عليها ونظمت ورشة تدريب للموظفين الراغبين في التعامل مع الكمبيوتر البعض قبل التحدي والبعض وجد أنه ليس بحاجة إليه. كما قام يرحمه الله بتركيب جهاز المناداة وكي توكي Walktalk في سيارات بعض المسؤولين في الوزارة لتسهيل الاتصال بهم بالتنسيق مع الجهات المختصة بالدولة ولما التحقنا بجامعة البحرين - كلية إدارة الأعمال ضمن البرنامج الذي تبنته مشكورة حكومة البحرين وأطلق عليه برنامج التعليم الإداري المستمر لنيل درجة الدبلوم إلى الماجستير وهو إلحاق الإداريين من وزارات الدولة ومؤسساتها والشركات الخاصة والمؤسسات بغية التطوير الإداري في البحرين وإسناد ذلك إلى جامعة البحرين كلية إدارة الأعمال، وكان من بين الحصص الأساسية حصة الكمبيوتر وتقنياته، وكان علينا أن نتعرف على إمكانات الكمبيوتر وما يمكن أن يحدثه من تطوير في علم الإدارة والأداء الإداري للموظفين على مختلف مسؤولياتهم والجهات التي يعملون فيها، وكان برنامجًا ناجحًا، وكانت حكومة البحرين سباقة في هذا المجال الحيوي.
اليوم أبناؤنا وأحفادنا أعتقد أنهم لم يعيشوا هذا المشوار الطويل لفهم لغة الكمبيوتر وتقنياته، فقد أتيحت لهم معطيات تقنية سهلة وتطورت مدخلات لغة الكمبيوتر في الحاسبات والألواح الإلكترونية والهواتف النقالة، قد يتعلمون منها في المدارس، أو مراكز استخدامات وسائل التواصل وربما تعلموها وهو الغالب من أصدقائهم ومعارفهم والتحدي الذي واجهوه بكل جسارة ورباطة جأش وحب للتعلم وربما المجاراة، ورغبتهم في اللحاق بالتطورات التقنية.
لا شك أن وسائل التقنية الحديثة ساهمت كثيرًا في إيقاع الحياة والتسهيل على الناس وقضاء الأعمال بالسرعة المطلوبة والإتقان، وخلقت ظروفًا وتسهيلات للتعامل في المؤسسات الحكومية عبر الحكومة الإلكترونية وكذلك مع المؤسسات التجارية والمصارف المالية، فإيقاع المجتمعات يسير في هذا الاتجاه محليًا وإقليميًا وعالميًا.
في الحقيقة لازال في مجتمعاتنا من هو في أمس الحاجة إلى التدريب وفهم هذه المعطيات الحديثة الضرورية، ومن هنا فإن واجب الدولة والمؤسسات والوزارات إتاحة الفرصة للتدريب لمن هو بحاجة إليه، وربما فتح فصول دراسية على غرار مراكز محو الأمية يفيد المجتمع ويتيح المجال للجميع والتعرف عن قرب على التقنية الحديثة وفهم أسرارها والتدريب على التعامل معها بفهم واستيعاب للمصلحة العامة، فالتقنية لا تقف عند حد، ولذلك عندما يجد المرء منا أن هذه الوسائل سهلت عليه حياته، وأصبح إيقاع الأداء أكثر نجاحًا ويسرًا وسهولة وحقق من خلاله ما يرغب في الوصول إليه بالسرعة المطلوبة والإتقان، فستكون هذه التقنية بالتأكيد صديقة للإنسان الراغب في تطوير أدائه بما يعود بالخير على الوطن والمواطنين.
سنظل دائمًا وأبدًا مادمنا نعيش بحاجة إلى التعلم وبحاجة إلى أن نفهم ما يدور حولنا والأدوار المناطة بنا لما يخدم وطننا ونكون أعضاء فاعلين وإيجابيين مع كل من ينشد الخير للوطن وأهله.
وعلى الخير والمحبة نلتقي...