مودي حكيم
85 عاما صحافة 8
الأب الروحي
عرف اليُتم باكراً، مات أبوه عنه وهو في السنة الأولى من سنيّهِ، فتربى علي عجوة، في كنف أمه الثكلى وشقيقه البكر، الذي تعهده ورعاه.
وعلى الرغم من حياة الكفاف، والضنك، في الريف المصري القاسي، فقد تمكن شقيقه، الذي قَسَاعليه الزمن، من توفير كل السبل لتعليم شقيه، وعندما وصل علي الى المرحلة الثانوية، أمَّنَ، له، سنة 1962 الانتقال إلى القاهرة، والالتحاق في كلية الآداب، قسم صحافة، في جامعة القاهرة. انكب علي عجوة على التحصيل من دون كلل، فمهر في الدراسة، وكان حظه من النجاح وافراً، فنال سنة 1966 إجازة في الآداب بإمتياز، واستطاع بجهده، ودأبه المتواصل على الدراسة ،والتتبع الدقيق، من الحصول على شهادة الدراسات العليا (ماجستير) سنة 1970، وراح، بعدها، يحضر أطروحة الدكتوراه،فأتمها، وناقشها سنة 1974، واللجنة الفاحصة، منحته رتبة شرف.
في خواتيم سنة 1975 سافر إلى الولايات المتحدة، يطلب المزيد،من جامعاتها، ويتعمق فيها، على كبار الأساتذة، في دراسة مختلف الأدبيات، التي تناولت حقل العلاقات العامة في البلاد. وعاد، متمتعاً بما لم يبلغه غيره في مجال الدراسات الإعلاميّة و والاتصالات، وفي حقل العلاقات العامة والتصوير الذهنيّ.
وأخذ الدكتور علي عجوة، يتبوأ المناصب الرفيعة، وتتهافت عليه الجامعات للتدريس فيها: أعير لكلية الاداب بجامعة الملك عبد العزيز ،قسم الإعلام والعلوم الإنسانية، ثم "أستاذ زائر" في "جامعة العين"، بدولة الإمارات العربية. ولأن بلاده أولى به، وبعلمه، فقد تولّى عمادة "كلية الإعلام" في جامعة القاهرة ،إضافة لعضويته في العديد من المجالس منها، "المجلس الأعلى للصحافة"، ثم "مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون"، و"المجلس القومي للإعلام"، إلى "المؤتمر القومي للسكان"،و" مؤتمر وسائل الإعلام والعالم النامي"، وشارك في "مؤتمر الإعلام الأفريقي" ، و"شؤون الاحزاب السياسية "، و"اللجنة الفنية العليا لتنظيم الأسرة". إن كان في تلك المجالس واللجان، والمؤتمرات، مناقشاً، مبدياً النصائح المستقاة من معين الفهم، والعلم، والخبرة، والرعاية، والعناية، فإنه في الندوات العديدة التي شارك فيها،كان منافحاً، لا يرمي الكلام على عواهنه يختزن في ذهنه ضروب المعارف،وأبهى ما في طريقته في الحديث أنه يجيد الإصغاء، يعرف دائماً أن يدافع عن آرائه بقوة، وشدة، دونما لين، أو، هوادة، ومن دون أن يخرج عن آداب المناظرة، والنقاش.
والدكتور علي عجوة، كان يستشار، في مجال الاعلام، من الوزرات، والجامعات، في مصر، وخارجها، فكان يستضاء بفكره،ويعتد بمشورته، فطار ذكره في مصر والعالم العربي. أشرف علمياً على عشرين رسالة دكتوراه، وما يقر ب من ثلاثين رسالة "ماجستير "، و تكريماً له أطلق إسمه على دفعة 2012 من"كلية الإعلام" في جامعة القاهرة.
حصل على العديد من الجوائز ، منها "جائزة جامعة القاهرة التقديرية في العلوم الاجتماعية"و"دروع التقدير" من الجامعات في مصر، وسوريا، السعودية، والإمارات العربية، والبحرين.
استقامت أمامه سبل التمحيص، والتدقيق، والغربلة، كل ذلك إلى رجحان الرأي وبعد النظر، فوضع على أرفف المكتبة العربية،من صرير قلمه، سبعة كتب، أبرزها :"العلاقات العامة والصورة الذهنية"، "الأسس العلمية للعلاقات العامة"، "الإعلام وقضايا التنمية"، و"العلاقات العامة وإدارة الأزمات".
كتابة الدكتور علي عجوة، صافية اللغة، متوازنة الجمل، متّسقة الأفكار، نسجها بأسلوب منطقي. فجاءت سهلة، واضحة، قريبة التناول.
أما أبحاثه، 18 بحثاً، فقد ساقها على نهج علميٍّ آسِرٍ، أكسبته ثقة العلماء والمتبحرين في مجالى الاعلام والعلاقات، وامتازت بالتتبع، والتعمق، والفضفضة في الأحكام، والاستنتاجات التي كان يخرج بها.
إن ما كتبه الدكتور علي عجوة، إلى الآن، ينم عن ثاقب فكره، وتفوق مداركه، فهو واحد، من الذين أبدعوا، وخلقوا تراثاً، زاد من ذخيرتنا العلمية، والأدبية، وبالتالي من تراثنا الفكري.
جدلي، الدكتور علي عجوة، قوي الحجة، له وصايا عشر حول إقناع القارئ، أو ،المتلقي في معارك الرأي العام وعنده، أن عدالة أي قضية ليست "ضمانه لتحقيق الفوز بها"، لأننا لانستطيع إقناع الآخرين، مستشهداً بعبارة منسوبة إلى رائد العلاقات العامة الأمريكي آيفى لي: "ليس مهما أنَّ تفعل الخير؛ المهم أن يقتنع الآخرون بأنَّ ما تفعله هو الخير".
من وصايا الدكتور عجوة أيضا، أنَّ وسائل الاتصال والتواصل، لا تستطيع تغيير صورة غير موجودة فى الواقع، أو نقل واقع غير موجود، ولذلك، فإنَّ التعويل عليها بمفردها قد لا يكون مجدياً،أو كما يشير فولتير: "الطريقة الوحيدة التي تجعل الناس يتحدثون عنك بشكل حسن، هو أن تتصرف بطريقة حسنة".
أما الصدق، في وصايا وتعاليم الدكتور علي عجوة، فهو أقصر الطرق إلى قلب الجمهور، فبالصدق يحترم هو احترام ذكاء المتلقي،والنصح الذي يجيده ها هنا: "لا تستوحشوا طريق الصدق والحق لقلة سالكيه".
"بلاغة الإيجاز"، قاعدة وسائل الاعلام، فتأثيرها، يتناسب مع أيجاز الرسالة المراد إيصالها، فقط، لا بالتطويل الممل. ذلك أن "الرسائل الاعلامية"، التي تراهن على "طول بال"المتلقى، وعلى صبره لا تُؤْتي أٌكُلَهَا بشكل مباشر، فطول الرسالة، أو، البرنامج، هو، دليل على عدم الإعداد الجيد، وعلى "توهان الفكرة"، وفقدان البوصلة والاتجاه. ويستشهد الدكتور عجوة ، في هذا المقام،بمقولة الشاعر الفلسطينى محمود درويش: "على قدر حلمك تتسع الأرض".
ويرى الدكتور عجوة، أنَّه على قدر اتساع الرؤية يمكن تحديد الأهداف الاتصالية بدقة، ويمكن تنفيذها بفعالية. غياب الرؤية الواضحة، وغياب الأهداف المحددة يضعف البيئة الاتصالية، ويجعلها منزوعة الدسم، غير قادرة على التأثير أو تحقيق المراد.
تمنى الدكتور علي عجوة أن تقتفي إحدى بناته، خطاه، وكان له ما تمناه، فقد أصبحت إبنته نرمين، "أستاذ مساعد" في كلية الأعلام" ، ومديراً "لمركز بحوث ودراسات المرأة والإعلام"، والابنة الثانية مروة بوزارة الثقافة. تخرج به مئات الإعلاميين والإعلاميات، خرجوا إلى في مجال الإعلام المرئي، والمقروء، والمسموع في مصر، كما أنهم يشكلون القوى الغالبة في العالم العربي.
أدام الله عطاء علي عجوة الأب الروحي للعلاقات العامة والإعلان ، وأطال فى عمره .