عاجل
الإثنين 16 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

"لما كنا صغيرين".. دراما مجتزأة الملامح

"دراما الكارتون"، لا يحمل هذا الوصف بأي حال من الأحوال سخرية من الأعمال الكارتونية بقدر ما يحمله من وصف للعمل الذي نحن بصدد الحديث عنه "لما كنا صغيرين".. يعتمد الكارتون بشكل أساسي على عدم المنطق في تسلسل أحداثه أو في المفاجآت الخارقة، التي قد يتعرض لها أبطاله كنوع من إثارة حماس الأطفال على الاستمرار في المتابعة، فهو مداعب لخيال الصغار أكثر مما يمت للمنطق بصلة، وذلك عكس ما تعتمد عليه الدراما التليفزيونية الجادة، التي تتعرض عادة إلى قضية لها بداية ووسط ونهاية وينتظر الجمهور بفارغ الصبر هذه النهاية طوال الشهر الكريم حتى يعلم هل هذا العمل كان يستحق ما تكبده من عناء المتابعة والانتظار أم لا؟! جاءت حبكة المسلسل التليفزيوني "لما كنا صغيرين"، تأليف أيمن سلامة وإخراج محمد علي مخيبة للآمال، خاصة في حلقات النهاية التي حملت مفاجآت محت كل ما جاء بالعمل بالكامل من أحداث أولية، وكأننا كنا على موعد لمشاهدة عمل درامي منقسم إلى عملين في عمل واحد، فما فات مسلسل وما جاء في الحلقات الثلاث الأخيرة مسلسل آخر، تدور أحداثه حول علاقات متشابكة، وربما قوية عاطفيا بين مجموعة من الأصدقاء خريجي الجامعة الأمريكية، التي تقتل أحدهم داخل منزلها ويحاط الغموض بجريمة القتل وبالطبع هذه النوعيات من البداية المشوقة المثيرة للتساؤل حول من القاتل هي دراما مضمونة لإثارة المشاهد وإجباره على الاستمرار والمتابعة، تتصاعد الأحداث وتحيط الشكوك بسليم منصور، نظرا لما علم عن الرجل من احتراف تجارة المخدرات ودوافعه تجاه قتل الضحية التي سيستفيد من قتلها باستغلال تلويث سمعتها بتجارة المخدرات كي تنسب لها القضية، بجانب ذكائه الكبير الذي يجعله دائما الفائز أمام حيل المحامي ياسين الذي يحاول الإيقاع به بكل الطرق!



 

 

رسم المؤلف العديد من الشخصيات والعلاقات المتشابكة بل والمعقدة بسليم منصور محمود حميدة، بداية من علاقته بالشباب الذين استغلهم جميعا لخدمة مصالحه فهو يمتلك حق تدمير مستقبلهم إذا خرج أحد عن قانونه أو سلطته، وهكذا تتوالى الأحداث وتزداد الكراهية لهذا الرجل والرغبة في الانتقام منه، باعتباره المدبر الأوحد لكل الشرور بالعمل، في المقابل هناك شخصية ياسين التي تحاول الدفاع عن الحق وإثبات براءة أخيه وإنقاذ دنيا "ريهام حجاج" من كل ما يحيط بها من مخاطر؛ ثم تأتي المفاجآت بمقتل سليم منصور على يد "دنيا" دفاعا عن النفس لأنه حاول الاعتداء عليها داخل منزلها هكذا يظن المشاهد المسكين؛ ففي تحول مفاجئ قتلت الدراما على يد "دنيا" بقتل هذا الرجل نسف المؤلف الدراما من الأساس ودعا  المشاهد لنسيان كل ما مضى لنبدأ من جديد، يظهر ماجد المصري الضابط أو المحقق الذي تتكشف على يديه الحقائق الغائبة بمواجهة البطلة بكل أحداث المسلسل، التي كانت هي السبب الرئيسي فيها فهي من دبرت وقتلت وانتقمت من الجميع حتى تعيش حياة سعيدة هانئة خالية من التهديد.

 

 

دائما يشكل عنصر المفاجأة متعة ولذة؛ خاصة في اكتشافه مع تتابع أحداث العمل الدرامي، بينما هنا لم تكن هذه مفاجأة بقدر ما كانت صدمة كبيرة غير منطقية وغير مبررة، تحول الأحداث بهذا الشكل المبالغ فيه صنع من المسلسل حالة كاريكاتورية ساخرة، وجعل شخصية دنيا أو ريهام حجاج أقرب في رسمها للشخصيات الكارتونية الخارقة، التي استطاعت ارتكاب كل هذه الجرائم بمنتهى الحكمة والدهاء دون أن تترك أثرا وتحيا حياة سعيدة؛ تقع في الحب وتتزوج وتخدع كل من حولها دون أن نشاهد لها مشهدا يشير لاضطرابها النفسي أو خلل عقلي أو شعور بالذنب أو أي شيء من شأنه قد يبرر كل هذه المفاجآت الخارقة التي تعرضت وعرضت المشاهد لها، وكأن وجود شخصية بثقل سليم منصور، كما أشارت الدراما في البداية لم يكن له قيمة في حركة تصاعد الأحداث أمام انتهاء اللعبة لصالح دنيا، إلى جانب ذلكما فائدة شخصية ياسين المحامي، وما الذي فعله كرجل صاحب تاريخ طويل في البوليس ثم المحاماة؟!، ما قيمة سعيه طوال العمل ودأبه للإيقاع برجل في حجم سليم منصور، الذي ينتهي إلى لا شيء!.. ثم هل كان هو المكتشف لشخصية دنيا أم لم يكن؟!، هل واجهها أو شاهدنا لهم مشهدا يجمعهما بعد كل هذا الحب والهيام كنوع من العتاب على ما مضى؛ لم يحدث أي شيء سوى اكتفاء هذه الحلقات الأخيرة باعترافات ريهام حجاج غير المنطقية وغير المبررة، بعد اكتشاف محادثة على جهاز سليم منصور تكشف دوافعها تجاه قتل أعز أصدقائها، ثم تتوالى الدوافع العجيبة حول مقتل صديقها وائل وسجن حسن وحبس زوجها يحيي، وهو ما يدفعنا للتساؤل لماذا لم يهدد سليم دنيا ولو مرة بهذه المحادثة، ولماذا لم ينتقم منها من البداية، حالة من التشويش والتشتت أحاطت العمل بالكامل، شخصيات لم تكتمل على الورق كأن المؤلف قدم بطلا للشر مجتزأ الملامح هو وكل مساعديه، وكذلك شخصية المحامي خالد النبوي؛ وأخيرا البطلة ريهام حجاج، لم يشهد العمل صراعا واضحا وحقيقيا بين الجميع كما لم نشاهد شخصيات مكتملة دراميا أو قادرة على الفعل، "دنيا"، وحدها من فعلت كل شيء وكأن الكاتب مل التفكير وكان لا يعلم كيف سينتهي العمل فقرر تلفيق هذه النهاية المهلهلة.

 

بالرغم من الأزمة الواضحة في كتابة شخصيات العمل الدرامي، وعدم اكتمالها إلا أن الممثلين بذل كل منهم جهدا ذاتيا أمام الكاميرا مثل محمود حميدة الذي لعب دوره باقتدار كعادته غير عابىء بعيوب السيناريو، وكذلك خالد النبوي وكأنهما رفعا شعار التمثيل هو الحل، وبعض الشباب المشارك الذي حاول إثبات وجوده وموهبته سعيا في الظهور بين الناجين من دراما هذا العام مثل صاحب دور حامد أحمد طلعت شقيق الضحية نهى أو نسرين أمين كان جيدا للغاية ولافتا للأنظار، وكذلك حسن عبد الله في دور الضابط عصام وهاني عادل وياسر عزت وماجدة منير ومحمود حجازي وماهر سليم، كل هؤلاء تعاملوا مع أدوراهم بجدية شديدة، ودخلوا في تحدي إثبات الوجود بعيدا عن ضعف الدراما المقدمة.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز