الخميس 25 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

خدمة الدين تبتلع خمسة أضعاف موازنات الرعاية الصحية بدول جنوب الصحراء الإفريقية

بوابة روز اليوسف

دعا مسؤولون في البلدان النامية ولاسيما في منطقة جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى، المؤسسات التمويلية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد والبنك الدوليين ، إلى تبني برامج دعم لتسديد الديون التي تراكمت على عاتق تلك البلدان حتى تتمكن من مواجهة أزمة تفشي وباء كورونا الذي ألقى بضغوط حرجة على موازنات تلك الدول.

 

ويقول مراقبون إن الدعوة الراهنة تنصب على مفاوضة كبار الدائنين لوقف فوائد خدمة الديون التي تراكمت على عاتق الدول النامية والفقيرة خلال العقد الأخير الذي شهد تسهيلات ائتمانية زادت من شره الحكومات النامية نحو الاقتراض والاستدانة.

 

وأشاروا إلى أن الفكرة تتلخص في وقف مدفوعات الدين وأعباء خدمته لمدة عامين حتى تتمكن الدول الفقيرة والنامية من تركيز مخصصاتها ومواردها لمواجهة إشكالات التحديات الراهنة لأزمة وباء كورونا (كوفيد- 19) على القطاعات الصحية الواهنة والتي كشفت مدى النقص الحاد في البنية الصحية الأساسية المتمثلة في المستشفيات والكوادر الطبية في دول جنوب الصحراء الإفريقية.

 

وأكدوا أن الأمر لن يصل إلى تكرار ما حدث في أزمة الدين العالمية التي شهدتها حقبة تسعينيات القرن الماضي حين انطلقت مفاوضات لاسقاط الديون عن البلدان الأكثر مديونية والأقل دخلاً في العالم مع كبار الدائنين في "نادي باريس"، الذي يشكل تحالفاً لأكثر الدول والمؤسسات الثرية في العالم، وانتهت بإطلاق مبادرة إسقاط الديون عن الدول الأكثر فقراً.

 

ويقول المحلل في مؤسسة "رينسينس كابيتال"، يفوني مهانجو، "نظراً لافتقار حكومات جنوب الصحراء الإفريقية للموراد اللازمة لإطلاق برامج تحفيز مالية، نعتقد أن تعليق سداد خدمة الديون وأقساطها بات أمراً حيوياً. فدولة مثل غانا "تنفق خمسة أمثال ما تنفقه في الرعاية الصحية على مدفوعات فوائد الديون المستحقة عليها. وتحرير تلك المخصصات سيساعد في تخفيف آثار الأزمة."

 

وتشير اللإحصاءات أن نيجيريا، أكبر اقتصاد في القارة وصاحبة أكبر تعداد سكاني بها يقترب من 200 مليون نسمة، لم تنفق سوى 5ر0 في المائة من موازنتها لعام 2017 على الرعاية الصحية.

 

أما غانا فقد أنفقت حوالي 1 في المائة من موازنتها 2017 على الرعاية الصحية، لكن الرئيس الغاني، نانا أكوفو- أدو، يبدو مصمماً على التأكيد أن هناك مستقبلاً أفضل لقطاع الصحة العامة في البلاد بوجه عام وليس في مواجهة وباء كورونا فيروس.

 

فقد أعلن الرئيس الغاني أخيراً عن أكبر استثمار صحي في تاريخ غانا بتشييد 94 مستشفى جديدة، من المقرر الانتهاء منها خلال عام من الآن. كما ستنشئ الحكومة الغانية ثلاثة مراكز للأمراض المعدية في شمال البلاد ووسطها وجنوبها، وذلك تمهيداً لإطلاق مشروعها لإقامة "مركز غانا لمكافحة الأمراض". 

 

لم تكن غانا الدولة الوحيدة جنوب الصحراء التي بادرت بالإعلان عن استثمارات صحية ضخمة، بل سارعت كينيا ونيجيريا إلى توسيع مرافقها الصحية وإعداد المزيد منها تحسباً لتزايد أعداد المصابين بفيروس (كوفيد-19) وعجز المستشفيات الراهنة على مواجهة تداعيات الأزمة. وهي الأزمة التي عانتها حتى البلدان الثرية والمتقدمة مثل الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية التي صدمت بقفزات أعداد المصابين بالفيروس وعجزت أنظمتها الصحية المتطورة على التصدي للأزمة.

 

حتى الآن، فإن الأعداد المؤكدة للمصابين بمرض فيروس كورونا في أغلب أنحاء إفريقيا والتي قدرت بنحو 35 ألف حالة من بين أكثر من 2ر1 مليار إنسان يعيشون في القارة، وهي أعداد يراها المراقبون نسبياً قيد السيطرة. عادة ما يشير خبراء الاقتصاد إلى أن الاقتراض لا يعد إشكالاً حين يتعلق الأمر بإدارة اقتصاد البلاد؛ ففي أغلب الأحيان بالتحديد بالنسبة للدول النامية التي تنخفض فيها معدلات الضرائب المفروضة ولديها نقص في الصادرات الأساسية، فإن الديون هي أحد الأدوات المهمة التي تستخدم على سبيل المثال لتمويل بناء المستشفيات، والمشروعات الاجتماعية، وشبكات الطرق لخدمة الاقتصاد.

 

غير  أن هناك جدلاً عادة ما يثار بشأن ما إذا كانت تلك الديون تُنفق من أجل تحقيق أولويات الحكومة لتعزيز استمرارها في السلطة أم لتحقيق أولويات المواطنين.

ويعاود المحلل المالي يهانجو القول إن القضية الأساسية لتعليق سداد أقساط خدمة الدين بالنسبة لدول جنوب الصحراء الإفريقية تتمثل في أن تلك الدول ليس لديها أدوات لإطللاق تحفيز مالي مثلما هو الحال بالنسبة للاقتصادات الأكثر ثراءً والأكثر تقدماً .

 

ويلفت إلى أنه بدلاً من برامج التحفيز، فإن دولاً مثل غانا وكينيا ونيجيريا إذا حصلت على امتياز بتعليق الديون من صندوق النقد والبنك الدوليين وغيرها من المؤسسات والهيئات المانحة، فإن تلك المخصصات سوف تستخدم على نطاق واسع لمواجهة النقص الحاد في الإيرادات إلى جانب تمويل النفقات الصحية والاجتماعية الطارئة التي نجمت عن تداعيات وباء كورونا المستجد .

تم نسخ الرابط