عادل عبد المحسن
..وعلى أرضها أموت
ظللت برهة من الوقت لا أكتب مقالًا، فلم أجد ما يستحق الكتابة، لكن اليوم ليس ككل يوم، فلا بد من أن أكتب عن رجل أعطى مصر كل جهده وعمره بطيب خاطر، يوم رحيله، وهذا يجعلنى أتساءل، ماذا بينك وبين ربك يا مبارك ألا ترحل سوى بعد مرور 48 ساعة على حصول نجليك علاء وجمال على البراءة فى قضية التلاعب بالبورصة؟.. وكأنك كنت تنتظر سماع حكم البراءة لتقول وداعًا.
لذلك جاءت ردود الأفعال على رحيله من المصريين، تعبر عن عظمة هذا الشعب، بأنه يستحق كل غالٍ ونفيس، فبمقارنة بسيطة بين ردود أفعال المصريين على وفاة الرئيس المعزول محمد مرسى يوم17- يونيو 2019، ورحيل الرئيس الأسبق حسنى مبارك، صباح اليوم، يجعلنا نستحضر قول الله عز وجل،”كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ”.
مبارك ليس ملاكًا ولا نبيًا، ولكن مصريًا وطنيًا، أعطى وطنه واجتهد وأصاب وأخطأ، أتذكر ذلك اليوم عندما استعادت مصر طابا، بعد معركة دبلوماسية وقضائية مصرية، أدارها المصريون كسيمفونية يقودها الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
أتذكر كلماته في لقاء تليفزيونى عابر، عندما سألته مراسلة لقناة أجنبية، هل تقبل المفاوضات بخصوص "طابا" قال: لم نسقط المفاوضات من تفكيرنا ولما سألته المراسلة، بأن المفاوضات تعنى تنازل طرف من الأطراف، فكان رده نتنازل مقابل ماذا، إن طابا مصرية احتلت عام 1956، وتم استعادتها واحتلت في عام 1967، فلماذا لا نستعيدها مجددًا؟ فسألته المراسلة التليفزيونية، هل يمكن أن تتنازل مصر عن طابا مقابل أشياء تحتاجونها؟ فكان رد الرئيس الأسبق ذكيًا يعبر عن عمق تمسك المصري بتراب الوطن، وهل يمكنك قبول مبادلة أحد أطفالك؟
كم تحمّل مبارك من أكاذيب وافتراءات جماعة الإخوان الإرهابية؟ بأنه موالٍ للأمريكان، وتبين أنهم غارقون في العمالة والخيانة للأمريكان واليهود، حيث كشف لنا الله خيانتهم على رؤوس الأشهاد يرتدون الكرافتات عليها العلم الأمريكي، ويتمسحون في أحذية المسؤولين الأمريكيين في البيت الأبيض.
ما يكشف أن الرئيس الأسبق حسني مبارك، كان موجعًا للإسرائيليين، أن مواقع وصحفًا إسرائيلية نشرت خبر وفاته بصورة له وهو خلف القضبان، أثناء محاكمته في قضايا جائرة، حصل فيها على البراءة من خلال قضاء مصر النزيه.
يرحل مبارك اليوم، ونحن نتذكر كلماته التي تشع وطنية، “إن حسني مبارك الذي يتحدث إليكم اليوم يعتز بما قضاه من سنين طويلة في خدمة مصر وشعبها.. إن هذا الوطن العزيز هو وطني مثلما هو وطن كل مصري ومصرية.. فيه عشت وحاربت من أجله ودافعت عن أرضه وسيادته ومصالحه، وعلى أرضه أموت”.
يرحل مبارك اليوم في أول أيام شهر رجب المحرم، وقد أُمطرت مصر كُلها ليلة وفاته كأن سماءها قبل أرضها تبكي عليه!
وتوقفت جميع جامعاتها ومدارسها، كأنها تعلن الحداد عليه! قبل أن تعلن الدولة عليه الحداد، وتقام له جنازة عسكرية تليق بتاريخه العسكرى والوطني، تضحياته من أجل الوطن، فمصر لا تنسى أبناءها المخلصين، ويدفن فى ثاني أيام الأشهر الحرام شهر رجب وكأنه يقول قلت لكم إن التاريخ سيحكم عليّ وعلى غيرى بما لنا أو علينا.. إن الوطن باقٍٍ والأشخاص زائلون.. ومصر العريقة هي الخالدة أبدًا.. تنتقل رايتها وأمانتها بين سواعد أبنائها، وعلينا أن نضمن تحقيق ذلك بعزة ورفعة وكرامة جيلًا بعد جيل.
حفظ الله هذا الوطن وشعبه.. وكأنه يقول لنا أيضًا لقد حدد الله لقائي به في أعظم الأشهر عنده، لأني عند ربي كريم.
اقرأ للكاتب أيضًا.. أموت على الجبهة