

د. حسام عطا
النقاد ومؤتمر نقابة الصحفيين السادس.. ملاحظة جوهرية
كان موقفي المهني كأستاذ للدراما والنقد المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية هو السبب والدافع الأول، وفقاً لما يراه قانون المجلس الأعلى للجامعات وقانون أكاديمية الفنون ووفقاً لما سار فيه الأساتذة الكبار الذين سبقونا وكانوا منارات ثقافية كبرى، هو موقف الارتباط الضروري بالكتابة في الصحف والمجلات الكبرى في مصر.
كان الموقف غير مفهوم لعدد من الزملاء الذين يعملون كصحفيين محترفين. ولكن مع مرور الوقت أصبح الموقف واضحاً عبر الحرص على الكتابة في المسرح والفنون التعبيرية بالأساس لأنه مجال الاختصاص المهني، إنه الناقد إذن.
وفي ضوء تطور مفهوم النقد الثقافي تتسع دوائر الكتابة بالضرورة أيضاً في الشأن العام وفي القضايا ذات الصلة.
ولذلك فمن حقي الاستئذان كمصاحف وليس صحفي، فلست صحفياً لكنني حقاً قدمت سنوات طوال من عمري للصحافة المصرية وفي القلب منها روزاليوسف والتي حصلت فيها على دفء وحيوية وثقة الزملاء في هذه المدرسة العريقة، والتي يحق لي أن أفخر الآن بأنني واحد من جماعتها ذات الطابع المهني الخاص في الصحافة المصرية.
ولأسباب أخرى وعلى رأسها اهتمامي بضرورة وجود حضور الصحافة المصرية والإعلام المصري في نسخه الصحفية المسموعة المرئية فيما يختص بمسألة العمق الثقافي والمحتوى الفني والمعرفي والجمالي. وهو الدور الهام الذي حضر في بلاط صاحبة الجلالة لأجيال وأجيال في مصر ولها في ذلك تاريخ رائد وحضور متصل.
فقد كان واجباً أن أرنو بكل اهتمام لمؤتمر الصحفيين المصريين ونقابتهم الحية، وهم ينتبهون لضرورة مواجهة المخاطر التي تهدد المهنة وصناعة الإعلام. والانتباه لمتغيرات موضوعية مثل التكنولوجيا الأثيرية الرقمية وعدد من القضايا الاقتصادية والمالية والتشريعية ذات التأثير الكبير على العمل الصحفي والإعلامي.
وهي قضايا مهمة وعلى رأسها المحتوى الصحفي المأمول وضرورة عودة العوائد المالية المناسبة لأصحاب المحتوى رفيع المستوى، وبيئة العمل وعدد من القضايا الهامة والتي خصص لها المؤتمر عدداً من الندوات والجلسات المستديرة.
والمؤتمر الذي يأتي في الفترة من الرابع عشر إلى السادس عشر من ديسمبر الجاري 2024 هو المؤتمر السادس للنقابة منذ تأسيسها، وهي النقابة المقلة في عدد مؤتمراتها. ولكن من الملاحظ أن مؤتمراتها السابقة كان لها تأثيرات إيجابية في المجال العام للمهنة، وهو المأمول لمخرجات المؤتمر السادس 2024.
ففي حضور الدور المهني للصحافة والإعلام في مصر فائدة كبرى للدولة والمجتمع المدني معاً. هذا ومطالعتي المبدئية لمحاور المؤتمر تدفعني لرؤيتها كمحاور تكاملية تعبر عن تفكير منظومي يقرأ الواقع جيداً ويستهدف المستقبل.
ولعل مداومتي وعدد من الأفراد من مختلف الأجيال على المساهمة في صناعة المحتوى، جاء بوعي نادر من رؤساء تحرير كانوا يعرفون الفارق الكبير بين المحرر الفني والناقد الفني وبين المحرر السياسي والكاتب السياسي وبين المحرر الأدبي والناقد الأدبي. وهو الأمر الذي أتاح انتظاماً لعدد من المهنيين في ممارسة المهنة بشكل تطبيقي كما قاموا بتدريسها نظرياً في مختلف الجامعات المصرية.
وإذ أقف في قاعة المحاضرة أدعم طلابي للاهتمام بممارسة مهنة النقد المسرحي التي كادت أن تندثر أبدو أمامهم منطقياً وأحمل مصداقية الحرص على ممارسة المهنة بعيداً عن العوائد المادية وحتى العوائد الرمزية الخاصة بها، وهذا ما يتمم العمل الأكاديمي الأصلي. وفى هذا الصدد كل التقدير والعرفان لمن فتح لي نافذة كي أخاطب القارئ العام عبر الوعي الاختصاصي وهي المسألة التي تدرجت بتراكم السنوات والانتظام الذي أتاحته لي مؤسسة روزاليوسف. فماذا إذن عن مستقبل النقد المسرحي والسينمائي ونقد الفنون التشكيلية ونقد الآداب والفنون التعبيرية والنقد الأدبي والنقد الثقافي في مستقبل الصحافة والإعلام في مصر؟
ولما كانت هذه الأسئلة ربما تبدو للصحفيين ونقابتهم أسئلة إضافية أو ذات طابع يبحث عن استثناء ورهافة من نوع مفرط، إلا أنها في حقيقة الأمر تدخل في جوهر عمل ودور وقيمة المهنة في مصر، ودور الصحافة المصرية في الحداثة المصرية ونشر الثقافة والارتقاء بالفنون والآداب.
ولذلك أجدد التذكير بهذا النوع الاختصاصي من الكتابة، وأيضاً أثمن جهد القابضين على الجمر في إدارات التحرير المختلفة، وهؤلاء المستمرين في الكتابة النقدية من داخل الإصدارات المصرية والموجهة للمصريين وللعالم العربي ومن يحرص على المتابعة لما يصدر منهم عن المشهد الثقافي والفني في بلدهم ولأهل بلدهم، مع ما يتيحه هذا الإصدار من رفع للحرج ومن توازن موضوعي ومن موقف مهني ملتزم. ولعل عودة تدريب كوادر خريجي كليات الفنون المختلفة وعدد من المهتمين الجدد من تخصصات النقد الأدبي ضرورة لحيوية المجال العام الصحفي، لتدعيم ما بقى مؤثراً من أقلام النقاد المختصين ولفتح الطريق أمام المستقبل بحضور الجدد وفقاً لمعايير جودة المهنة وعوائدها المالية والرمزية. هذا ويجدر الذكر بأن تقاليد الصحافة المصرية العريقة قد حافظت على بقاء واستمرار مهنة النقد والنقاد، وهي المهنة التي كانت حاضرة في الإعلام وتفتقدها الآن الشاشات والميكروفونات المصرية تقريباً بعيداً عن برامج الحوار الاختصاصية النادرة والتي لا تزال تصدر عن ماسبيرو، وهي تحتاج لاهتمام حقيقي يمتد إلى فكر وفهم وخطة الإنتاج الإعلامي في مصر.
كما يجب أن تساهم النقابة ببسط يد الحماية لمن يتعرض من هؤلاء النقاد للدعاوي القضائية وإدراجهم في مظلة من تحمي النقابة حريتهم في التعبير، إنهم النقاد ليسوا من أعضاء النقابة ولا يطالبون بها لأنهم غير متفرغين للمهنة الصحفية ولا يحق لهم حتى الانتساب، ولكن يجب إدراجهم في مظلتها فيما يتعلق بحريات الكتابة طالما حققوا الانتظام في النشر العام، ويجب الحفاظ عليهم وعلى عملهم المهني عبر التفكير العام في إيرادات الصحافة المصرية وإعلامها بما يكفل لهم مجالاً حيوياً مستمراً يحافظ على ندرتهم وإخلاصهم المهني.
إنهم هؤلاء الندرة التي تقف في مسافة حرجة بين العمق الاختصاصي والقدرة على الكتابة للجمهور العام، وهم ليسوا متحدثين رسميين للإنتاج الفني ولا مروجي دعاية للأعمال الإبداعية، ولكنهم في تلك المنطقة الحرجة التي تشرح وتحلل وتقيم الأعمال الفنية والأدبية. وتحرص على مجالها العام وسياقها المتصل بالإطار المرجعي الجمالي والمعرفي للذائقة الفنية والإبداعية في مصر.
وإذ أتمنى خالص الأمنيات الطيبة وأثق أيضاً في قدرات ومهارات ومهنية وإخلاص نقابة الصحفيين وتأثيرها الحيوي على المجالات الإعلامية والفنية والأدبية والثقافية في مصر. فقد حرصت على المساهمة بالرأي في المؤتمر المهم للنقابة وكلي ثقة بأنني لا أضيف أعباء جديدة لجدول الأعمال والنقاش المزدحم. ولكن مهنة النقد تكاد تندثر وهي التي تزدهر مع ازدهار الصحافة والإعلام، ذل لأنها في القلب منهما معاً، ومكون هام وركن أساسي في العمل الصحفي والإعلامي في مصر.