الخميس 25 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

ثوار يوليو.. فتية آمنوا بحق المصريين في حكم أنفسهم

ثوار يوليو.. فتية
ثوار يوليو.. فتية آمنوا بحق المصريين في حكم أنفسهم
كتب - عادل عبدالمحسن

شباب يمتلئ وطنية وحماسًا وأحلامًا في غد أفضل، أراد أن يخرج المصريون من عباءة الاستعباد في وسيات الباشوات وكبار الملاك إلى مواطنين يملكون ويختارون من يحكمهم، وليست أصواتًا حبيسة أصحاب الوسيات يخرجون يوم الانتخابات لاختيار الباشا نائبًا يسعى للنفوذ والصولجان ولا يلقي لهموم من اختاروه بالًا بعد أن توارثهم وأصبحوا من ملكياته الخاصة.

وكان المصريون في هذا الوطن مستعبدين لدى الشركسي والتركي وكل مغامر، حتى خرج من بين أبناء هذا الشعب "فتية آمنوا بحق المصريين في حكم أنفسهم" وحمل كل منهم روحه على كفه ساعيًا إلى تغيير الواقع المرير إلى غد مشرق.

 

هكذا فعلوا

لم يكن يسعى هؤلاء الفتية سوى إلى أن يشعر كل مصري بأنه يملك مصيره ويعبر عن إرادته بكل حرية، وليست حرية حبيسة العوز وقهر الباشا.

بينما كان كل شيء ساكنًا لا ينبئ بشيء غير عادي، علم الضباط الأحرار أن توقيت انطلاق شرارة الثورة قد أفشي، وبدأت قيادة الجيش في اتخاذ التدابير لإحباط حركة الضباط المباركة، وكأن القدر وطول صبر المصريين أراد الله أن يكلله بفجر جديد.

ونجحت الثورة في تغيير نظام الحكم، ولم يكن المصريون يعرفون الضباط الثائرين، ولا شكل زعيم الثورة ولا أحد من قادتها لمدة 4 أيام.

ونشرت جريدة الأهرام في عددها الصادر يوم 27 يوليو 1952- وبعد رحيل الملك فاروق بيوم واحد- أول صورة تظهر للمصريين قائد الحركة محمد نجيب، ولم تكن "فوتوغرافية"، وإنما كانت "بورتريه" من رسم الشيخ عبد المجيد وافي رسام الأهرام، ثم توالت الأخبار عن القائد الجديد، والتي كانت تركز بشكل كبير على تواضعه، حسبما ذكرت صحيفة "الأهرام" في ديسمبر 1952 على أنه رفض كل الامتيازات المادية التي تمنح لرئيس الوزراء واكتفى براتبه العسكري، وحتى عندما سافر للحج في العام التالي صمم على دفع الرسوم الخاصة بالتطعيم من جيبه الخاص.

وفي تحقيق نشرته صحيفة "أخبار اليوم" في عام 1953 بعنوان "لماذا اخترنا نجيب رئيسا للجمهورية؟" وفيه تحدث عدد من الضباط الأحرار عن الدور الكبير الذي قام به نجيب، كما كان اللافت كثرة زيارات "نجيب" في كل المحافظات.. فقد خطب في طنطا وسط حشد من الناس وقال "مصر لم تعد عقارًا يتوارثه الأبناء والأحفاد.. وشرف الأمة أغلى من رفاهيتها".

وأشارت مجلة "آخر ساعة" إلى أن محمد نجيب كان أول شخصية عامة يخطب في قاعة إيوارت بالجامعة الأمريكية باللهجة العامية، رغم أنه كان يجيد اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والعبرية، والسبب هو رغبته في أن يسمعه كل المصريين البسطاء عبر الراديو.

أما جمال عبد الناصر، هذا الشاب المهموم بقضايا الوطن منذ نعومة أظافره، فكان هو القائد والمحرك والمخطط للثورة لكنه أسند قيادة الثورة لنجيب كما يعرف الجميع، لأنه الأعلى رتبة عسكرية وحتى يتقبله الثائرون من صغار ضباط الجيش.

 

 

ومن ملامح شخصية عبد الناصر التي لا يجهلها أحد حاليًا تكشفها رسالة من عبد الناصر مؤرخة بيوم 4سبتمبر 1935إلى صديق له اسمه حسن النشار نشرتها مجلة "آخر ساعة" في بداية الثورة.

يقول ناصر في رسالته إلى صديقه: "لقد انتقلنا من نور الأمل إلى ظلمة اليأس ونفضنا بشائر الحياة واستقبلنا غبار الموت، فأين من يقلب كل ذلك رأسًا على عقب، ويعيد مصر إلى سيرتها الأولى يوم أن كانت مالكة العالم، أين من يخلق خلفًا جديدًا لكي يصبح المصري الخافت الصوت الضعيف الأمل الذي يطرق برأسه ساكنًا صابرًا على اهتضام حقه ساهيًا عن التلاعب بوطنه يقظًا عالي الصوت عظيم الرجاء رافعًا رأسه يجاهد بشجاعة وجرأة في طلب الاستقلال والحرية".

ورسالة أخرى من جمال عبد الناصر إلى حسن النشار بعث بها من جبل الأولياء سنة 1941 قال فيها: عزيزي حسن.. أكتب إليك وأنا ثائر في نفسي ثورة داخلية.. على العموم يا حسن أنا مش عارف ألاقيها منين واللا منين.. هنا في عملي كل عيبي إني دوغري لا أعرف التملق ولا الكلمات الحلوة ولا التمسّح بالأذيال وشخص هذه صفاته يُحترم من الجميع، لكن الرؤساء يا حسن يسوؤهم ذلك الذي لا يسبّح بحمدهم، فهذه كبرياء وهم شبّوا على الذلّة في كنف الاستعمار والويل كل الويل لذلك المتكبر كما يقولون، الذي تأبى نفسه السير على منوالهم يعاديه الجميع من تلاميذ العهد القديم، يحزنني يا حسن أن أقول إن هذه السياسة قد نجحت نجاحًا باهرًا فهم يصهرون نفوس الشبان.. وكلهم شبان لم تصهرهم الأيام، ويحزنني يا حسن أن أقول إن هذا الجيل الجديد قد أفسده الجيل القديم فأصبح منافقًا متملقًا! ويحزنني يا حسن أن أقول إننا نسير إلى الهاوية.. الرياء.. النفاق.. التملق.. تفشت في الأصاغر نتيجة لمعاملة الكبار، أما أنا فقد صمدت وما زلت، ولذلك تجدني في عداء مستحكم ومستمر مع هؤلاء الكبار، أخوك.. جمال عبد الناصر".

من يتابع شخصية أنور السادات المثقف والخطيب المفوه لا بد أن يعرف أن يكون هذا الضابط الأسمر واحدًا من ثوار 23 يوليو بعد سنوات من المطاردة والسجن والفصل من الخدمة وعودته إلى عمله، وفي كتابه "صفحات مجهولة" قام بتأليفه أنور السادات عن الثورة، كتب جمال عبد الناصر في مقدمته "إن شخصية أنور السادات لجديرة بالإعجاب، خليقة بالإطراء، فعبقريته العسكرية الممتازة وشجاعته ورباطة جأشه وإخلاصه وتفانيه في خدمة المثل العليا إلى جانب قوة إرادته ورقة عواطفه جعلته أهلًا بدور التمهيد لثورة 23 يوليو والسير بها قدمًا للنجاح"، وبعيدًا عن كلام عبد الناصر فإن تجربة الحياة المميزة التي عاشها السادات جعلت منه الأكثر نجومية بين زملائه من ضباط مجلس قيادة الثورة على مستوى الصحافة وقتها، خاصة أنه سبق وعمل  بمجلة "المصور" في الأربعينيات خلال فترة فصله من الجيش بسبب اغتيال أمين عثمان، كما أنه أذاع بصوته بيان الثورة وأسندت إليه مهمة حمل وثيقة التنازل عن العرش إلى الملك فاروق.. ولذلك كان الوجه الأول الذي يخرج على المصريين من القادة الجدد، وفي عام 1953 أنشأ مجلس قيادة الثورة جريدة "الجمهورية" وأسند إليه رئاسة تحريرها..

ولذلك تمتع بشهرة كبيرة في بداية الثورة، لكن هناك سببًا آخر اكتشفناه وهو أنه ظل طوال العامين الأولين للثورة يخطب الجمعة في مساجد عديدة بالمحافظات، وبسبب بلاغته وطلاقة لسانه وتدينه اصبح "سفيرًا" للثورة لدى الطبقات البسيطة من المصريين الذين منعتهم الأمية من قراءة الصحف والفقر من شراء الراديو.. وهما الوسيلتان المعروفتان حتى وقتها إعلاميًا، فمثلًا في خطبة لها بأحد مساجد قرية الشهداء قال "يا أيها العيون الناظرة إلى ربها اكتبي بدمك تاريخ الوطن"، وفي أكتوبر 1953 ألقى خطبة الجمعة في مسجد قريته ميت أبو الكوم بالمنوفية وقال "يا بلدتي الآمنة المطمئنة..

ويا أهلي وعشيرتي، مهما طوحت بي الحياة في مناكب الأرض ومهما صعدت وهبطت في الغايات ومهما اختلفت على المنازل فإن أحب نداء إلى نفسي أنادي به بلدتي الوادعة الآمنة "يا أعز بلاد الله عليّ"، وفي 14 سبتمبر 1953 ألقى السادات خطبة في كنيسة حارة الروم قال فيها "إذا ما بعثنا أنفسنا بالأمل في الله والحب في الله فإننا واصلون إلى غايتنا، ولن تستطيع قوى الأرض بأجمعها أن توقف عجلة الحركة لا لشيء إلا لأنها من صنع الله"، بل وربما كان الوحيد بين ضباط الثورة الذي يجري حوارات بعيدة عن السياسة، وهو ما يؤكد النظرة لها باعتباره من نجوم المجتمع.

 

تم نسخ الرابط