أزمات.. أحلام ونجاحات طلبة وخريجي دبلوم الزراعة "3-4"
كتب - رضا رفعت
لمياء: دخلت الزراعة لقربها من البيت لكنني سأحقق 75% وأدخل الجامعة
الزهراء أصبحت مدربة في معمل زراعة الأنسجة بالوادي الجديد
الشبراوي أصبح أمين معمل وحصل على ليسانس تربية
أحمد أصبح من كبار المزارعين ومُورد خضر إلى سوق العبور
سليم طور أرضه والتحق بوظيفة وحصل على كلية وأصبح مهندسًا
طلاب وخريجو التعليم الفني الزراعي لهم آمال وطموحات، وعانوا من أزمات، وكثير منهم صمد وأحسن استغلال ما تعلمه وطور قدراته ونجح؛ فهناك من دخل تلك المدارس مرغمًا بسبب الظروف الاقتصادية السيئة، أو بعد ضغط من الأهل أو حتى لقرب المدرسة من المنزل، ومنهم من نجح في عمل مشروع أو التحق بكلية وحقق أحلامه، وحسن مستواه الاجتماعي والاقتصادي، ولكن كثيرين فشلوا. ولكل منهم رؤيته لحال ذلك النوع من التعليم وكيفية الاستفادة منه، وهو ما توضحه السطور التالية.
زرت أكثر من مدرسة بمحافظة الشرقية، وفوجئت بعدم السماح بالتصوير نهائيًا داخلها، لكن هذا لم يمنعني من التجوال والاعتماد على الملاحظة وتسجيل كل المعلومات في الذاكرة. وكان أغرب ما سمعته من لمياء السيد، الطالبة بمدرسة ديرب نجم، أن والدها أصر على التحاقها بتلك المدرسة؛ لأنها قريبة من المنزل، ولأنه يرى أن كل الدبلومات متساوية وتفي بالغرض من أجل زواج البنت، لكنها سرعان ما عادت تؤكد أنها استفادت كثيرًا من دراستها النظرية والعملية بقسم الإنتاج الحيواني، وأنها ستعمل وبجهد ومصاريف أقل من الثانوية على تحقيق مجموع 75% أو أكثر لتلتحق بكلية تربية أو زراعة، بعيدًا عن الضغط العصبي والدروس الخصوصية.
وقالت زميلتها هند خالد، بقسم التصنيع الغذائي: أقوم حاليًا بتصنيع أطعمة جيدة لأسرتي بأقل التكاليف مقارنة بأسعار السواق؛ مثل الآيس كريم والهامبرجر والمربات بمختلف صورها والمخللات بأنواعها، بطريقة صحية، دون مواد حافظة أو مكسبات طعم أو لون.
وأنا أرى أن الثانوي العام يعتمد على الحفظ والتلقين، بعكس التعليم الزراعي الذي يعتمد على الجانب العملي والإبداع، ولكن لا بد من زيادة وعي المجتمع بأهميته واحتياج المجتمع له ولأفراده، مؤكدة أن اهتمام الوزارة به ما زال ضعيفًا، وأن لجان المتابعة شكلية ولا توجد رقابة.
في حين ذكر محمود عبد الله، بالصف الأول، أنه دخل تلك المدرسة بسبب المجموع، وأن الشهادة ضرورية من أجل الجيش والزواج، لكنه سيحاول عمل أي مشروع بعد التخرج. وأوضح أنه يستفيد من الدراسة، ولكنه يلاحظ أنها لا تواكب التكنولوجيا الحديثة.
وقال زميله وليد فتحي: أسعى للحصول على الشهادة، وأعرف كيف أكون صاحب مشروع لمنتجات الألبان من أنواع الجبن المختلفة والزبادي ومنتجات الألبان، وأحرص على حضور التدريب العملي، لكي أتعلم تصنيع المنتجات المختلفة.
زراعة الأنسجة
ولمعرفة حال بعض المتفوقين وخريجي تلك المدارس تواصلت مع الزهراء محسن عبد الوهاب عبد الجيد، الأولى على الجمهورية عام 2008، التي قالت: كنت متفوقة طوال سنوات الدراسة، ومن الأوائل في الشهادتين الابتدائية والإعدادية، ولكن توفي أخي وأنا في الإعدادية، فتأثرت نفسيًا ولم أستطع المذاكرة بشكل جيد؛ وبالتالي لم أحصل على مجموع كبير لألتحق بالثانوية العامة كما كنت أتمنى، لكن والدي أخذ يشجعني على معاودة التفوق، فالتحقت بمدرسة الخارجة الثانوية الزراعية واخترت تخصص تصنيع غذائي، وكنت الأولى على المدرسة في أولى وثانية، وفي عام 2008 حققت المركز الأول على الجمهورية بالمدارس الزراعية بنسبة 88.1%؛ فتم تكريمي من وزير التعليم والمحافظ وجهات أخرى عديدة.
بعد ذلك استكملت دراستي في كلية الزراعة التابعة لجامعة أسيوط التي تم افتتاحها في ذلك الوقت بالمحافظة، واخترت قسم البساتين، وتخرجت في عام 2013 بتقدير عام جيد، وحققت حلمي في الحصول المؤهل الجامعي بأقصر الطرق وبمجهود ومصاريف أقل، وأصبحت مدربة لعدد من المجموعات في معمل زراعة الأنسجة بالوادي الجديد.
وأوضحت أن معظم الطلبة مستواهم ضعيف في العربي والإنجليزي وهو ما يجب التركيز عليه في الابتدائي والإعدادي، كما يجب تبصير التلاميذ في هذه المراحل أن التعليم ليس "ثانوي عام" فقط.
كما تواصلت مع هاني حسن عبد اللطيف، الذي قال: التحقت بالثانوية الزراعية بديرب نجم لأنني أحب وأجيد العمل في مجال الزراعة، وكان ذلك أفضل بسبب الضغوط النفسية التي تسببها الثانوية العامة، وكذلك الدروس الخصوصية باهظة الثمن، وبعد حصولي على شهادة الدبلوم عام 2003، بمجموع يؤهلني للالتحاق بكلية الزراعة، والتي كانت أمنيتي، لكن الحالة الاقتصادية للأسرة حالت دون ذلك، فبدأت أعمل في حصاد المحاصيل ودرسها وتجهيز الأراضي للزراعة، بعد أن دبرت ثمن الأجهزة اللازمة لذلك تدريجيًا، والحمد لله استطعت تجهيز شقتي والزواج ورزقني الله بطفل وطفلة.

أمين معمل
وكذلك سرد "الشبراوي حسانين محمد"، المقيم بمنشأة أبو عمر بمحافظة الشرقية، حكايته وكيف استفاد من دراسته، حيث أصبح أمين معمل بعد حصوله على دبلوم زراعة، وأكمل مشوار التعليم حتى حصل على ليسانس التربية.
وقال الشبراوي: كان لي 9 أشقاء، ووالدي كان يمتلك أرضًا زراعية، وفي عام 1996م، التحقت بدبلوم الزراعة، الذي أحبه وأتقنه، رغم أن مدرسة الحسينية الثانوية الزراعية تبعد أكثر من 45 كيلومترًا عن سكني، وكنت أساعد أسرتي في الزراعة ورعاية المواشي، ولم أتلق أي دروس خصوصية، لكن كنت أذاكر من الكتب المدرسية، وأراجع يوميًا جميع المعلومات التي أتلقاها بالمدرسة.
وأضاف "حسانين": "بعد حصولي على شهادة الدبلوم عام 2003، جاءني خطاب تعيين والحمد لله، بعدما تقدمت لمسابقة تابعة للتنظيم والإدارة، وعملت كأمين معمل علوم بمدرسة شحاتة عبد المقصود الإعدادية بقريتي، وبعدها التحقت بكلية التربية- جامعة الإسماعيلية، وثابرت واجتهدت إلى أن حصلت على ليسانس الآداب والتربية شعبة معلم الفصل عام 2016م بتقدير عام جيد بنسبة 78%، وتحسن وضعي الوظيفي أكثر وأكثر. وفي نفس الوقت أفادتني دراستي بالدبلوم كثيرًا في تحسين زراعات أرضنا.
واستطرد قائلًا: يجب زيادة الاهتمام بالتعليم الزراعي، لأن به طلابًا متفوقين وهم مستقبل مصر، لكنهم يحتاجون الرعاية والتشجيع على التفوق والنبوغ والابتكار. وقد لا يستطيع الآلاف من طلاب التعليم العام الالتحاق بكلية التربية مثلًا، في ظل الضغوط التي يعاني منها طلاب الثانوية العامة، بالإضافة للدروس الخصوصية باهظة الثمن، ويمكن ألا يحقق الطالب هدفه في حالة صعوبة أحد الامتحانات، ولكن دبلوم الزراعة سهل لي الحصول على مجموع.
مُورد خضر
نموذج آخر من النجاح من خلال الدراسة هو أحمد محمد إبراهيم صبيح، الذي قال: الظروف المعيشية الصعبة حرمتني من الحصول على مجموع كبير في الإعدادية، فاخترت مدرسة الحسينية الثانوية الزراعية، لأننا نمتلك أرضًا زراعية وأعمل فيها، لأحقق بذلك التكامل بين الدراسة والعمل. وكانت الدراسة سهلة في أولى وثانية، واجتهدت نوعًا ما في العام الثالث فحصلت على الشهادة عام1996 بمجموع ٧٠%، وكان يمكن أن أدخل معهدًا عاليًا أو كلية في ذلك الوقت، ولكن التزامي بمساعدة أهلي والإنفاق على إخوتي في التعليم منعني من ذلك.
ولكنني قررت الاستفادة من دراستي، وبالفعل استطعت أن أطور أرضي وأزرع فيها جميع أنواع الخضر بشكل علمي، بل واستأجرت أرضًا زراعية إضافية، واستخدمت تقنية الزراعة على خراطيم لتقليل إهدار المياه، والتحكم في استخدام المبيدات الزراعية والتسميد.
واستطعت توفير فرص عمل لإخوتي وأهلي في جمع الخطار ونقله إلى سوق العبور، وصنعت مكانة خاصة لنفسي بين كبار المزارعين وتجار الخضر بشكل جعل الجميع يلجأ لي عند حدوث مشكلة زراعية، كما أن لي خبرة في زراعة ومتابعة النخيل، مما جعل أعضاء جمعية القصاصين الشرق الزراعية تتعاقد معي.
وما زلت أستفيد من معلوماتي الزراعية في زراعة أرضنا وتوجيه الجميع للعمل الصحيح؛ فكانت المهارة والدراية أفضل بكثير، أما الآن فيتخرج الطالب ويكاد لا يفقه شيئًا.
وأكد محمد أن طالب التعليم الفني، حتى لو لم يحصل على مجموع يدخله الجامعة، يتخرج منه وقد تعلّم شيئًا يؤهله لعمل مشروع، بخلاف طالب الثانوية العامة، الذي لا بد أن يكمل الدراسة الجامعية. والإنسان يمكن أن يطور نفسه من خلال الدبلوم.
مهندس
في نفس السياق؛ فإن سليم عواد سعد، التحق بمدرسة مسطرد بسبب الظروف الاجتماعية. ويقول سليم: كانت المدرسة تبعد 16 كم عن قريتي، وانتظمت بالدراسة وحصلت على الشهادة بنسبة ٧٣%، ولكن ظروف الحياة لم تكن مواتيه لاستكمال التعليم العالي وقتها.
كنت بعد العودة من المدرسة أساعد والدي في العمل بالحقل ووالدتي في رعي الأغنام حتى غروب الشمس، لأعود إلى البيت أذاكر حتى أنام على الطبلية من شدة التعب والإجهاد.
وعندما تحملت مسؤولية أرضنا الذي تركها لي والدي عرفت فائدة دراستي؛ في كيفية خدمتها وتحديد نوعية المحاصيل ومواعيد الزراعة، ورعاية النبات من البذرة حتى ينتج، وكذلك تسويقه على أسس علمية، حيث كانت تهتم بالنظري والعملي، بخلاف ما يحدث الآن من إهمال العملي، الذي قد يكون عبارة عن فيديوهات مسجلة.
وأضاف "عواد": أفادتني الدراسة كذلك في العمل بشركة تسويق مواد غذائية بجميع أنواعها الطبيعية والمصنعة ومنتجات اللحوم والدواجن والأسماك، فكنت أستطيع التمييز بين الجيد والرديء، حتى إن الشركة أعطتني تفويضًا في استلام البضاعة من الموردين.
ثم بعد عدة أعوام التحقت بالمعهد العالي للتعاون الزراعي بعين شمس، وحصلت على بكالوريوس الزراعة، وتم تسوية حالتي الوظيفية من أعمال فنية إلى مهندس متخصص في تقييم الحبوب واللحوم والدواجن والمصنعات والعصائر والمربات، والحمد لله كنت دومًا أربط بين وظيفتي وما تعلمته من دراستي بالدبلوم أو الكلية.



