

جمال عبدالصمد
أيتام صنعوا التاريخ
يُعتبر أول يوم جمعة من شهر أبريل كل عام هو اليوم الأكثر شيوعاً للاحتفال بيوم اليتيم في مصر وعدد كبير من الدول العربية، ورغم أنه غير محدد التاريخ وليس معترفاً به دولياً بشكل رسمي، فإنه مناسبة سنوية عالمية يتم خلالها تسليط الضوء على قضايا الأيتام وتعزيز الوعي باحتياجاتهم وحقوقهم، وتقديم الدعم والمساندة لهم، وإدخال البهجة والسرور إلى قلوبهم، بالإضافة إلى توفير بيئة أمنة وداعمة، والمطالبة بحقوق الأيتام التي كفلتها القوانين والتشريعات الدولية والمحلية، وتشجيع الأسر البديلة والكافلة على توفير جو أسري دافئ لهم.
"اليتيم" هو كل من توفي والداه، أو توفي أبوه وتزوجت أمه أو سُجنت أو حُبست أو هجرته، سواء كان معلوم النسب أو مجهول الأبوين، ولم يتجاوز عمره ٢٦ سنة، هذا هو التعريف الجديد الذي وافق عليه مجلس النواب عام ٢٠٢٤م، وذلك جاء في إطار توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي نحو تعديل قانون الضمان الاجتماعي بهدف تعزيز حماية الأيتام وتوسيع مظلة المستحقين.
يُعد اليتيم من الفئات الأكثر ضعفًا واحتياجا داخل المجتمع، حيث إن فقدان الوالدين يعرضه للعديد من التحديات النفسية والاجتماعية والاقتصادية. لذا أولى الإسلام عناية خاصة باليتيم، وحث على كفالته والإحسان إليه ورتب عليها عظيم الأجر والثواب في الدنيا والأخرة، وحذر من تجاوز حقوقه قال تعالى: "هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا"، كما وردت أحاديث نبوية تبين فضل كفالة اليتيم، منها قول النبي ﷺ: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين"، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى، وأيضا: "خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُساء إليه".
يعتبر "اليتم" من أصعب التجارب التي قد يمر بها الإنسان في طفولته، حيث يفقد الدعم العاطفي والمادي الذي يوفره الوالدان، ومع ذلك فإن التاريخ يزخر بنماذج ملهمة لأيتام لم يستسلموا لظروفهم القاسية وتمكنوا من تحقيق إنجازات عظيمة ورسخوا أسمائهم في سجلات التاريخ في كافة المجالات، كما أنهم أكدوا للجميع أن اليتم لم يكن يوماً من الأيام عائقاً أو حائلاً أمام تحقيق طموحاتهم والوصول لأهدافهم، بل كان حافزاً ومشجعاً للسير قدماً نحو تجاوز الصعاب، وتحويل المحن إلى منح ربانية.
على رأس هذه النماذج الأنبياء والرسل، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: النبي موسى عليه السلام الذي نشأ يتيماً في قصر فرعون، ورغم ذلك اختاره الله ليكون نبياً ورسولاً وقائداً لبني إسرائيل، بينما فقد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والده قبل ولادته، كما فقد والدته في سن مبكرة، وتربى يتيماً في كفالة جده ثم عمه، ولكنه أصبح خاتم الأنبياء وقائد الأمة الإسلامية.
كما شملت القائمة أيضا نماذج أخرى من الصحابة والفقهاء ومنهم: "الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، والإمام أحمد بن حنبل (رحمه الله)، والإمام الشافعي (رحمه الله)"، ومن الشخصيات العامة نيلسون مانديلا الذي قاد جنوب أفريقيا نحو الحرية والديمقراطية، وجنكيز خان مؤسس الإمبراطورية المغولية، وجورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى ابن سينا أحد أعظم الأطباء والفلاسفة في التاريخ الإسلامي، وستيف جوبز مؤسس آبل، والفنان والعالم الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي، وتوماس إديسون مخترع المصباح الكهربائي، وغيرهم من نماذج سطرها التاريخ.
استطاع هؤلاء الأيتام التغلب على التحديات بالإصرار والعزيمة وعدم الاستسلام للظروف الصعبة والسعي إلى تحقيق أهدافهم، واستغلال قدراتهم الفكرية والإبداعية لتحقيق النجاح، بالإضافة إلى وجود أشخاص أمنوا بقدراتهم وقدموا لهم الدعم والرعاية، فضلًا عن استخدامهم تجربة اليتم كقوة دافعة نحو التفوق والنجاح.
في النهاية اليتم ليس نهاية المطاف، وكفالة اليتيم تساهم في بناء مجتمع متراحم ومتكافل،كما تسهم في تزكية نفس الكافل وتطهيرها، لذلك من الضروري توعية المجتمع بفضل كفالة اليتيم، وإنشاء المزيد من المؤسسات التي تعني برعاية الأيتام، وتوفير الدعم المادي والنفسي والتعليمي والصحي لهم، بالإضافة إلى المساهمة في تغيير النظرة المجتمعية السلبية تجاههم، وغرس قيم الرحمة والعطف والإحسان تجاههم في نفوس الأجيال الناشئة.
أخيرًا، من الضروروي توفير فرص التعليم والتدريب المهني للأيتام وتمكينهم من اكتساب المهارات التي تؤهلهم للالتحاق بسوق العمل وتحقيق الاستقلال المادي، كما يجب تسليط الضوء على قصص النجاح الملهمة للأيتام، ودعم المبادرات التي تهدف إلى دمج الأيتام في المجتمع، وتوفير بيئة حاضنة وداعمة تساهم في نموهم وتطورهم بشكل سليم داخل المجتمع.