عاجل
الأحد 9 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

المؤرخ أحمد الجمال: الكنافة نجم رمضان وظهور القطايف مرتبط بالشهر الكريم

كنافة رمضان
كنافة رمضان

عندما نبحث في تاريخ الكنافة والقطايف، نجد أنفسنا أمام غموض تاريخي يحيط بهذين الطبقين الرمضانيين الشهيرين. ورغم الانتشار الواسع لهما في مختلف البلدان العربية، تظل نشأتهما موضع جدل بين مصر ودمشق. 



 

في حوار خاص لـ بوابة روزاليوسف مع أحمد الجمال، الباحث والمؤرخ ومقدم التاريخ في الإذاعة المصرية يفتح أبوابًا لاستكشاف الجذور التاريخية لكل منهما، مشيرًا إلى الروايات المتعددة التي تجعل من الكنافة طعامًا تاريخيًا يرتبط بالملوك والخلفاء، وكذلك القطايف التي تثير أسئلة حول أصل تسميتها وأسباب ارتباطها بشهر رمضان الكريم.

أحمد الجمال، باحث والمؤرخ ومقدم التاريخ في الإذاعة المصرية
أحمد الجمال، باحث والمؤرخ ومقدم التاريخ في الإذاعة المصرية

 

فهل هي مجرد تقاليد شائعة أم أن وراءها حقائق تاريخية غائبة؟ تابعوا هذا الحوار الشيّق لاكتشاف المزيد من التفاصيل حول هذه الحلويات التي تشكل جزءًا أساسيًا من التراث الرمضاني.

إلى نص الحوار..

بداية، يمكننا أن نبدأ بالحديث عن تاريخ الكنافة والقطايف. كيف ترى نشأة هذين الطبقين؟ وهل هناك اختلاف بين الروايات التي تشير إلى نشأتهما في مصر ودمشق؟

نبدأ بالكنافة، التي كانت زينة لموائد الملوك والأمراء، وكان الجميع يتهافتون عليها، خاصة لأنها من ألذ ما تتزين به موائد رمضان. كانت الكنافة وستظل نجم الشباك الأول خلال الشهر الكريم، خصوصًا مع إقبال الصائمين عليها بكثرة.

أما عن بداية ظهورها على المائدة الرمضانية، فإنه لا يوجد رأي قاطع بشأن تاريخ صنعها أو مكان نشأتها، لكن المؤرخين يرجحون روايتين:

الرواية الأولى:  تشير إلى أن الكنافة ظهرت في بلاد الشام، حيث صنعها صانعو الحلويات وقدموها خصيصًا للخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان كطعام للسحور، لمنعه من الجوع الذي يشعر به في نهار رمضان.

واستدل المؤرخون الذين يدعمون هذه الرواية بأن الكنافة كانت تُعرف لفترة باسم "كنافة معاوية".

الرواية الثانية: تشير إلى أن الكنافة تعود إلى العصر الفاطمي وأن المصريين هم أول من عرفوها قبل أهل الشام،  ويستدل المؤيدون لهذه الرواية بتزامن دخول الخليفة المعز لدين الله الفاطمي إلى القاهرة في شهر رمضان، حيث خرج الأهالي لاستقباله بعد الإفطار وكانوا يتسابقون لتقديم الهدايا له، ومن بينها الكنافة، ثم نقلها التجار إلى بلاد الشام.

 

 

واستأنف الجمال حديثه، أما عن القطائف، فهناك رأيان حول سبب تسميتها:

الأول: أن القطائف سميت بذلك لأنها كانت توضع في طبق كبير ليقطفها الضيوف.

الثاني: لأنها تشبه القماش القطيفة.

أما بالنسبة لتاريخ أصل ظهور القطائف، فالروايات تختلف، ومن أبرزها:

الرواية الأولى: تقول إن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان هو أول من تناول القطائف في رمضان عام 98 هجريًا.

الرواية الثانية: تعود نشأة القطائف إلى العصر الفاطمي، حيث تنافس صانعو الحلويات في تقديم أجمل ما لديهم للخليفة الفاطمي للحصول علي رضاءه والعمل بالقصر؛ فأبتكر أحد الطهاة فطيرة صغيرة محشوة بالمكسرات، قدمها للضيوف الذين تهافتوا عليها وسرعان ما أطلق عليها اسم "القطائف".

الرواية الثالثة: تشير إلى أن القطائف ظهرت في بلاد المغرب الإسلامي، وخاصة الأندلس، حيث انتشرت في مدن مثل غرناطة وإشبيلية، ثم انتقلت إلى بلاد المغرب ومن ثم إلى مصر.

 

 

وعندما سألنا استاذ "احمد الجمال" عن تفسيره  للجدل التاريخي حول ما يُقال أن "الكنافة والقطايف جزء من التراث العربي المشترك، ولكن هناك من يربط نشأتهما بمصر وآخرون بدمشق"

أجاب أن هذا الجدل حول نشأة الكنافة والقطايف يعود إلى غياب التوثيق التاريخي الدقيق حول العادات الرمضانية وحياة الناس الاجتماعية في العصور السابقة؛ حيث كان المؤرخون غالبًا ما كانوا يركزون على الحراك السياسي والمعارك والمجتمع الحاكم، بينما كان التاريخ الاجتماعي وعادات الشعوب حياتية مغفلة إلى حد كبير.  ولذا فإن التوثيق التاريخي لهذه العادات شبه مفقود. وفي هذا السياق، أؤكد على ضرورة توجه المؤرخين لدراسة التاريخ الاجتماعي وعادات وتقاليد المجتمعات العربية والإسلامية كي نوثق ماضينا بشكل دقيق وحيادي.

 

هل تعتقد أن هناك أدلة تاريخية واضحة تشير إلى أن أحد البلدين هو منشأ هذين الطبقين، أم أن الأمر يتعلق أكثر بالتقاليد الشعبية التي تطورت عبر الزمن؟

أكد الجمال أنه لا يوجد دليل قاطع يمكننا من تحديد منشأ الكنافة أو القطايف في أحد البلدين. ذلك يعود إلى غياب التوثيق التاريخي الدقيق حول هذه العادات الرمضانية، وكل ما لدينا هو روايات شفهية متواترة تعكس التطور الشعبي لهذين الطبقين عبر الزمن.

 

في بعض الروايات، يُذكر أن الكنافة كانت موجودة في العصور الإسلامية المبكرة. هل يمكن أن تكون هذه الحلوى قد انتشرت من مكان معين وتكيفت مع الثقافات المختلفة، بما في ذلك مصر ودمشق؟

أشار المؤرخ أحمد الجمال أن هذا سؤال هام جدًا، والمؤكد هو أن الكنافة بدأت تتأرجح بين مصر والشام في بداياتها. كما نعلم، تشتهر بلاد الشام ببراعتها في صناعة الحلويات الشرقية، وعلى رأسها الكنافة.

وأوضح أنه بالنسبة لتكيف الكنافة مع ثقافات مصر والشام، فقد تطورت بالفعل مع مرور الوقت. فمثلاً، في الشام عادة ما يُحشى الكنافة بالقشطة، وفي مصر يُحشى بالزبيب والمكسرات وجوز الهند. في مكة، يفضلون حشوها بالجبن بدون ملح، بينما في نابلس اشتهروا بالكنافة النابلسية المصنوعة بالجبن. هناك أيضًا أنواع أخرى مثل المبرومة، البللورية، العثمالية، والمفروكة.

 

 

عندما نبحث في تاريخ القطايف، نلاحظ أنها ترتبط عادة بمناسبات رمضانية، لكن هل كان هناك وقت قبل ذلك كانت فيه هذه الحلوى تُقدم بشكل دوري؟ وهل يختلف تاريخ تقديم القطايف في مصر عنه في دمشق؟

أجاب الجمال أن المصادر التاريخية تجمع على أن بداية ظهور القطايف كان في شهر رمضان، رغم اختلاف الروايات حول مكان نشأتها. في بلاد الشام، تشير الروايات إلى أن القطائف ظهرت لأول مرة في العصر الأموي، وتحديدًا في عصر الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، الذي تناوله في رمضان عام 98 هجريًا. أما في مصر، فتشير الروايات إلى أن القطائف دخلت مع العصر الفاطمي، كما ذكرنا سابقًا.

 

عندما سألنا عن وجود شخصيات تاريخية أو أحداث معينة قد ساهمت في انتشار الكنافة والقطايف في العالم العربي، وكيفية تأثير التاريخ السياسي والثقافي على تطور هذه الحلوى في منطقتنا؟

 أجاب المؤرخ أحمد الجمال، بالإيجاب، وأنه نلاحظ دائمًا ارتباط عاداتنا الرمضانية بشخصيات تاريخية وكذلك أحداث وحقب تاريخية، فمثلاً أهل الشام يربطون تاريخ الكنافة والقطائف بحقبة الخلافة الأموية وشخصيات تاريخية مثل معاوية بن أبي سيفيان، وعبدالملك بن مروان، وابنه سليمان.

 ونوه أنه كذلك المصريين يرتبط لديهم تاريخ الكنافة والقطائف بالعصر الفاطمي، ولا سيما الخليفة المعز لدين الله الفاطمي.

 

 

هل من الممكن أن تكون الكنافة والقطايف قد تطورت بطرق مختلفة في مصر ودمشق نتيجة لاختلاف المناخ، أو المواد المتاحة، أو حتى الذوق الشعبي؟ 

 وهل توجد فروق ملحوظة بين انواع الكنافة في مصر ودمشق؟     

أوضح الجمال أنه توجد فروق في طريقة حشو الكنافة وتقديمها، فمثلاً أهل الشام يحشونها بالقشطة، وفي نابلس توجد نوع من الكنافة المحشوة بالجبن الأبيض، أما مصر يتم حشو الكنافة بالمكسرات والزبيب وجوز الهند.

 لكن في الحقيقة، تظل الشام هي الأشهر في صنع الأشكال المختلفة للكنافة، مثل: المبرومة، والمفروكة، والبللورية، والعثمنالية.   

 

 

وفي ختام الحوار عندما أثرنا سؤال، هل بالنظر إلى الجدل المستمر حول أصول الكنافة والقطايف تعتقد أن هذا الجدل يعكس ببساطة الصراع الثقافي بين مصر ودمشق، أم أنه يعكس تداخل الثقافات العربية بشكل عام؟

أجاب المؤرخ أحمد الجمال بالنفي موضحًا.. لا أقول صراع ثقافي ولا يجب أن نفسره هكذا، فدائمًا وعلى مدار التاريخ كانت مصر والشام كجناحان لطائر واحد، فهما جناحان الأمة ودائماً ما يرتبط البلدان بتاريخ وثقافة مشتركة، وتاريخ نضالي مشترك، إبتداء من الحروب الصليبية والمغولية في العصرين المملوكي والأيوبي، وحتى العصر الحديث وتوحد الجيشان في حرب السادس من أكتوبر العاشر من رمضان 1973م.

لذلك فأنا أرجح أن هذا الجدل يعكس تداخل الثقافات العربية ولاسيما طبيعة العلاقات الراسخة التي تجمع بين أهالي الشام ومصر.

 

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز