
جامع الطباخ.. تحفة معمارية مملوكية أنقذها طباخ السلطان

ساره وائل
يعلو مدخل محطة مترو محمد نجيب بوسط القاهرة جامع الطباخ، ويبدو كأنه مسجد حديث، لكنه في الواقع صرح تاريخي يمتد عمره لأكثر من 800 عام.
ويعد أحد المساجد العريقة التي مرت بمراحل بناء وتجديد متعددة، منذ تأسيسه عام 1243م وحتى اليوم.
موقع الجامع
يقع جامع الطباخ في شارع الصنافيري بمنطقة عابدين، وهو شارع يحمل اسم الشيخ إسماعيل الصنافيري المدفون فيه، وكان يعرف سابقًا باسم شارع باب اللوق.
البناء الأول: الأمير المملوكي
شُيد المسجد لأول مرة عام 1243م بأمر من الأمير جمال الدين أقوش، أحد كبار رجال الدولة في عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب.
كان يشغل أقوش منصب "استادار"، أي المسؤول عن القصور السلطانية، كما تولى نيابة مدينة الكرك في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون.
اشتهر الأمير أقوش بالثراء والجود، وأولى اهتمامًا خاصًا بالعمارة، فساهم في ترميم المساجد وبناء المستشفيات.
لكنه وقع ضحية الوشاية، مما أدى إلى سجنه في الإسكندرية حتى وفاته عام 736هـ.
التجديد الأول: الطباخ الذي أنقذ الجامع
بعد وفاة مؤسسه، تعرض المسجد للإهمال حتى جاء الحاج علي الطباخ، أحد العاملين في المطبخ السلطاني للناصر محمد بن قلاوون.
بدأ الطباخ حياته المهنية في مدينة الكرك أثناء نفي السلطان، وعند عودته إلى مصر، تولى الإشراف على المطبخ السلطاني، مما مكنه من جمع ثروة كبيرة بفضل الأفراح والولائم السلطانية.
استخدم الحاج علي الطباخ ثروته في ترميم الجامع، ليعيد إليه رونقه ومكانته.
لكنه لم يدم طويلاً في منصبه، حيث أطيح به في عهد الملك الكامل شعبان، وصودرت جميع ممتلكاته عام 746هـ، ليعود المسجد إلى الإهمال مجددًا.
التجديد الثاني: الملك فؤاد يعيد البناء
في ثلاثينيات القرن العشرين، أعيد بناء المسجد في عهد الملك فؤاد الأول، كما توضح اللافتة التأسيسية أعلى بابه: "جُدد هذا المسجد في عصر صاحب الجلالة فؤاد الأول ملك مصر المعظم سنة 1350 هـ".
التجديد الثالث: وزارة الأوقاف تتدخل
في عام 1350هـ، قامت وزارة الأوقاف بهدم المسجد القديم وإنشاء البناء الحالي، الذي يتميز بتصميم معماري فريد، يضم قبة مثمنة مدعومة بأربع دعائم كبيرة، ونوافذ بزجاج معشق، ومنبر خشبي مطعم بالصدف والعاج، يعكس روعة الفن الإسلامي.
جامع الطباخ.. شاهد على التاريخ
من أمير مملوكي إلى طباخ سلطاني، ثم إلى ملك حديث، تتجسد في جامع الطباخ قصة معمارية نادرة، تعكس تحولات الزمن وأيادي الإعمار التي أنقذته من الاندثار.