حلم العودة لا يموت
عاجل| حجافل بشرية تعود إلى شمال غزة.. مشهد كسر أنف نتنياهو
ساره وائل
بلدي الغالية الحلوة يا غزة.. أطفال يغنون فرحة بعودتهم إلى شمال القطاع
بينما كان طفلًا يمسك دفًا ويدق عليه فرحًا بعودتهم إلى شمال قطاع غزة، غنى الأطفال الفلسطينيين: بلدي الغالية الحلوة يا غزة أرض المجد، وأرض العزة.. غزة يا غزة.. بلدي يا بلدي.. غزة يا غزة.
كان المشهد مهيبًا يطوي أحلام بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الصهيوني بفلسطين المحتلة، عندما قال: سنغير الشرق الأوسط طرحًا خير تهجير سكان قطاع غزة إلى خارج بلادهم والقضاء على حق الفلسطينيين في العيش على أراضيهم، 15 شهرًا مر من آلام والدماء في حرب إبادة ترتكبها ترسانة عسكرية لا تعرف الرحمة وممولة من القوى الأعظم على الأرض الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بجهد وعزائم المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها انكسرت الخطة الإسرائيلية إلى الأبد.
ما يحدث اليوم الاثنين من مشهد مهيب وأهل غزة عائدون إلى أنقاض مدنهم وقراهم في شمال قطاع غزة، يؤكد مقولة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات: شعب الجبارين عندما وصف الشعب الفلسطيني المجاهد البطل. ما يحدث اليوم يجعل حلم العودة منذ التهجير الأول بعد قيام الكيان الفلسطيني، عام 1948، حلمًا ليس بعيد المنال وسيتحقق يومًا طالما تمسك الفلسطينيون بالأرض جيلًا بعد جيل، إذ لم تكن جريمة تهجير الفلسطينيين على يد الصهاينة من وطنهم الأصلي "فلسطين" وليدة الأحداث الجارية أو العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023 حتى الآن، بل إنها جريمة ممتدة في تاريخ الحركة الصهيونية، بدأت قبل تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي وحصولها على اعتراف دولي.
وفي ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، عادت جريمة التهجير إلى الواجهة، حيث أثار اقتراح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بترحيل أعداد كبيرة من الفلسطينيين من قطاع غزة، بهدف طرد سكانه بالكامل، مما أثار جدلاً واسعًا ورفضًا كبيرًا من قبل حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
اعتبر المحامون والناشطون هذا الاقتراح خطيرًا وغير قانوني وغير قابل للتنفيذ، في حين وصفته صحيفة الجارديان بأنه يمثل جريمة حرب.
ترامب، خلال تصريحاته للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية، أشار إلى رغبته في نقل مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الدول المجاورة، إما بشكل مؤقت أو دائم.
وقال: "أفضل العمل مع بعض الدول العربية لبناء مساكن في مواقع جديدة حيث يمكن لهؤلاء الأشخاص العيش بسلام. نحن نتحدث عن مليون ونصف شخص على الأقل، ويمكننا ببساطة تطهير القطاع تمامًا والقول: انتهى الأمر".
وأوضحت كل من مصر والأردن رفضهما القاطع لهذا الاقتراح، لما يحمله من تبعات خطيرة على القضية الفلسطينية.
وأكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي موقف بلاده الرافض لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين من غزة، واصفًا هذا الموقف بأنه "ثابت وحازم".
وفي داخل القطاع، أظهرت التقارير أن سكان غزة، الذين عاشوا أكثر من 15 شهرًا من القتال المتواصل، لا يظهرون أي رغبة في مغادرة وطنهم بشكل مؤقت ولا دائم.
ووفي يوم الأحد، توجه الآلاف إلى نقاط التفتيش الإسرائيلية، على أمل العودة إلى منازلهم في شمال القطاع، بموجب شروط وقف إطلاق النار المؤقت، إلا أن إسرائيل منعتهم من العبور، متهمة حركة حماس بانتهاك الاتفاق.
وصف حسن جبارين، مدير منظمة "عدالة" لحقوق الإنسان الفلسطينية، مقترح ترامب بأنه استمرار للحرب بشكل آخر، معتبرًا أن "تطهير" غزة يمثل تطهيرًا عرقيًا للشعب الفلسطيني.
كانت فكرة تجهير الفلسطينيين قد بدأت في دراسات ومقترحات صهيونية وأمريكية، وتطورت لتتحول إلى خطط ومشاريع تطرح في مؤتمرات دولية، مثل مؤتمر "هرتزيليا"، الذي شارك فيه مسؤولون أمريكيون ودوليون، حيث تم مناقشة فكرة إيجاد وطن بديل للفلسطينيين كحل لإنهاء قضيتهم.
هزيمة إرادة الاحتلال.. حلم التهجير:
تاريخيًا، أعاد هذا الاقتراح إلى الأذهان ذكريات النكبة عام 1948، عندما تم تهجير حوالي 700 ألف فلسطيني قسرًا من وطنهم مع إنشاء إسرائيل، آنذاك، اعتقد الكثيرون أن النزوح سيكون مؤقتًا، واحتفظوا بمفاتيح منازلهم على أمل العودة يومًا ما.
ادعاءات كاذبة:
لذا، فإن أي عرض لإعادة الإعمار خارج غزة سيواجه شكوكًا كبيرة، بسبب التاريخ الطويل من النزوح القسري الذي تعرض له الفلسطينيون.
خطط مدروسة:
لم تكن فكرة التهجير مجرد أفكار عابرة، بل جرت مناقشتها في مجالس الحركة الصهيونية منذ بداياتها.
واقترحت هذه الخطط تهجير الفلسطينيين إلى مناطق بعيدة مثل سيناء والأردن والعراق وليبيا، وحتى دول بعيدة مثل الأرجنتين. وقد سعت الحركة الصهيونية إلى الضغط على القوى الغربية، وخاصة بريطانيا، لدعم هذه المخططات ودفع الدول العربية لقبولها.
ويتضح ذلك من خلال مشروع تقسيم فلسطين عام 1937، الذي اقترح ترحيل السكان العرب عن المناطق المخصصة لليهود.
من بين أبرز هذه المخططات، كانت خطة إيجال آلون عام 1967 التي طرحت بعد حرب الأيام الستة. سعت الخطة إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على غور الأردن والقدس وقطاع غزة، مع تهجير سكان القطاع إلى سيناء. وعلى الرغم من معارضة هذه الخطة من قبل قطاعات واسعة داخل وخارج إسرائيل، فإنها ظلت جزءًا من رؤية حزب العمل الإسرائيلي لتسوية الصراع.
وفي عام 1970، حاول أرئيل شارون تنفيذ خطة لتفريغ قطاع غزة من سكانه.
وتضمنت الخطة نقل العائلات الفلسطينية إلى مناطق مثل سيناء، بالإضافة إلى تقديم حوافز مالية وتصاريح سفر لتشجيع الفلسطينيين على مغادرة القطاع. إلا أن هذه المحاولات واجهت صعوبات كبيرة، ولم تحقق أهدافها بالكامل.
بحلول عام 2004، اقترح مستشار الأمن القومي الإسرائيلي جيورا أيلاند خطة تشمل توسيع قطاع غزة من خلال ضم أراضٍ من سيناء بمساحة 720 كيلومترًا مربعًا، مع تعويض مصر بأراضٍ في النقب.
وهدفت الخطة إلى تقليل الكثافة السكانية في غزة، لكنها قوبلت بالرفض المصري.
وفي عام 2013، قدم يوشع بن آريه مشروعًا يهدف إلى إقامة دولة فلسطينية في سيناء، وركز المشروع على إنشاء مدينة كبيرة تضم الفلسطينيين، مع بنية تحتية متطورة تشمل ميناء بحريًا ومشاريع للطاقة وتحلية المياه. رغم هذه الطروحات، لم تجد الخطة طريقها للتنفيذ بسبب المعارضة المصرية المستمرة.
في عام 2023، عادت فكرة التهجير بقوة إلى الساحة. كشفت وثيقة سرية صادرة عن وزارة المخابرات الإسرائيلية عن خطة ثلاثية المراحل لتهجير سكان غزة إلى سيناء. تضمنت الخطة إقامة مدن خيام، ثم إنشاء مناطق توطين تمنع عودة اللاجئين إلى القطاع. كما نشر معهد "مسجاف" دراسة تدعو إلى استغلال الحرب الحالية لتحقيق تهجير نهائي لسكان غزة، مع اقتراح توطينهم في مدن مصرية مثل السادس من أكتوبر والعاشر من رمضان.
تشير هذه المخططات إلى أن الهدف الإسرائيلي ليس فقط التهجير المؤقت، بل تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل. وعلى الرغم من الضغوط الدولية، ظل الشعب الفلسطيني والمجتمع المصري متمسكين برفض هذه الخطط، مؤكدين أن القضية الفلسطينية ستظل محور نضال مستمر ضد محاولات التصفية.
وأوضح "جهاز الإحصاء"، أنه رغم تهجير نحو مليون فلسطيني في عام 1948 وأكثر من 200 ألف فلسطيني بعد حرب يونيو 1967، فقد بلغ عدد الفلسطينيين الإجمالي في العالم 14.63 مليون نسمة في نهاية عام 2023. ويقيم اليوم 5 ملايين و500 ألف منهم في فلسطين.
وبلغ الفلسطينيين في الدول العربية نحو 6 ملايين و560 ألفاً، ونحو 772 ألفاً في الدول الأجنبية، وبذلك بلغ عدد الفلسطينيين في وطنهم نحو 7 ملايين و300 ألف، في حين يقدر عدد اليهود بنحو 7 ملايين و200 ألف مع نهاية عام 2023، ما يعني أن عدد الفلسطينيين يزيد على عدد اليهود في فلسطين.