د. عمر طعيمة رئيس الجمعية الجيولوجية المصرية لـ«روزاليوسف»: قطاع التعدين فى مصر مازال بكرًا ولدينا خامات لم يتم استغلالها
حوار - سلوى عثمان
أكد الدكتور عمر عبد العزيز طعيمة، رئيس الجمعية الجيولوجية المصرية ورئيس هيئة الثروة المعدنية الأسبق، أن مصر تتمتع بثروات معدنية غير مستغلة حتى الآن، وأن قطاع التعدين فى مصر ما زال بكرًا.
وذكر «طعيمة» أنه رغم ذلك يساهم القطاع بنسبة ضئيلة جدًا فى الناتج المحلى الإجمالى، والتي تُقدر بـ1% فقط، مما لا يحقق العائد المناسب من ثروات مصر الطبيعية التعدينية.
وأوضح خلال حوار مع «روزاليوسف»، أن وزارة البترول والثروة المعدنية تسير بخطى سريعة سواء على المستوى الداخلى أو الخارجى للنهوض بقطاعى البترول والتعدين، مشيرا إلى أن الحكومة اتخذت خطوات جادة بشأن خام الفوسفات، حيث وضعت خطة لتوطين الصناعة وفتحت باب الاسكتشافات، وإلى نص الحوار..
■ ما توقعاتك لقطاع التعدين خلال الفترة المقبلة؟
- قطاع التعدين فى مصر يُعد أحد الروافد الأساسية للتنمية الاقتصادية، وقد أولت الدولة اهتمامًا كبيرًا به، فقطاع التعدين ليس كما هو متعارف عليه مقتصرًا على صناعة الذهب ومنجم السكرى الذي سطر قصة نجاح لهذا القطاع، ووضع مصر على الخريطة العالمية وجعل الشركات العالمية توجه أنظارها إليه، بل يشمل خامات متنوعة فى تسع مناطق بالصحراء الشرقية والغربية وسيناء، منها الفوسفات، الفحم الكربوني، الأسمنت، الفلسبار، الرمال البيضاء بأنواعها، الزنك، القصدير، الحديد بأنواعه، بالإضافة إلى خامات نادرة تتميز بخفة وزنها وقوة صلابتها.
كنتُ رئيسًا للهيئة بين عامى 2014 و2017، وهى فترة حرجة للاقتصاد المصري بعد الخروج من ثورة وحكم الإخوان الذي أثر بالسلب على قطاع التعدين.
خلال فترة رئاستى تم تعديل قانون التعدين الذي كان يعمل به منذ عام1956 ، وتم وضع قانون جديد يتناسب مع الأسعار العالمية فى تلك الفترة، كما تم طرح مزايدات فى تلك الفترة، ولكن لم يحالفها الحظ.
شهد قطاع التعدين تدفقات استثمارية متزايدة، خاصة بعد صدور قانون الثروة المعدنية الجديد ولائحته التنفيذية.
مجلس الوزراء فى ذلك الوقت اعتمد لائحة جديدة تنظم عمل الهيئة فى طرح المزايدات بنفس إجراءات طرح مزايدات البترول، ذلك لأن قانون المناقصات والمزايدات الذي كان يُطبق سابقًا أدى إلى تعطيل جميع المزايدات التي كانت تُطرح من قِبل الهيئة فى الأعوام الماضية، وأعاق الاستثمار فى هذا القطاع.
كما وفرت اللائحة الجديدة للمستثمر قدرًا أكبر من السرية فى المعلومات والبيانات المتداولة، وقننت عمليات الإسناد بالأمر المباشر للشركات.
وفى كل الحالات، يتم الإسناد من خلال مزايدة تضمن المساواة التامة بين الشركات، سواء المحلية أو الأجنبية، مع إعطاء الأولوية للشركات التي تحمل أكبر قدر من القيمة المضافة وعمليات التصنيع، بغض النظر عن جنسيتها أو ما إذا كانت من القطاع العام أو الخاص.
تقدمتُ منذ أن كنتُ رئيسًا لهيئة الثروة المعدنية عام 2016 للجنة الصياغة بالبرلمان بمذكرة بضرورة تحويل الهيئة إلى هيئة اقتصادية مستقلة.
■ ما الجدوى الاقتصادية من تحويلها إلى هيئة اقتصادية مستقلة؟
- من المفترض والطبيعى أن تتبع الهيئة العامة للثروة المعدنية وزارة البترول، ولكن بصفتها هيئة عامة خدمية، تتبع ماليًا وزارتى التخطيط والمالية، وفنيًا وزارة البترول والثروة المعدنية، مما أدى إلى هذا التشوه الإداري.
لكن بعد تحويلها إلى هيئة اقتصادية، ستكون قراراتها مستقلة ومسؤولة عن كل ما يصدر عنها، بالإضافة إلى الاستعانة بالكوادر والخبرات، وفتح باب التعيين لتعويض خروج العديد من الكفاءات إلى المعاش.
تتمتع مصر بثروات معدنية غير مستغلة حتى الآن، وما زال قطاع التعدين فى مصر بكرًا.
ومع ذلك، نجد أن قطاع التعدين يساهم بنسبة ضئيلة جدًا فى الناتج المحلى الإجمالي، والتي تُقدر بـ1% فقط، مما لا يحقق العائد المناسب من ثروات مصر الطبيعية التعدينية.
فى ظل استقلال الهيئة وجعلها هيئة اقتصادية، سيزداد حجم الإنتاج المحلى، وسيدعم الاقتصاد المصري ويضعنا فى مصاف الدول المتقدمة، وسيزيد حجم الاستثمار، وذلك بفضل امتلاك مصر الدرع النوبية بالصحراء الشرقية المصرية، والذي يحتوى على العديد من المناجم.
يساعد مشروع القانون على حل مشكلة تداخل الاختصاصات وضعف الكوادر البشرية، لذا، يساهم مشروع القانون فى استكمال البنية التشريعية التي تهيئ المناخ لتطوير قطاع التعدين بعد صدور التعديلات التشريعية فى قانون التعدين رقم 145 لسنة 2019 وتعديل لائحته التنفيذية.
ستكون الهيئة الاقتصادية قادرة على مراقبة العمليات ومتابعة خطوات تحديث القطاع، بالإضافة إلى إصلاح الهيكل الإداري لقطاع التعدين المصري.
ويهدف هذا الإصلاح إلى تحويل الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية إلى هيئة اقتصادية، حتى تتمتع بالموارد والمرونة الإدارية اللازمة لقيادة العمليات التعدينية المتوقعة.
كما يستهدف إصلاح الهيكل الإداري للقطاع وتنظيم الاختصاصات الفنية والمالية والإدارية والتسويقية بين الكيانات العاملة فى القطاع.
يهدف ذلك إلى تفعيل دور واضعى السياسات والمنظمين للعملية التعدينية، من خلال منح الرخص، والمراقبة الفنية، وتفعيل عمليات البحث العلمى ونقل التكنولوجيا، وإيجاد آلية موحدة لتنظيم الكيانات العاملة فى القطاع.
يساهم ذلك فى زيادة مساهمة قطاع التعدين فى الناتج المحلى الإجمالي، والمشاركة فى تنفيذ السياسة العامة للدولة المصرية التي تهدف إلى توطين الصناعة.
■ ماذا عن دور الدولة فى استكشاف واستخراج خام الفوسفات؟
- اتخذت الحكومة خطوات جادة بشأن خام الفوسفات، حيث وضعت خطة واستراتيجية لتوطين الصناعة بما يتوافق مع التشريعات البيئية العالمية، خاصة قوانين الاتحاد الأوروبى.
كما فتحت باب الاستكشاف من خلال استمرار طرح الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية مزايدات للبحث عن خام الفوسفات، مع التأكيد على توجيه الاستثمار نحو استخراج الخام بغرض التصنيع.
هناك ضرورة لتحديد الاحتياطى المتاح من خام الفوسفات والعمل على تسويق القطاع بشكل أفضل، بما يعزز استدامة الصناعة المحلية القائمة على خام الفوسفات.
إضافة إلى ذلك، هناك دعوة للقطاع الخاص للاستثمار وتشجيع الشركات فى القطاعين العام والخاص للاستثمار فى رفع تركيز خام الفوسفات منخفض التركيز وتصنيع الأسمدة الفوسفاتية وحامض الفوسفوريك.
كما تم إنشاء خط إنتاج جديد لخام الفوسفات بموقع أبو طرطور فى الوادى الجديد (كسارة إمام)، بقدرة إنتاجية 250 طن/ساعة، بإجمالى 750 ألف طن سنويًا من الخام.
يهدف هذا المشروع إلى زيادة معدلات الإنتاج وتعظيم أسطول فوسفات مصر من الكسارات، بما يتماشى مع الخطة الطموحة لإنتاج خام الفوسفات.
■ ما أولى الخطوات التي يجب اتخاذها تجاه قطاع التعدين؟
- لا بد من تشكيل لجنة مختصة لصياغة الاتفاقيات بما يتناسب مع المعايير العالمية، مع ضرورة تقييم نظام المزايدات التي طرحتها الهيئة، بما يتناسب مع الأسعار العالمية.
فعلى سبيل المثال، تم طرح مزايدتين فى عامى 2020 و2021، ويجب إعادة تقييمهما للتأكد مما إذا كانت الطريقة التي تمت بها المزايدة قد أثمرت عن مستثمر جاد سينتج فعليًا أم مستثمر يسعى فقط لرفع أسهمه فى البورصة.
يجب أيضًا وضع حوافز للمستثمر الجاد، إلى جانب إعداد خريطة وتسويق عالمي، ومن الضرورى الاستفادة من الأبحاث الخاصة بمركز المعلومات، الذي تأسس عام 1896، حيث توجد أبحاث خاصة بكافة القطاعات، لكنها للأسف غير مستغلة بشكل كافٍ.
هناك حاجة لأجهزة حديثة متخصصة لتسهيل الوصول إلى الأبحاث وتسويقها، الهدف ليس بيع الأبحاث فقط، بل التعرف على المناطق التعدينية المراد تسويقها للمستثمر الجاد، وهو ما سيعود بالنفع على الدولة.
وقد تم تطبيق هذه التجربة بنجاح فى قطاع البترول عن طريق المركز الخاص به، لذا يجب تعميمها فى مركز قطاع التعدين.
إضافة إلى ذلك، يجب التركيز على توطين الصناعة المحلية من خلال الحد من تصدير المادة الخام. التي تُباع بأسعار زهيدة، لكن التركيز على تصنيعها والقيمة المضافة للخام سيحقق عوائد مالية كبيرة للدولة، ويوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، ويؤدى إلى إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة، مما يرفع مستوى المعيشة.
■ ما أهم الحوافز التي يجب أن تقدمها الدولة للمستثمر؟
- يجب إعطاء تسهيلات فى الإجراءات بعيدًا عن البيروقراطية، مع تطبيق منظومة الشباك الواحد كما هو الحال فى العديد من الهيئات الأخرى، مقابل رسوم تُحصَّل فى هذه المرحلة بهدف إصلاح الأوضاع.
■ حدثنا عن الجمعية الجيولوجية ودورها؟
- الجمعية الجيولوجية أُنشئت عام 1952 وتم إشهارها عام 1956، وتركز الجمعية أساسًا على البحث العلمى وتحفيز العاملين فى القطاع، سواء فى قطاع البترول أو التعدين.
كما يوجد تعاون وبروتوكولات مع الجهات المعنية، وخاصة هيئة الثروة المعدنية.
تُعقد الجمعية مؤتمرًا سنويًا، والمقرر عقده الشهر القادم، بحضور كبار الشخصيات والخبراء العاملين فى القطاع.
يهدف المؤتمر إلى تعزيز التواصل بين الأجيال، وسيتم خلاله تكريم كبرى الشركات التي تدعم الجمعية مثل السكرى وشلاتين والشركة المصرية للثروات التعدينية، والتي تعد شركات حكومية.
للأسف، لا تمتلك الجمعية موارد ثابتة سوى دعم تلك الشركات، وقد كانت هناك شركات بترولية تدعم الجمعية لكنها توقفت، وسيتم التواصل معها خلال الفترة القادمة. كما وُجِّهت دعوة لوزير البترول كريم بدوى لحضور المؤتمر.
بالرغم من إنشاء الجمعية منذ أكثر من 70 عامًا، إلا أنها لا تمتلك مقرًا دائمًا حتى الآن.
نأمل أن تخصص إحدى شركات البترول أو التعدين مقرًا دائمًا للجمعية، إضافة إلى ذلك، تُنظَّم ندوات علمية مخصصة ورحلات علمية للمناطق الاستكشافية الجبلية.
■ ما مدى التعاون بينكم وبين قطاع البترول؟
- هناك تعاون دائم بين الجمعية والهيئة وقطاع التعدين، من خلال تنظيم محاضرات ودورات تدريبية يقدمها الخبراء المنضمون للجمعية، مما يساهم فى تعزيز التواصل العلمى ونقل الخبرات عبر الأجيال.