عاجل
الأحد 9 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
محمود علم الدين.. الأكاديمي حتى الرمق الأخير 

85 عاما صحافة 12

محمود علم الدين.. الأكاديمي حتى الرمق الأخير 

لا تتلاقى شفتان على التلفظ باسمه، حتى يُقالُ: إنه نادرة وقته وزمانه. إنه محمود علم الدين. الحياة قسيت له، وتنكر له الدهر، احترق بيته، أتت النيران على كتبه، مراجعه، ودفاتر ملاحظاته، أصبح حلمه في إتمام أطروحة الدكتوراه، رمادًا أسود. 



فتردى محمود علم الدين، بين شكوى الدهر، والأمل، الذي أعطته له المرأة التي أحب، فكانت إلى جانبه، وهو يمسح اليأس من حياته. دنياه اهتزت ولم تقع، عاد إلى الجامعة، انصرف إلى الدرس، والبحث، وتحضير الأطروحة، التي عند مناقشتها، نال عليها درجة شرفية متميزة. ودار الزمان الذي كان قَسَا عليه، وانفتحت أمامه، وأمام المرأة التي أحب واتخذها زوجة، أبواب النجاح، وابتسمت لهما الحياة من جديد.

فتح محمودعلم الدين عينيه للنور في 24 ديسمبر 1953.  حباه الله بذاكرة جادة، حفاظة، فتفوق على أترابه في التحصيل. تولع بالمطالعة، غرف المعرفة من الكتب العديدة التي كان يدخر لشرائها، يستوعب ما فيها حفظًا وفهمًا.

تدرج في التحصيل حتى وصل إلى الجامعة، كان يعرف ما يريد، فقد شغف بالإعلام، وعزم على دراسته، في قسم الصحافة في جامعة القاهرة. فكان باستمرار جهداً موصولاً في قطع مراحل الدراسة الجامعة، يتخطاها سنة بعد سنة بنجاح، حتى وصل إلى عام 1975 فنال البكالوريوس، ولتفوقه عين معيداً في الكلية. انكب على تحضير الماجيستر، وكانت دراسته دارت حول "الفن الصحفي في المجلة"، فنال عليها سنة 1980 تنويهاً وتقديراً. ولم يكتفِ محمود علم الدين، سنة 1980 درس في "المعهد الدولي للصحافة" في برلين، "التدريب الإعلامي وتكنولوجيا الاتصال والصحافة". ليعود إلى تحضير أطروحة الدكتوراه، التي اختار لها موضوعاً شائكاً ومشوقاً هو "مستحدثات الفن الصحفي في الجريدة"، بعد مناقشتها في قسم الإعلام والصحافة في جامعة القاهرة، سنة 1084، نال مرتبة الشرف الأولى. وكان من الطبيعي بعدها أن يحصل سنة 1995على درجة الأستاذية في قسم الصحافة كلية الإعلام جامعة القاهرة.

وراح الدكتور محمود علم الدين، يتنكب المسؤوليات، فتقلب في المناصب، فكان في كل أدوراه مجلياً، مبرزاً. تولى منصب المستشار الصحفي لرئيس جامعة القاهرة 1994- 1999 ، وشغل منصب المستشار الإعلامي لوزير التعليم العالي والبحث العالي (1997 – 2007)، ليصبح بعدها، مستشاراً في التعليم العالي، لعدد من الوزراء الذين تعاقبوا على المسؤولية في حكومات متعاقبة. تولى محمود علم الدين، ولسنوات طويلة، منصب وكيل كلية الإعلام للدراسات العليا في جامعة القاهرة ، وعين  سنة 2006 رئيساً لمجلس قسم الصحافة في كلية الإعلام في جامعة القاهرة 2006، كما كان عضو اللجنة التنفيذية للقناة الفضائية لوزارة الدولة للبحث العلمي، ونائب رئيس مجلس إدارة "مراكز بحوث الرأي العام"، و"التوثيق والتدريب"، و"المرأة والإعلام"، و"التراث الصحفي".

ويحسب للدكتور محمود علم الدين، تأسيسه "قسم تكنولوجيا الصحافة " في "أكاديمية أخبار اليوم للهندسة وتكنولوجيا الطباعة"، وكان تولى مهام الإشراف على االقسم حتى انطلق وأصبح من أهم معاهد تدريس التكنولوجيا الصحافية. وكان الدكتور محمود علم الدين عضوا بالهيئة الوطنية للصحافة في أول تشكيل لها، وتم اختياره عضوا بمجلس أمناء الحوار الوطني قبل وفاته بأشهر معدودات. 

أدار الدكتور محمود علم الدين عقله، ولَفَّهُ حول المعرفة، قضى معظم حياته منقباً، يستقرئ الكتب، والمحفوظات، ويمحص في ما وصل إليه، من أصول، ومراجع، مهمة  أوحت له أن يطرح نظريات في الإعلام ودراساته. درب تلامذته على كيفية اكتناز تلك المعارف، والتعامل  معها. يجمع من عرفوه، وعملوا معه، وتتلمذوا عليه، أن محمود علم الدين، كان واحداً من الذين أوتوا نعمة البحث، والمتابعة، والتدقيق، والمثابرة على التقصي، وفهم ما انغلق واستعصى فهمه، أو اعتماده، من مذاهب، ومدارس، ونظريات، وتقنيات، تطور من الإعلام المقروء، والمسموع، والمشاهد. ترك على أرفف المكاتب 32 كتاباً فى مجال الإعلام والصحافة، منها: "مقدمة في الصحافة "، "فن التحرير الصحفي"، "السلطة الخامسة "، "صحافة المواطن". 

 

وترك بين أيدي طلاب علم الاعلام والصحافة 33 بحثاً في الصحافة وتكنولوجيا الاتصالات، كانت نشرت في الدوريات العالمية، كل هذا الجهد، لم يصرفه عن الإشراف على عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراه في الصحافة داخل العديد من الجامعات وتخرج على يده الآلاف من الباحثين والإعلاميين والصحفيين.                                                                       

قضى الدكتور محمود علم الدين، أخريات أيامه، متابعاً، راعياً، مشجعاً، مساعداً، لتلاميذه، وما توقف، وهو متوعك، يعاني من مضاء المرض، عن العطاء. أستعير ما كتبه الزميل محمد أمين في جريدة "المصري اليوم"، بعد حضوره مناقشة رسالة الدكتوراه، التي أنجزتها، وقدمتها للمناقشة، زميلته ندى شريف، وكان الدكتور محمود علم الدين المشارك في مناقشتها.

يومها لم يكن بين الدكاترة الحاضرين للمناقشة، كان جالساً في بيته، يجلس في سريره، يشارك، يطرح الأسئلة، يبدي الملاجظات، ويناقش. كتب الزميل محمد أمين: "في الحقيقة فاجأني الدكتور محمود علم الدين، فهو كان يدير المناقشة من البيت، عبر برنامج "زوم"، على جهاز التنفس الصناعي. واستغربت أنه لم يؤجل حتى يشفيه الله. وسألت ندى: "لماذا لم تنتظريه حتى يعود بسلامة الله؟". قالت: "طلبت منه، التأجيل، لكنه رفض، وقال لي  خلصي شغلك إنت... وهذه رابع رسالة ينجزها، وهو تحت الملاحظة الطبية، وأجهزة التنفس الصناعي، لشعوره بالمسؤولية".  

محمود علم الدين، هو من القلائل الذين يؤرخ لهم. وهو من رجال الصفوة المختارة، علماً، وأدباً، وأخلاقاً. كان وحده من هو، في المسؤوليات العديدة التي تحملها في الجامعة وخارجها: مواظبة، وحزم، وعزم، وبعد نظر، مجرب حكيم، عركته االحياة فتحملها وعاركها عنوداً، حتى وصل إلى مبتغاه و... نجح. وكان الكلمة الهادئة، النيرة، المنورة، في الأستذة والتدريس عطاء وتفانٍ، وفي المجتمع الصديق، العطوف، المتوازن، الأنيق. محمود علم الدين لم نَرَ قبلهُ، ولا بعده مثلهُ.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز