عاجل
الأحد 27 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

حكاية انهيار سد مارب وتدفق الهجرات العربية إلى الساحل الأفريقي

أرشيفية
أرشيفية

يبدو من الأهمية بمكان أن نتعرف على سد مأرب الذي كان قد شيد في بلاد اليمن القديم، وتاريخه، ومتى تم البدء في بناء هذا السد، وغير ذلك من الأمور، لاسيما وأن سد مأرب، وما ارتبط به خاصة مرحلة انهياره، كانت من أهم العوامل المؤثرة في تاريخ العرب القديم بشكل عام، كما ساهم ذلك الذي حدث في زيادة وتيرة الهجرات العربية من جزيرة العرب إلى الساحل الأفريقي، وما نتج عن ذلك من تأثيرات سياسية واقتصادية، وكذلك حضارية وثقافية..الخ في هذه البلاد .



تقع هذه المدينة في بلاد اليمن، ولقد نالت مدينة مارب شهرة واسعة في تاريخ اليمن منذ أقدم العصور، لاسيما وأنها ارتبطت بسد مأرب، وهو السد المشهور الذي تحدث عنه القرآن الكريم. وتوصف مدينة مارب حيث أقيم هذا السد المشهور: "كورة بين حضرموت وصنعاء، لم يبق بها عامرا إلا ثلاث قرى يسمونها الدروب، كل قرية منها منسوبة إلى قبيلة من اليمن.." . وكان السكان في أرض مأرب يزرعون الآراضي في مدينتهم باستخدم الماء القادم من ناحية السد، وهم كانوا يسقون آراضيهم سقية واحدة، ويزرعون عليه ثلاث مرات في كل عام .

أما عن بناء السد في مدينة مأرب القديمة، والغاية من تشييد ذلك البناء المهم الذي نال شهرة كبيرة في تاريخ العرب القديم، حيث تذكر المصادر أن المياه كانت تهبط من جبال مأرب، وكانت هذه المياه تتجمع في شكل تجمعات وسيول هائلة . ومن الواضح أن هذه السيول كانت تشكل تهديدا للسكان في حالة تكونها بهذا الشكل، ومن هنا جاءت ضرورة إقامة سد مأرب، وعن بناء السد، وأسباب ذلك، يذكر القزويني في روايته: "ذكروا أن مياه جبالها (أي جبال مأرب) تجتمع هناك وسيول كثيرة، ولها مخرج واحد، فالأوائل قد سدوا ذلك المخرج بسد محكم، وجعلوا لها مثاعب يأخذون منها قدر الحاجة.." . 

 ولقد تعرض سد مأرب للعديد من حوادث الانهيارات والتدمير بسبب العديد من العوامل لعل أهمها السيول وغيرها من الكوارث الطبيعية الأخرى، وكان ملوك اليمن يهتمون بإعادة بناء ما تم تدميره . ومن أهم النقوش القديمة التي تحدثت عن ترميم سد مأرب نقش الملك شرحبيل يعفر ملك سبأ، ورد فيه أنهم اصلحوا (رمموا) السد، وقاموا بتنظيف السد من الطمي، وقاموا بعمارته بالأحجار حتى أكملوا البناء من أسفل، كما رمموا القناة الخاصة به من أسفلها . كما أن العمال قاموا بتدعيم مبنى الصرف الخاص بسد مأرب بالحجارة، وبألواح وصفائح الحديد، وغير ذلك من الأمور التي قاموا بها لترميم السد .

 

انهيارُ السد (في حوالي 120م):

أما فيما يخص انهيار سد مأرب، وما حدث وأدى لحدوث تلك الكارثة في تاريخ عرب الجنوب، أو عرب اليمن، إذ تذكر المصادر أن المياه ورغم وجود سد مأرب، إلا أنها أخذت تتجمع بشكل كان يهدد السكان في المدينة، "فاجتمعت المياه بطول الزمان وصار بحرا عظيما خارج السد" . ومن المُعتقد أن انهيار سد مارب، أو سيل العرم بحسب القرآن الكريم، يرجع لحوالي سنة 120 ميلادية كان من أهم الأسباب التي ساعدت على ازدياد الهجرات العربية القادمة من شبه الجزيرة العربية لاسيما من المناطق الجنوبية منها، ومن ثم الاتجاه إلى السواحل الأفريقية الشرقية .

تذكر المصادرُ أن الله تعالى سلط الجرذان على بناء السد، فأخذت تلك الجرذان تقوم بالحفر مستخدمة أنيابها حتى سد الوادي الذي نحو البحر، وهنا فتح مما يلي السد، وهو ما أدى لحدوث الكوارث، وغرقت المدينة، والمناطق التي كانت تحيط بهذا السد بسبب السيول التي تكونت بسبب انهيار بناء سد مأرب، ولهذا تذكر المصادر عن ذلك الذي وقع: "غرقت البلاد حتى لم يبق إلا ما كان من رؤوس الجبال، وذهبت الحدائق والجنان والضياع والدور والقصور، وجاء السيل بالرمل فطمها.." . ومن اللافت أن هناك نقش يؤرخ إلى سنة 450 ميلادية يتحدث عن دمار وتخريب سد مأرب، ويقال غن عدد من شاركوا في إصلاح السد كانوا حوالي 20 ألف شخص .

نتائجُ دمار سد مأرب والهجرات العربية نحو الساحل الأفريقي:

لاشك أن انهيار سد مأرب في بلاد اليمن كان من أهم الأحداث المؤثرة في تاريخ العرب بصفة عامة، ولاسيما في المناطق الجنوبية من شبه جزيرة العرب، ولقد تسبب ذلك الانهيار في إجبار العديد من القبائل والبطون العربية على النزوح إلى الساحل الأفريقي الشرقي. وكان انهيار سد مارب، أو سيل العرم بحسب القرآن، في حوالي سنة 120م من أهم الأسباب التي ساعدت على ازدياد الهجرات العربية إلى سواحل أفريقيا الشرقية . 

 يجدر بالذكر أن الجماعات والبطون العربية آثرت الذهاب والهجرة إلى ساحل شرق أفريقيا أكثر من غيره بفضل عوامل الجوار، وكذلك التقارب الجُغرافي بين كل من آراضي جزيرة العرب من ناحية ، وساحل شرق أفريقيا من ناحية أخرى . كانت من أكثر المناطق التي جاء منها المهاجرون العرب إلى أقاليم الساحل الأفريقي الشرقي: بلاد اليمن، وبلاد حضرموت، وكذا جاء المهاجرون العرب من آراضي بلاد عمان، وإقليم الإحساء، وكذا سواحل البحرين..الخ. 

على هذا، يؤكد الباحثون أن التغيرات المناخية التي وقعت في العالم في العصور القديمة أدت لحدوث تأثيرات ما بين سكان جزيرة العرب من ناحية، وشرق أفريقيا في ذلك الوقت من ناحية أخرى . ولهذا تقول جـ. جوزيف: "أما القبائل والشعوب الفريقية التي تعيش في مناطق الشواطيء الشرقية للقارة، فقد تأثرت كثيرا بجيرانهم من العرب والأسيويين، ولم تنقطع الصلات التجارية والثقافية بين هؤلاء وأولئك على مدى التاريخ القديم والتاريخ الحديث.."   

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز