

طارق الشناوى
لير والفخرانى (الجنون العبقرى) !!
الفنان الكبير يحيى الفخرانى من دراويش الملك لير، هذه العبارة تعوزها الدقة.. علينا أن نقول إن الملك لير صار من دراويش يحيى الفخرانى، كأن وليم شكسبير استلهم الملك لير من يحيى الفخرانى.
وهكذا شاهدناه مؤخرا للمرة الثالثة وهو يؤديها على المسرح القومى، ولم يكتف الفخرانى بهذا القدر من العشق الذي بدأ عام
2005 فى أول لقاء على خشبة المسرح مع رؤية للمخرج الكبير الراحل أحمد عبدالحليم، لكنه قبل نحو 11 عاما اتفق مع الكاتب الكبير عبدالرحيم كمال على تقديم رؤية درامية، وبإخراج شادى الفخرانى وقدمها فى مسلسل، حقق نجاحا جماهيريا ضخما، بداخل الفخرانى حنين وشغف لا يعرف الارتواء يعيشه مع (لير) أنه يبحث عن لير بقدر ما يبحث عنه لير.
البعض يلجأ إلى هذا التلخيص الممل والقاصر، وهى أن المسرحية تتناول عقوق الأبناء، باعتبارها الرسالة المضمرة، لو صح أن للفن رسالة كما يحلو للبعض أن يطل على الإبداع من تلك الزاوية، والصحيح أن المسرحية تحلل النفس البشرية بكل جنونها وجنوحها وهواجسها، الملك أو صاحب السلطة فى أى موقع ومهما تباينت العوامل التاريخية والجغرافية، يظل فى حيرة، هل هم يحبون ويقدرون الإنسان أم أنه الجاه والتاج، ولهذا فإنه لم يتنازل فقط على الأرض لبناته وقرر تقسيم البلاد بينهم ولكن التاج أيضا رمز السلطة أراد تقسيمه بينهم.
المخرج شادى سرور، حرص على أن يمنح العرض مذاقا عصريا باستخدام كل مفردات المسرح من تكوين درامى وإضاءة وحركة الممثلين، كان إيقاع أداء يحيى هو الخيط الأول الذي انعكس على كل الشخصيات، بعيدا عن الصخب الدرامى، رغم أن المسرحية بطبيعة بنائها بها الكثير من التطرف فى المشاعر وتصل فى كل مرة للذروة، لكن المخرج أراد تقنين كل هذا الجنوح، قدم عددا من الممثلين الذين عادوا إلينا بألق مثل طارق دسوقى الذي يغيب كثيرا لأسباب غير معروفة لكنه فى عودته يترك بصمة، ولدينا أيضا أحمد الناصر وأحمد خلف وأمل عبدالله وإيمان رجائى وغيرهم.
مسرحية وليم شكسبير (الملك لير) كتبها مطلع القرن السابع عشر، ولا تزال برغم اختلاف الثقافات، قادرة على اختراق مشاعرنا، فهى ترانا فى كل زمان ومكان، لأنها تحلل النفس البشرية بضعفها قبل قوتها.
الفخرانى أضاء بحضوره المسرح القومى العريق، أتمنى أن تظل مسارح الدولة ملهمة بقدرتها على قيادة المسيرة الفنية.