ماذا تعرف عن شعب غانة القديم ؟
د. إسماعيل حامد
يُعد شعب غانة من أقدم السكان المعروفين لنا في تاريخ بلاد غرب أفريقيا، وينسب لهذا تأسيس واحدة من أقدم الممالك الأفريقية في بلاد جنوب الصحراء الكبرى. وعلينا أن نُفرق بشكل واضح بين تسمية (غانة)، وهي تشير إلى بلاد غانة القديمة أو مملكة غانة القديمة بحسب المصادر العربية والإسلامية من جانب، وبين تسمية (غانا)، وهو الاسم الذي يشير إلى دولة غانا الحديثة من جانب آخر، لاسيما وأن تخوم مملكة غانة القديمة ليست هي ذاتها التي قامت عليها آراضي دولة غانا في العصر الحديث.
ولقد أقام شعب غانة القديم أقدم الممالك المعروفة في هذه المنطقة، وهي مملكة غانة القديمة التي اشتهرت بأنها بلاد الذهب منذ أقدم العصور. وتباينت الروايات حول سكان غانة القدامى، وأصلهم، وإنه بحسب بعض روايات شعوب الهوسا المحلية، كان سكان غانة القدامى يسمون أنفسهم: التورود (وقيل: التوروث)، وأنهم كانوا قد جاؤا أصلاً من بلاد العراق القديم، أو ما يُقال لها بلاد وادي الرافدين، أو بلاد النهرين دجلة والفرات. وعلى هذا، فإنه بحسب الروايات المحلية كالهوسا فإن شعب غانة ربما كانت لهم اصور أشورية وبابلية قديمة، وربما أنهم كانوا ينتمون إلى منطقة جبال طوروس. ولاريب أن هذا الكلام غير بعيد عن المنطق التاريخي، وسياق الأحداث في منطقة غرب أفريقيا.
وتُعتبر "غانة" أقدم الممالك في غرب أفريقيا، بل إنها في رأي البعض أول وأقدم تنظيم سياسي معروف في بلاد السودان، أو بلاد جنوب الصحراء خلال حقبة العصر الوسيط. ومن المعلوم- في ذات الآن- أنه يرتبط تأسيسُ "مملكة غانة" بـ"الذهب" وتجارته أكثر من غيرها من الممالك الأخرى في تلك المناطق، ومن ثم صار ملوك وحُكامُ هذه البلاد يُعرَفون بـ"ملوك الذهب".
واختلفت آراء الباحثين حول تأسيس "مملكة غانة"، فالبعضُ يؤرخ ذلك إلى حوالي الفترة التي تمتد من (469-600هـ/1076-1203م).
بينما يرى البعضُ الآخر أن تأسيس هذه المملكة ربما يرجع إلى حوالى القرن الثاني الميلادي، ويرى آخرون أن جماعات من المُهاجرين القادمين من مناطق بلاد المغرب، وأقاليم شمال أفريقيا، كانوا قد قدموا إلى آراضي مملكة غانة، ثم إنهم استقروا بعد ذلك بين السكان المحليين القاطنين في هذه البلاد، وهم شعوب "الماندي" (الماندنغو)، ولاسيما شعب "السُوننك" Soninke. ويعد "السوننك" من أقدم شعوب غانة القديمة، ثم إنهم تصاهروا مع السُكان المحليين، وفي حوالى القرن 4 الميلادي حكم المهاجرون مملكة غانة، وكونوا أسرةً ملكية جديدة فى منطقة تُعرف باسم: "أوكور" Aukur.
ويذهب "بازل دافيدسون" إلى أن حكام غانة الأوائل كانوا قد استطاعوا أن يفرضوا نفوذهم على أكثر الشعوب والقبائل التي كانت مجاورة لهم في مناطق غرب أفريقيا، ولعل تلك السيطرة والهيمنة كانت بفضل استخدام شعب غانة للأسلحة الحديدية التي كانوا يستخدمونها، وقد كانت تلك الأسلحة أكثر تطورًا مما كان لدى أندادهم.
وعن ذلك الأمر يقول بازل دافيدسون Basil Davidson: "لقد أثبت الحديد في كل مكان من العالم القديم أنه كان له تأثير قوي مكن من بناء مجتمعات جديدة أكثر تعقيدًا، والأمر في هذا لم يكن مختلفًا بالنسبة لأفريقية، فمنذ عرفت صناعة الحديد في أفريقية أمكن الحصول عليه بسهولة أكثر من النحاس، أو البرونز..ولهذا السبب قامت شعوب غانة-كما يذكر الجغرافي الزُهري- بحملات عسكرية ضد جيرانهم في وقت ما بعد سنة 1150م، ذلك لأن الشعوب الأخرى لم تكن تعرف صناعة الحديد..وكانت تحارب بقضبان من الأبنوس، على حين كان أبناء غانة يحاربون بسيوف ورماح حديدية، وبهذا يعتبر قيام الممالك بالسودان الغربي نتيجة للتفوق في استخدام الحديد".
ويعتقد البروفيسور "ديلافوس" Delafosse أن المؤسسين الأوائل لمملكة غانة كانوا من ذوي البشرة البيضاء، بل ويزعم أنهم من أصل سوري يهودي. وهو رأي غريب على أية حال، وكأنه يريد أن يقحم اليهودي بأية طريقة في هذا المشهد. ثم يشير ديلافوس إلى أن مؤسسي غانة الأوائل نزحوا في حوالي منتصف القرن الثاني للميلاد إلى أوكار في إطار هجرات سلمية غير عنيفة في حركتها بسبب اضطهاد الرومان، وبعد استقرارهم بجانب السكان الأصليين السوننك، تمكنوا من استيعاب عادات السكان المحليين، وتأقلموا مع تقاليدهم المحلية. ثم أخذوا بشكل تدريجي في بسط نفوذهم على بلاد غانة القديمة حتى صاروا حكام هذه البلاد، ويقال إن تأسيس المهاجرين لمملكة غانة تم في حوالي سنة 300م.
وعن تأسيس"مملكة غانة" القديمة، بحسب بعض المستشرقين ومنهم "ديلافوس"، يقول الدكتور الشكري: "ويستبعد هذا التصور أن يكون الملوك الأوائل لمملكة غانة من أصل صنهاجي..ويسترسل ديلافوس في تفسيراته موضحًا أن هذه الأسرة البيضاء السورية اليهودية استمرت في الحكم إلى نهاية القرن الثامن الميلادي، حيث تمكنت من وقتئذ أسرة سوننكية سوداء من السيطرة على الحكم مستفيدة من الأوضاع المضطربة التي في البلاد آنذاك، مستعينة بكثرة الجيوش التابعة لها، ومع هذا الانقلاب بدأت مرحلة جديدة في تاريخ غانة، تميزت بسعي القيادة السوداء لتوسيع مناطق نفوذها على حساب الجيران".