

جمال عبدالصمد
رحلة أبو شوال
أبدأ حديثي اليوم عن مهنة ليست غريبة عن مجتمعنا، لا يحتاج صاحبها خبرات أو مؤهلات علمية، كما أنها لا تحتاج إلى أدوات مكلفة أو معدات ثقيلة، ولا تتطلب امتلاك رأس مال كبير، بل تعتمد على شوال يحمل فوق الكتف أو كرتونة على عجلة أوتروسيكل، يتجول صاحبه بين دروب الشوارع والحواري بحثاً عن مبتغاه، وهذه المهنة ليست محددة بعدد ساعات عمل معينة، بل تعتمد اعتمادا كليا على موقع تجمعات أكوام القمامة، وتوافر فيها مواد ومخلفات محددة بعينها.
شهدت مهنة جمع الكرتون والبلاستيك وعلب الكانز "المعادن" انتشارًا ملحوظًا في شوارع وحواري المحافظة بل في محافظات مصر كافة، حيث تحولت من مجرد نشاط ومهنة لفئة معينة من جامعي القمامة والمخلفات "النباشين، والفريزة" إلى تجارة رائجة استطاعت أن تجذب شرائح مجتمعية مختلفة، والأغرب في هذا الموضوع أن هناك عددا من الأشقاء الوافدين "سوريون، سودانيون" جذبتهم هذه التجارة، حيث وجدوا فيها سبيلًا للعيش الكريم والمكسب السريع والمُرضي، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يواجهونها في بلادهم.
ازداد الإقبال على مهنة جمع وبيع المخلفات القابلة لإعادة التدوير، بشكل كبير ولافت للانتباه، نظرا لفتح سوق واسع لشراء هذه المخلفات بأسعار عالية، وزيادة الطلب عليها، الأمر الذي جعل المواطن يتحول بقدرة قادر من مستهلك إلى تاجر، خاصةً بعد أن أصبحت سعر المواد المستعملة "القابلة لعملية التدوير" أقل بكثير من تكلفة وسعر المواد الخام البكر، مما أسهم في زيادة الإقبال عليها بالبيع أو بالشراء، وأصبحت هذه التجارة تلعب دوراً مهماً وحيوياً، بعد أن وفرت مصدر دخل فوري ومباشر للعديد من الأسر التي تبحث عن مصدر لزيادة دخلها ومواجهة احتياجات ومتطلبات الحياة.
الآن أصبح تطوير عملية جمع الخردة والمخلفات المشار إليها سابقاً، من الضروريات الحتمية خاصة بعد أن أصبحت هذه التجارة تمتلك سوقا واسعة بكل محافظات مصر، حيث لا تعتمد هذه المهنة على ساعات أو أيام معينة للعمل، ما يسمح للعاملين بها التكيف مع ظروفهم الشخصية، فهناك من اتجه إلى هذه التجارة كمصدر دخل أساسي، وهناك من اتخذها كمصدر إضافي يساهم في سد فجوة من فجوات أعباء المعيشة.
برغم انتعاش هذه التجارة ورواجها بين أفراد المجتمع، بالإضافة إلى أنها تدر عائد مادي لا بأس به، فإن لها مساوئها "التلوث البيئي والبصري"، حيث يقوم جامع الخردة ببعثرت أكياس القمامة بالشوارع قبل وصول سيارة جمعها، وما ينتج عن ذلك من انبعاثات غازية خانقة وسامة، بالإضافة إلى انتشار الحشرات والقوارض، فضلاً عن تشويه الشكل الحضاري والجمالي لشوارع المحافظة.
ختاماً.. الفصل من المنبع يساهم في الحد من انتشار ظاهرة النباشين والفريزة، الذين يقومون ببناء مستعمرات على أكوام القمامة، وهذه الطريقة تم تنفيذها وتطبيقها في العديد من المناطق والمؤسسات في مصر، وقد أثبتت نجاحها في الحصول على مواد جاهزة للتدوير غير ملوثة للبيئة، وهذا ما يتم تطبيقه في العديد من المدن الجديدة والدول الأجنبية.
أخيراً، حان الوقت لنشر الوعي بأهمية إعادة التدوير ودوره الحيوي في الاقتصاد الأخضر، الذي يهدف إلى الحدّ من المخاطر البيئية، بكونه جزءا لا يتجزأ من نظام اقتصادي دائري مستدام يهدف إلى تقليل النفايات والمحافظة على الموارد من خلال إعادة استخدامها وتدويرها وتصنيعها، ويسهم هذا النظام في حماية البيئة وتوفير فرص عمل لشرائح متنوعة من المجتمع، بالإضافة إلى تطبيق منظومة فصل المخلفات من المنبع، بشكل حضاري ومنظم يستفاد منه كل من يعمل بهذه المنظومة دون ترك أي آثار غير حضارية أو غير لائقة.