جمال عبدالصمد
نسيج الوطن يعزف سيمفونية حب
كل عام نودع عامًا مضى بكل ما تضمنه من أحداث متفرقة "أفراح وأحزان، نجاحات وإخفاقات، لقاء وفراق"، وهذا التغيير السنوي هو بمثابة فرصة للتأمل والتقييم، والوقوف مع النفس بهدف التعلم من التجارب والدروس الحياتية المنصرمة، كما أنها تُعد فرصة للتطلع نحو المستقبل، وذلك من خلال تحديد الأهداف الجديدة والرؤية والتطلعات المستقبلية.
تختلف عادات وتقاليد الاحتفال برأس السنة من مجتمع إلى آخر، ولكن جميعها تحمل في طياتها رمزية مشتركة تتمثل في تجدد الأمل والتطلع نحو مستقبل أفضل، ومن أبرز هذه العادات: إقامة الحفلات والمناسبات الاجتماعية التي تجمع العائلات والأصدقاء والأحباب، من أجل تقديم التهاني والتبريكات، وتقديم الهدايا تعبيرًا ورمزاً للمحبة. وهذا ما يعكس مدى التقدير والاحترام المتبادل بينهما. كما يتضمن التقليد السنوي للاحتفال بالعام الجديد، استخدام الألعاب النارية التي تنطلق فى الثواني الأولى من بداية العام الجديد، لإضفاء جو من الفرح والبهجة، بالإضافة إلى ممارسة الطقوس الدينية، كالصلاة والتضرع إلى الله، من أجل تحقيق الأمنيات والوعود، واستجابة الدعاء.
تزامن الأعياد الدينية في مصر يعكس مدى عمق التعايش السلمي بين عنصري الأمة، وذلك بكون هذا الحدث جزءاً مهماً من الهوية الثقافية والدينية للشعب المصري، حيث يعيش الكل جنباً إلى جنب في وئام واحترام متبادل، بالإضافة إلى أن تزامن هذه الأعياد يساهم في تعزيز الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد، وتقوية أواصر المحبة والتأخي بينهم.
وفي شهر يناير عام ٢٠٢٥م تزامنت بعض الأعياد المسيحية مع الاحتفالات الإسلامية، مما أضفى على هذا الشهر نكهة خاصة، ومن هذه المناسبات: "عيد الميلاد المجيد الذي تم الاحتفال به يوم الثلاثاء ٧ يناير ٢٠٢٥م، وهو يُعد أحد أهم الأعياد المسيحية، التي يحتفل به المسيحيون في جميع أنحاء العالم، وأيضا تزامن بداية شهر يناير مع بداية شهر رجب، الذي يُعد من الشهور الهجرية المباركة لدى المسلمين، الذين يحرصون فيه على زيادة العبادة وقراءة القرآن الكريم والتقرب إلى الله عز وجل، والاستعداد الروحي لشهر رمضان الكريم.
وبذلك يقوم نسيج الوطن بعزف سيمفونية إنسانية وطنية، من خلال تبادل الزيارات وتقديم التهاني، مما يعزز أواصر المحبة والتفاهم بين أبناء الوطن الواحد "المسلمين والمسيحيين"، ويؤكد على أن المجتمع المصري نموذج يحتذى به في التعايش السلمي بين مختلف الأديان والثقافات، كما يعتبر فرصة لتأكيد قيم تعزيز الوحدة الإنسانية والتسامح والأخوة والمحبة الصادقة النابعة من القلب.
رغم اختلاف العقائد والطقوس، فإن هناك قيما مشتركة بين جميع الأديان، على رأسها الوحدة الإنسانية والوطنية، والحب والرحمة والتسامح والصدق والأمانة والعدل وغيرها من الاخلاق الحميدة. وتمثل تلك القيم المشتركة الرابط القوي الذي يقف أمام مخططات أهل الشر، والتي تسعى للنيل من هذه الوحدة الوطنية وتمزيق هذا النسيج الإنساني، ولكن قوة هذا الترابط تحبط تلك الخطط وتفشلها وتبعثر لهم أحلامهم الواهمة، ويبقى نسيج الوطن يغزل ثوب المحبة، ويعزف سيمفونية وطنية وإنسانية تلقى إحترام العالم.
أخيرًا، رسالتي إلى العام الجديد.. "يا عامنا الجديد، نستقبلك بأذرع مفتوحة وقلوب يملؤها الأمل، نسأل الله أن تكون عاماً مليئاً بالخير والبركة وراحة البال، اللهم عاماً تحقق فيه أحلامنا وآمالنا، اللهُم نسألك الرضا بما قسمت، والشكر على ما أنعمت، والقناعة بما أعطيت، والعمل بما أمرت، اللهُم نسألك أن تمنحنا الصحة والعافية والسعادة والستر، وأن تحفظ مصر وشعبها وجيشها وجندها وكل من يعيش على أرضها من كل مكروه وسوء".