عاجل.. السيناريو واحد والهزيمة أمريكية روسية بفارق توقيت 1095 يومًا
عادل عبدالمحسن
القاسم المشترك في سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول يوم 16 أغسطس 2021، وهيئة تحرير الشام يوم 8 ديسمبر الجاري، على العاصمة السورية دمشق أن جيشي البلدين، الأول المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي الناتو، والثاني المدعوم من روسيا الاتحادية وإيران، انهارا بدون قتال.
الأمر الذي يطرح سؤالًا ماذا حدث في الحالتين؟ وكيف سارت الأمور بعد السيطرة على عاصمتي تلك الدولتين؟، بعد أن بسطت تلك الجماعات المعروفة بالعنف والقتل على سوريا وأفغانستان، لم نر مشاهد عنف ترقى إلى مذابح وبأن طرفًا انتصر على آخر في حرب، وهذا الأمر يجعلنا نجزم أن هناك صفقات عقدت في الحالتين، وباع العسكريون في هذين البلدين شرف القسم وتسليم البلاد إلى الجماعات المتأسلمة التي لا تعترف بنظم الحكم في العصر الحديث، بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.
روسيا فعلتها مع كابول وأمريكا هرولت إلى دمشق
وعلى قاعدة عدو عدوي صديقي، بين الولايات المتحدة، وروسيا الاتحادية، أرسلت الإدارة الأمريكية مساعدة وزير الخارجية الأمريكي باربرا ليف يوم الجمعة، إلى دمشق ولقاء القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، الذي اظهر نفاقه بلقاء هذه السيدة سافرة الراس والوجه واحتفى بإصدار صور لكل منهما منفردًا على نافق أكثر على الراي العام في العالم كله.
كانت روسيا الاتحادية قد سبقت الولايات المتحدة بالعمل على قاعدة عدو عدوي صديقي، عندما سمحت بزيارات منتظمة لقادة طالبان إلى روسيا، على الرغم من وجودهم على قائمة الكرملين للمنظمات الإرهابية المحظورة.
وتعمقت العلاقات بين موسكو و"إمارة أفغانستان الإسلامية" منذ فبراير 2022، عندما شنت روسيا هجومها الواسع النطاق على أوكرانيا، حيث تقدم المشاعر المعادية لأمريكا القوية في كل من كابول وموسكو قواسم مشتركة.
ومع ذلك، من الناحية الاقتصادية، فإن النفوذ المحلي لروسيا محدود ولا يقارن بنفوذ اللاعبين الإقليميين الرئيسيين مثل باكستان أو الصين.
وخلال الفترة الأولى من حكم طالبان من عام 1996 إلى عام 2001، كان المسؤولون الروس ينتقدون بشدة النظام الإسلامي المتطرف.
وكان الكرملين غاضبًا بشكل خاص من اعتراف طالبان بإعلان استقلال الشيشان، في حين كان الصراع الدموي لا يزال مستعراً في أقصى جنوب الاتحاد الروسي.
وكان هذا عاملاً رئيسيًا في قرار الرئيس الروسي الشاب آنذاك فلاديمير بوتين بدعم العملية العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة ضد طالبان.
وبعد يومين فقط من سقوط كابول، أصبح السفير الروسي دميتري جيرنوف أول دبلوماسي أجنبي يلتقي علناً مع مسؤولين من طالبان.
ولكن منذ ذلك الحين، مر عقدان من الزمان، وتغير العالم، فعندما استعادت حركة طالبان كابول دون مقاومة في 15 أغسطس 2021، سارع سفراء الدول الغربية إلى إخراج موظفيهم وأحرقوا على عجل وثائق سرية، في حين ظلت السفارة الروسية في أفغانستان غير متأثرة ولم يكن أحد بحاجة إلى الإخلاء.
وبعد يومين فقط من سقوط كابول، أصبح السفير الروسي دميتري جيرنوف أول دبلوماسي أجنبي يلتقي علنًا بقادة طالبان.
وفي الوقت نفسه، نشرت السفارة الروسية، التي كانت قد أحرزت تقدماً بالفعل لدى طالبان، رسالة تصف هروب الرئيس الأفغاني المخلوع أشرف غني بأنه "مخز"، واتهمته بالفرار من كابول بسيارات مليئة بالنقود.
وبحلول الوقت الذي سارت فيه حركة طالبان منتصرةً إلى العاصمة، كانت موسكو قد أقامت بالفعل اتصالات وثيقة مع الحركة الأفغانية، وحتى قبل ذلك، كانت محادثات "صيغة موسكو" تجري في العاصمة الروسية بين ممثلي الجمهورية السابقة والإمارة الجديدة.
وبعد انسحاب القوات الأمريكية، نشرت حركة طالبان رواية مفادها أن أفغانستان تغلبت على الاحتلال الأمريكي الذي دام عشرين عاما.
وفي وقت كانت فيه العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة تتدهور بالفعل بشكل مطرد، ساعد هذا في تعزيز تصور موسكو على الرغم من الوجود العسكري للاتحاد السوفيتي ــ سلف الاتحاد الروسي ــ في أفغانستان من عام 1979 إلى عام 1989، والذي تم نسيانه بسهولة.
في النصف الثاني من القرن العشرين، كان الاتحاد السوفييتي هو الفاعل الأجنبي الرئيسي في البلاد، ففي الفترة ما بين الخمسينيات والثمانينيات، شارك السوفييت في تطوير 130 مشروعًا صناعيًا وبنية أساسية أفغانية ــ من المطارات إلى أنظمة الري.
وحتى الآن، كثيراً ما نجد في شوارع كابول معدات وسيارات صدئة تذكرنا بسنوات الكتلة الشرقية الغابرة، في حين لا تزال اللغة الروسية منتشرة على نطاق واسع بين الأفغان الأكبر سنًا.
ومن حيث القوة الناعمة، تتمتع روسيا بحضور محلي محدود في أفغانستان، ولكن هذا العصر المزدهر للنفوذ السوفييتي قد ولّى منذ زمن بعيد، فاليوم، أصبح الشباب الأفغان الذين يحلمون بالهجرة ــ في مواجهة ارتفاع معدلات البطالة وتدهور الاقتصاد ــ أكثر ميلاً إلى توجيه أنظارهم إلى الولايات المتحدة وليس إلى روسيا، التي تشكل الخيار البديل.
فضلاً عن ذلك، فإن روسيا ليست بأي حال من الأحوال خيارًا سهلًا للشباب الأفغاني: ذلك أن الحصول على تأشيرات دراسية يستلزم بذل جهود بيروقراطية كبرى، فضلاً عن التقارير عن هجمات بطائرات بدون طيار على العاصمة الروسية، وهو ما يقلل من جاذبية روسيا للمهاجرين المنهكين من الحرب.
وحتى من حيث القوة الناعمة، تتمتع روسيا بحضور محلي محدود في أفغانستان.
ولا توجد برامج تعليمية أو مخططات مساعدات إنسانية بقيادة روسية، في حين تدعم تركيا، على سبيل المثال، شبكة من المدارس الثانوية وأنواع أخرى من المدارس.
ومن منظور اقتصادي، فإن الوجود الروسي محليًا محدود أيضًا؛ فوفقاً لأرقام العام الحالي الصادرة عن وكالة الإحصاء الوطنية، تحتل روسيا المرتبة الثامنة من حيث حجم التجارة، بواقع 289 مليون دولار، متخلفة كثيرًا عن إيران "1.4 مليار دولار"، والصين "1.2 مليار دولار"، وباكستان "1.2 مليار دولار".
ووفقًا للبنك الدولي، انكمش الاقتصاد الأفغاني بنحو 35% على مدى العامين الماضيين، وتهدد المجاعة أجزاء كبيرة من سكانها، في حين تفيد تقارير الأمم المتحدة بأن ثلثي الأفغان يعيشون تحت خط الفقر.
وعلى هذه الخلفية، استثمرت طالبان الكثير من الأمل في واردات السلع من روسيا، ففي سبتمبر 2022، وقعت موسكو وكابول اتفاقية تجارية كبرى بموجبها ستزود روسيا أفغانستان بنحو مليون طن من البنزين سنويا، ونفس الكمية من الديزل، فضلا عن نصف مليون طن من الغاز الطبيعي المسال. وبالإضافة إلى ذلك، من المقرر أن تتلقى أفغانستان مليوني طن من القمح سنويا.
ومن المرجح أن يتم نقل كل هذه السلع عن طريق البر والسكك الحديدية، وتزعم طالبان أنها تحصل عليها بخصم مقارنة بأسعار السوق العالمية.
وأكدت موسكو الاتفاق لكنها لم تعلق على التفاصيل. بالنسبة للكرملين، من الواضح أن تطوير العلاقات مع طالبان يشكل أولوية.
وفي فبراير 2023، أعلن السفير الروسي عن اتفاق بين روسيا وطالبان بشأن بناء محطة طاقة حرارية في شمال البلاد.
كما صرح بأن مصنعي الأنابيب الروس سيشاركون في القسم الأفغاني من خط أنابيب الغاز الجديد المقرر أن يمتد من تركمانستان إلى باكستان والهند. لكن حتى الآن، لا تزال هذه الخطط على الورق ولم ترد أنباء حتى الآن عن تنفيذها الفعلي.
وبالنسبة للكرملين، من الواضح أن تطوير العلاقات مع طالبان يشكل أولوية.
وليس من قبيل المصادفة أن تكون روسيا واحدة من الدول القليلة التي منحت الاعتماد لدبلوماسي من طالبان - القائم بالأعمال الجديد في السفارة الأفغانية في موسكو "على الرغم من أن علم الجمهورية الإسلامية لا يزال يرفرف فوق مبنى السفارة".
والحكومة الروسية حريصة على التعاون مع أي جهة تسعى علنًا إلى انتهاج سياسات معادية للغرب، سواء كانت إيران أو كوريا الشمالية أو طالبان.
وتسمح مثل هذه العلاقات لموسكو بإثبات أنها ليست وحدها في روايتها المعادية للغرب، بغض النظر عن مدى اتساع أي تعاون اقتصادي.
خلاصة القول إن سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، وهيئة تحرير الشام على سوريا، جعل تركيا تسارع للاستفادة اقتصاديًا في الدولتين اللتين أعتلى الحكم فيهما جماعات متشددة دينيًا، ومن شأن ذلك أن يلقى عبئًا على الاقتصاد التركي في البدايات إذا ما سارت الامور ما تحب أنقرة.. هل الحكومة التركية مستعدة له أم لا؟.. الأيام وحدها سوف تثبت.