طارق الشناوى
(القصة والسينما).. سؤال على هامش (قرطاج)
فى جلسة على هامش مهرجان قرطاج الذي ينهى فعاليات الدورة 35 مساء اليوم (السبت)، جمعتنى جلسة مع عدد كبير من المخرجين العرب وكان النقاش عن علاقة الأدب بالرواية.
إنه التشابك الدائم بين المكتوب والمرئى، وفى تلك المنطقة الملتهبة تتعدد درجات الرؤية، من الالتزام الحرفى بالنص، إلى خيانة النص، وهى قضية أزلية كتب فيها أحد أساتذة الصحافة الكبار أحمد الصاوى محمد فى منتصف الأربعينيات مقالًا عنوانه (رصاصة فى قلب توفيق الحكيم) يؤكد فى سطوره أن المخرج محمد كريم، أفسد قصة توفيق الحكيم، فى الفيلم الذي حمل نفس الاسم (رصاصة فى القلب)، ولعب بطولته محمد عبدالوهاب وهو بالمناسبة أفضل أفلامه.
ورغم ذلك ستكتشف أن الصحافة العربية، تستسلم لما هو شائع واكتسب مصداقيته من كثرة ترديده متنقلا من جيل إلى جيل، ومن ناقد إلى آخر،وامتلك قوة لا يسمح لأحد بالخروج عليها.
وهو أن طوق إنقاذ الدراما لن يأتى إلا فى عناقها السرمدى مع الأدب، ستجد أنك فى البداية لا شعوريًا توافقه الرأى، سيمر أمامك شريط من الأسماء اللامعة أمثال نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس ويوسف السباعى وغيرهم، ستجد أيضا فى رصيد السينما والتليفزيون ما يؤيد تماما هذا الرأى، فمن ينسى (الثلاثية) و(بداية ونهاية)و(السمان والخريف) و(الطريق) لمحفوظ،أو (فى بيتنا رجل) و(أنا حرة) و(الوسادة الخالية)لإحسان، أو (لا وقت للحب) و(النداهة) لإدريس،أو(أرض النفاق) و(نحن لا نزرع الشوك) للسباعى وغيرها.
السؤال الذي لا نفكر كثيرا فى إجابته، لأنها محسومة ضمنا، هل نجحت تلك الأعمال الدرامية لهذا السبب تحديدا، أم لأشياء أخرى؟
إجابتى هى الأشياء الأخرى، وبما تملكه أولا من طبيعة درامية وليست بالضرورة روائية، السينما فى الماضى كانت تذهب للرواية، أى أن المعادل السينمائى يتغير وفقا لحالة القصة، المفروض أن يحدث العكس، عدد مما قدمته السينما لإحسان، كان أقرب إلى نقل مسطرة من دفتى الكتاب إلى الشريط السينمائى، باستثناءات قليلة مثل (الراقصة والسياسى) لأن وحيد حامد كاتب السيناريو وسمير سيف المخرج لم يتقيدا بحالة الرواية، ولكنهما أخذا الرواية إلى ملعبهما، حكى لى وحيد أن القصة تتابع عليها أكثر من كاتب سيناريو، ولم يتم إنجازها،وقال له المنتج إبراهيم شوقى: (الكل بيقول إن وحيد أهم كاتب سيناريو ورينى ح تعمل إيه).
ألتقط وحيد من الرواية جملة واحدة عندما قالت الراقصة للسياسى: (إحنا بنلعب زى بعض،أنا بلعب بوسطى وأنت بتلعب بلسانك).
وقدم معادلًا سينمائيًا للفكرة، يتجسد هذا المعنى أكثر فى رواية إبراهيم أصلان (مالك الحزين)، التي أحالها لسيناريو وإخراج داوود عبدالسيد إلى (الكيت كات)، أصلان يكتب عملا أدبيا يفيض عمقا وشاعرية، ولكنه فى بنائه يتناقض مع روح السينما، داوود عبدالسيد لم يكتف بأنه قد هضم النص، ولكنه تجاوز الهضم إلى الافتراس، ورأينا فى (الكيت كات) الشاشة تنضح سينما، رغم أنك لو حسبتها بالمنطق المباشر لاعتبرتها خيانة أدبية، بينما الوجه الآخر للصورة هو أمانة، بل بلاغة إبداعية، وتلك هى العلاقة الشائكة بين القصة والسينما!!