عاجل
الخميس 2 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

د. إيمان ضاهر تكتب: نعم لدي وطن.. إنه اللغة العربية

أن تنسى لغتك يعني أن تفقد روحك.. لغتي، موكب الكمال في العواطف والصور.. العربية، لغتي وافتخر فيها، أحلى هدية.



حين ألفظ كلماتها ينتابني دفء الهوية والانتماء، ويحضنني سحر البيان وجمال البلاغة في  الكلام، يسمو في حروفها كلام الله عز وجل أنها  كما قال الرسول المعلم الكريم عليه الصلاة  والسلام: "لغة اهل الجنة في الجنة". فمن نطق العربية فهو عربي ولغة القران هي العربية، هذه اللغة، كما يقال ليس لها طفولة ولاشيخوخة. اللغة العربية، في إبداعها واجلالها تهيأت حتى تستوعب اكرم المعاني واوفاها ضامنة للشعر المتماسك؟ والتأنق المتناسق، في الكلام. اليست لغة الاعجاز والإيجاز والإنجاز والموعودة بالبقاء لغة الخلود حتى اخر الدنيا؟. أسند مهدي على المكتبة العربية بابل العظمة، حيث يمتزج العلم والأدب، الفلسفة والرواية، وكل ماهو ثمين على هذه الارض، فالوجود  الهائل لهذه اللغة ما زلنا وسنبقى ننسج خيالها ومقامها في عباءة ذهبية لشعب الأرض العظيم. فكيف نصف هذه اللغة وكنوزها؟ الشاعر الكبير حافظ إبراهيم وصف عظمتها قائلا: "أنا البحر في أحشائه الدر كامن  فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي. أنا البحر الذي أخفى في أحشائه اللؤلؤ...".. تلك هي مساحة اللغة وثرواتها كالبحر المليء باللؤلؤ العجيب والنقي بإبداعه. لغة تلهم الفخر والاعتزاز، ببنيتها وأسلوبها، كالأصداف والجواهر المتلالئة. عزيزي القارئ، هل تعلم مضمون هذه اللغة  المقدسة؟ لغتنا العربية، المصطفاة والمنتقاة من اقدم  اللغات المؤثرة يعود تاريخها العريق لآلاف السنين واهميتها وخصائصها، متكاملة ملتصقة في العمق بلحن كلماتها، وهو ضمان الخلود لهذه اللغة.. أليست جزء لا يتجزأ من ثروة البشر في نشر المعرفة والأعمال العظيمة والخالدة للأدب والفلسفة التي ابتكرت العالم بمكتبات ثقافية وعلمية هائلة؟ أليست توثيقا جميلا وعميقا لا يتزعزع للتواصل الاجتماعي المتبادل الفعال والافضل. 

أليست هذه اللغة الخالدة هدية للكون في منظار دائم التجدد لتاريخ الفكر  اللغوي؟ أليست ثراء معجمي لا حدود له وقد أعطت اللغات الأخرى من جذور كلماتها كمية من المفردات الهائلة أكثر مما استعارته؟ أليست جسر النهضة للعروبة الحضارية تسهل العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والفرص المهنية؟ نعيش اليوم في منطقة شرق أوسطية مليئة بالتحديات والأحداث المأساوية لكنها غامرة بالثروات النفطية والسياحية واللغة مفتاحا أساسيا لمواجهة العولمة واللغات الأخرى.

تعال معي قارئي الشغوف بلغتك، امتك، منزلك، ننظر إلى العالم من خلال نظارات اللغات لنرى ما جلبته للفكر الجماعي والإنساني عبر التاريخ لغتنا، الطائر الجميل في الشمس المشرقة والمثالية لتقاليد أمتنا العربية. قارئي العربي، لغتنا العربية دعاء العلم الشرعي والحضاري، وهل نستطيع عدم الارتباط عاطفيا بها؟ أليس هناك جمال ناطق سري يجعلنا نحبها ونختارها؟ هذه اللغة هي التي تؤسسنا وتوحدنا وأليست الصورة الأكثر دقة للروح العربية تكمن في اللغة العربية؟ لطالما اعتقدت أيها القارئ العزيز أن لدينا الحرية في اختيار لغتنا لذلك حلمت وتعلمت وأتقنت لغات عديدة حافظة على ظهر قلب وقرأت قوائم طويلة من الكلمات.

ثم أدركت أنه  وليس لدي خيار اللغة.  اللغةالعربية هي امتي وملجأي ومنزلي حتمية مطلقة. فماذا أحدثت بي هذه اللغة؟ لقد غطتني هذه اللغة وغلفتني بداخلي حتى الأعماق، ولم يكن لذلك علاقة بمعرفة قاموس لا، بل كانت لغتي، لحمي ودمي وأعصابي، رغبتي وذاكرتي، غضبي وحبي لم تكن فقط الكلمات قائمة إنما كائنات حية.. اللغة العربية تعبر عن الشغف العجيب الذي يتغذى عليه ولا يزال الكتاب والفنانون والعلماء والحكماء. هذه اللغة جعلتهم اعظم ومهدت لهم بالإصغاء إلى نبض الناس، روح الشعوب. وعن إعجازها  وخلودها تحدث حكماء عن محاسن الجمال وسره في لغة الضاد..فقال غوته: "ربما لم يحدث في أي لغة هذا القدر من الانسجام بين الروح  والكلمة مثلما حدث في اللغة العربية اليس تناسق غريب في ظل جسد واحد..". وردد ميرسيه: "العبارة العربية كالعود إذا نقرت على أحد أوتاره رنت لحنا يحمل جميع الأوتار موكبا من العواطف والصور في أعماق النفس" وعبر  المستشرق بيرك: "إن اللغة العربية لغة المستقبل ولا شك أنه يموت غيرها لكنها تبقى حية وخالدة.

وأختتم بمقولة الجاحظ أكبر أئمة الأدب في  العصر العباسي: "فحين حملوا حدهم  ووجهوا  قواهم لقول الشعر وبلاغة المنطق وتشقيق اللغة وتصاريف الكلام بعد قيافة الأثر وحفظ  النسب والاهتداء بالنجوم والاستدلال بالافاق وتعرف الأنواء والبصر بالخيل والسلاح٠ وآلة الحرب والحفاظ لكل مسموع والاعتبار بكل محسوس وإحكام شأن المثالب والمناقب  بلغوا في ذلك الغاية وحازوا على كل أمنية....." وأليست لغة الإعجاز والإيجاز، لغة الخلود  والموعودة بالبقاء حتى آخر الدنيا؟.

 

أستاذة متخصصة في الأدب الفرنسي واللغات

والفن الدرامي من جامعات السوربون في  باريس.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز