مودي حكيم
.. لتكن ذكرى تدريسه عيدا للصحافة المصرية
دعونا نحتفل برموز التعليم الصحفي في مصر
مهنتنا بالعمل الصحفي قديمة، مهنة نبيلة، وواجهة للحضارات ومرآة لها، تستحق أن يكوّن لها عيداً لتكريم كل من يعمل بها فهي مهنة البحث عن المتاعب، واصبحت اليوم مهنة كل المخاطر.
وفي بيان للرئيس الأمريكي جو بايدن بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة في شهر مايو من هذا العام أكد على أهمية تكريم شجاعة وتضحيات الصحفيين والإعلاميين في جميع أنحاء العالم الذين يخاطرون بكل شيء بحثاً عن الحقيقة.
لقد خلق الله حب المعرفة والبحث عن الحقيقة مع بداية خلقه للإنسان، ومنذ وجد الإنسان، وعرف اللغة والكلام، نشأت عنده حاجة لإيجاد وسيلة للتعبير عن آرائه، وآماله وآلامه وحاجات.
والصحافة، بمعنى نقل الأخبار، قديمة قدم الإنسان ووجوده، فالنقوش الحجرية في مصر، وأوراق البردي المصرية، ما كتبت إلا بهدف النشر وإخبار الآخرين بأمور من شأنهم معرفتها. ويقال إن الصحافة بدأت في صورة الأوامر، التي كانت الحكومات توفد بها رسلها مكتوبة، على ورق البردي، إلى كل إقليم.. وكان لهؤلاء الرسل محطات معينة يتجهون إليها، بما يحملون من الرسائل، لهم جياد في كل محطة، ومتى وصلت الرسالة إلى حاكم الإقليم، أذاع ما فيها على سكان إقليمه، وقد يلجأ، في بعض الأحيان، إلى إطلاق المنادين ينادون بما فيها.
استخدمت الحكومات النقش على الحجر، وكان لابد لها حينئذ من أحجار عدة، تنقش على كل واحد منها، نسخة من التبليغ، الذي تريده، ثم تبعث بها إلى حيث توضع، في المعابد، التي يكثر تردد الناس عليها، ومن هذه الأحجار، حجر رشيد المشهور، الذي كان وسيلة للوقوف على سر الكتابة المصرية، وقد وجدت من هذا الحجر - إلى منتصف القرن العشرين - نسختان، إحداهما أخذها الإنجليز، أثناء حملة بونابرت، ووضعوها في المتحف البريطاني، والثانية عثر عليها، بعد ذلك، وهي توجد الآن في المتحف المصري.
وتعد الرسائل الإخبارية المنسوخة المظهر البدائي، أو الأولى للصحافة، منذ الحضارات الشرقية القديمة، وهناك أوراق مصرية من البردي الفرعوني يرجع تاريخها إلى أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، تتضح فيها الحاسة الصحفية لإثارة الميول، عند القراء، وجذب انتباههم.
الدعوة للاحتفال بمناسبة مرور الذكرى الـ85 علي بداية تدريس الصحافة الأكاديمية في مصر، هذا الشهر، وذلك مع إنشاء معهد التحرير والترجمة والصحافة عام ١٩٣٩ بجامعة فؤاد الأول القاهرة، الذي استمر حتى إنشاء قسم الصحافة بكلية الآداب عام ١٩٥٤.
ولتدريس الإعلام فى مصر حكاية.. كان البدء عندما أقترح الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي، في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" مَنهَجة دراسة في كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول لدراسة التحرير والصحافة والترجمة، فكان له الفضل فى تأسيس معهداً لهذا الغرض على يد الدكتور محمود عزمي، وكان يمنح درجة الدبلوم المعادلة للماجستير في عام 1939، حتى جاءت ثورة يوليو، وتحول المعهد إلى قسم في كلية الآداب يمنح درجات الليسانس والماجستير والدكتوراه، وتولى رئاسته الدكتور عبداللطيف حمزة.
لتنتقل رئاسته للدكتور إبراهيم امام الاب الروحي لعلم العلاقات العامة العربية - مستفيداً من مؤلفات رائد ومنشئ العلاقات العامة الحديثة والاتصال الأنساني Ivy Lee -، بعد أن وافق مجلس جامعة القاهرة على تحويل القسم التابع لكلية الآداب عام 1969 إلى معهد مستقل للإعلام ليتولى عمادته، وضم أقسام الصحافة، والإذاعة والتليفزيون، والعلاقات العامة والإعلان، ولم تتخرج أية دفعة من المعهد؛ لأنه تحول أثناء دراسة دفعته الأولى من الطلاب إلى كلية عام 1974، خرجت أولى دفعاتها عام 1975، لتكون أول دفعة من خريجي كلية الإعلام في مصر والعالم العربي والشرق الأوسط.
وقد تتابع على عمادة الكلية عدد من رواد الدراسات الإعلامية في مصر، هما الأساتذة الدكاترة سمير حسن، ومختار التهامي، وجيهان رشتي، وفاروق أبو زيد، وعلي عجوة،وماجي الحلواني، وليلي عبد المجيد، وسامي عبد العزيز، وحسن عماد مكاوي، وجيهان يسري، هبة السمري، وهويدا مصطفى.
ورغم دراستي للفن ولعلاقتي بتدريس الصحافة حكاية، بدأت فى أحد بيوت شركة واحات هليوبوليس، التي أنشأها البارون البلجيكي إدوارد إمبان في بناء مدينة هليوبوليس "مصر الجديدة"، في الصحراء على بعد 10 كيلومترات من وسط القاهرة، والتي تصورها كمدينة حدائق خصبة وسط أرض قاحلة، صمم عماراته المهندس المعماري البلجيكي إرنست جسبار في توليفة من العمارة الإسلامية والأوربية والفارسية والمغربية، وتم تصميمها لتكون "مدينة الرفاهية والترفيه"، مع شوارع واسعة ومجهزة بجميع وسائل الراحة والبنية التحتية اللازمة؛ المياه والصرف الصحي والكهرباء، والمرافق الفندقية مثل فندق هليوبوليس بالاس والمرافق الترفيهية مثل ملعب الجولف ومضمار السباق ومدينة الملاهي، بالإضافة إلى مساكن للإيجار بتصميمات مبتكرة تستهدف فئات اجتماعية محددة.
التقيت في إحداها بمنزل من طابقين قريب من ميدان الجامع الشهير بالدكتور عبد اللطيف حمزة أول عميد لقسم صحافة بكلية الآداب جامعة القاهرة، ورائد الدراسات الصحفية والإعلامية في مصر والعالم العربي، وأنا شغف لخوض تجارب الحياة الصحفية، مهرولاً بطموحاتي، أتوق للمعرفة والتوجيه وتعلم مالا تعلمته من المطبخ الإعلامي، تكررت الزيارات لأنهل من علمه الفن الصحفي قبل انتدابه للتدريس بجامعة بغداد، وجامعة أم درمان. في ظروف معينة "سأرويها" تعرفت على الرجل الذي يرأس قسم صحافة بكلية الأداب، والذي بدأ مدرساً مدرسًا بجامعة القاهرة، ثم أوفد في بعثة إلى إنجلترا وتخصص في تدريس الصحافة. أنشأ قسم الصحافة بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1954.
ثم أوفد في بعثة إلى إنجلترا وتخصص في تدريس الصحافة، وترقى في الدرجات العلمية فأصبح رئيسًا لقسم الصحافة بكلية الآداب عام 1956، ثم اختير أستاذًا لكرسي الفن الصحفي. انتدب للتدريس بجامعة بغداد 1965، وفي جامعة أم درمان 1970، كما عمل أستاذًا زائرًا في عدد من دول العالم منها أمريكا واليابان وفرنسا.
دكتور حمزة من بلدة “طنسا” بمحافظة بني سويف في عام 1907.حفظ القرآن الكريم في كُتاب القرية، وأتم تعليمه قبل الجامعي في مدينة بني سويف عام 1926، ثم التحق بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا)، وتخرج فيها، ثم استكمل دراساته العليا فحصل على درجة الماجستير عام 1935، ثم حصل على درجة الدكتوراه عن “الحركة الفكرية في مصر في عصر الأيوبيين والمماليك” عام 1939، كما حصل على دبلوم من معهد التربية العالي عام 1933، وأخرى من معهد التحرير والترجمة والنشر عام 1941. وهو رائد الدراسات الصحفية والإعلامية في مصر و العالم العربي والمجلد الجديد يضم كتابين مهمين من هذه السلسلة الفريدة الأول أمين الرافعي في صحف اللواء والشعب والأخبار وغيرها والثاني عبد القادر حمزة في جريدة الاهالي والبلاغ و هما يشكلان الجزأين السابع والثامن من سلسلة كتبه في أدب المقالة الصحفية في مصر.
الحديث عن تدريس الصحافة والإعلام في مصر يبدأ بالدكتور عبد اللطيف حمزة، وتلاميذ له وزملاء أكملوا الرسالة.. وراح أكمل عنهم الحكي.