مودي حكيم
"توأم الشيطان".. وعادات رسخها
ارتبط الشر والطغيان والديكتاتورية بعد الحرب العالمية الثانية بمصطلح "هتلرة" نسبة إلى أدولف هتلر وما يرمز إليه من طغيان وديكتاتورية، ثم استخدم مصطلح الشيطنة "كبديل"، ومع وصول ميديا الإنترنت إلى ما هي عليه، حيث يعج هواؤها بما لم يقترن به تطور أخلاقي يحدد ضوابطه من خلال أدبيات ومواثيق، تطبيقات تقترف من الجرائم ما يبرر جعله توأماً للشيطان، إننا في حاجة للتأمل والمراجعة، من هنا كانت المسؤولية المهنية والأخلاقية تقع على العقلاء من أصحاب الخبرة وليس على الهواة الذين يقفزون من النقيض إلى النقيض، ويراهنون على أن يكونوا مع الرب والحاكم في اللحظة ذاتها.
وعليه رفع المدعون العامون في 14 ولاية أمريكية مؤخراً، دعوى قضائية ضد منصة تيك توك، في بيان مشترك متهمين التطبيق بالإضرار بالصحة العقلية لمستخدميه القاصرين وجمع البيانات الشخصية من دون تصريح.
ويأخذ المدعون العامون بشكل خاص على المنصة “استخدام ميزات إدمانية لدفع المستخدمين إلى البقاء لفترة أطول، مما يؤدي إلى عواقب سلبية على صحتهم العقلية، بالإضافة إلى كاليفورنيا وولاية نيويورك، انضم إلى الدعوى المدعون العامون في إلينوي وكنتاكي وماساتشوستس ومسيسيبي ونيوجيرسي وكارولينا الشمالية ولويزيانا ومقاطعة كولومبيا التي تتبع لها العاصمة واشنطن، وأوريغون وكارولينا الجنوبية وفيرمونت وولاية واشنطن. وبوشر بإجراء مماثل في ولايات يوتا ونبراسكا وكانساس ونيو هامبشير وأيوا وأركنسو.
كما بدأت ولاية تكساس إجراءات قانونية الأسبوع الماضي ضد الشركة التي تملكها مجموعة “بايت دانس” الصينية والمتهمة ببيع البيانات الشخصية للمستخدمين القاصرين .
وأشاروا إلى أمور عدة من بينها الإخطارات في جميع الأوقات وتوالي مقاطع الفيديو أو “المحتوى الذي يهدف إلى جذب الانتباه”، في يونيو أخطرت وكالة حماية المستهلك الأمريكية وزارة العدل بشأن الاشتباه بانتهاك قانون حماية خصوصية الأطفال عبر الإنترنت الذي سبق اقّرَاره. والقصة تعود لربيع هذا العام، بعد حظر تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة، عندما وقّعَ الرئيس جو بايدن على قانون من شأنه أن يجبر المنصة الرقمية إما على بيع نفسها لكيان أميركي، أو حظرها على المستوى الوطني.
وبقي أمام ByteDance، الشركة الصينية الأم لتيك توك، حوالي تسعة أشهر، لتصفية استثماراتها، ويبدو أن الشركة تفضّل إغلاق التطبيق في الولايات المتحدة بدلاً من بيعه. مع العلم أن تيك توك قد حُظر بالفعل بشكل مباشر في العديد من البلدان، بما في ذلك الهند، ولا يبدو أن التطبيق قد تأثر بشكل كبير.
ويمكن تلخيص وصف تيك توك بـ"توأم الشيطان" لأنه أصبح لديه شرائح واسعة من الناس ملتصقين به، التصاق العبيد، يحقق لهم عاملين: أولاً، سماح التطبيق لمستخدميه بجني الأموال بسهولة وسرعة أكثر من التطبيقات الأخرى، ما يجعل الكثير من مستخدميه يلجأون أحياناً إلى طرق غير نمطية من أجل التربّح. ثانياً، لا يمكن إنكار أن هذه الشيطنة سياسية بشكل أساسي، وتترجم العداء بين الولايات المتحدة والصين.
فعلى سبيل المثال، ارتبط موقع يوتيوب منذ نشأته بنشر التطرف والأخبار الزائفة ونظريات المؤامرة، من دون أن يطالب أحد بحظره، وعلى الرغم من البعد السياسي الذي يطغى على القلق من تيك توك على مستوى العالم، تظلّ الأسئلة حول الآثار الناجمة عن التطبيق ضرورية، لفهم المشكلة الكامنة فيه. علماً أن تيك توك أصبح منذ سنوات مصدر إلهام للتطبيقات الأمريكية الرئيسية الأخرى التي عدّلت من نفسها ومن تصميم خوارزمياتها للحاق بركب التطبيق الصيني. وفي سياق قريب أثار تيك توك الجدل في عدد من الدول التي علت فيها أصوات تطالب بحجب التطبيق على خطى الولايات المتحدة، آخر هذه الدول لبنان، حيث أحدث توقيف "شبكة" استخدمت التطبيق لارتكاب جرائم اغتصاب أطفال وابتزازهم، غضباً كبيرا ضدّ التطبيق المعروف بشعبيّته لدي الأطفال والمراهقين. وفي مصر كانت سبّاقة بالقبض على فتيات في قضية عرفت باسم "فتيات التيك توك".. أن مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة" الذي عُرض في شهر رمضان الماضي يظهر النظرة الأبويّة السائدة تجاه تيك توك، وخطورة تطبيقه، والتي تري فيه تأثيراً سلبيا على "قيم الأسرة المصرية".
ومن المؤكد أنه حتى لو حُجبت منصة تيك توك عن الكثير من المستخدمين، فإنه قد فات الأوان على احتواء العادات التي رسّخها التطبيق.
منذ تأسيسه عام 2018، ربطت دراسات عدة بين تيك توك وبين ارتفاع حالات القلق والاكتئاب ومعدلات الانتحار بين المراهقين.. ووفقاً لتقدير نقلته مجلة نيويوركر الأمريكية، إن أكثر من ثلثي مستخدمي تيك توك النشطين شهرياً في الولايات المتحدة تقل أعمارهم عن 35 عاماً.
وأصبح من المعروف والشائع اليوم أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر بشكل كبير على التوازن الكيميائي في دماغ مستخدميها.. وقد أظهرت دراسات علمية عدة أن الإشعارات التي تصلنا على هذه التطبيقات، لا سيما الإعجاب والتعليق، تؤدي إلى اندفاع هرمون الدوبامين في أدمغتنا، ما يجعلنا نطارد هذا الإحساس وفي سعي مستمر إلى "الإشباع الفوري"، ما يمثّل إدماناً صريحاً. ينطبق هذا الرأي بشكل كبير على تيك توك. حتى إن اسم التطبيق المستوحى من صوت الساعة يدلّ على ارتباطه الأساسي والوثيق بالزمن، تحديداً بالوقت القصير المتاح لتقديم المحتوى عليه.. تطبيق يمتص المستخدمين تماماً في عملية تشبه التنويم المغناطيسي، إذ إنها لا تطلب جهداً عقلياً وتولّد شعوراً يشبه الخدر.
ومن المؤكد أنه حتى لو حُجبت منصة تيك توك عن الكثير من المستخدمين، فإنه قد فات الأوان على احتواء العادات التي رسخها التطبيق.