عاجل
السبت 14 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

الصحة النفسية في العصر الرقمي.. كيف نحمى أنفسنا

د. شام مختار: الإدمان الرقمي لا يقل خطورة عن إدمان المخدرات.. والتعافي يبدأ بالوعي

-التعرض للمحتويات السلبية عبر وسائل التواصل من أبرز مسببات الاكتئاب والقلق والإرهاق النفسي



 -تشابه أعراض الإدمان الرقمي مع إدمان المخدرات..وتجاهل المسؤوليات علامة مشتركة

 -التخلص من السموم الرقمية يتطلب تحديد أوقات للسوشيال ميديا واستبدال الأنشطة الرقمية بأنشطة بديلة

-التعافي من الإدمان الرقمي يبدأ بالوعي والتنظيم والإرادة القوية

قاعدة نفسية شهيرة تقـول: "كل ما يجلب المتعة فهو عرضة للإدمان". هذه العبارة تعكس بوضوح واقعنا الحالي، حيث أصبحت الأجهزة الرقمية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، حتى لم تعد السعادة مكتملة إلا بوجودها، فأصبحنا أسرى لها. صغارًا وكبارًا الجميع وقع في شباكها، فأدمنا استخدامها، واسغنينا بها عن القريب والصديق.

"الإدمان الرقمي"، ظاهرة خطيرة نتجت عن الاستخدام المفرط للإنترنت والأجهزة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي. وخلال العقد الماضي، ازدادت التحذيرات من مخاطره التي باتت تهدد الصحة النفسية وفقًا للدراسات.

كما أظهرت بعض الأبحاث أن الاستخدام المتزايد للأجهزة الرقمية مرتبط بارتفاع مستويات القلق والتوتر والاكتئاب، خاصة بين الفئات العمرية الشابة.

كما أن الإفراط في التعرض للشاشات الرقمية قد يؤدي إلى اضطرابات في النوم ويقلل من القدرة على التواصل الاجتماعي الحقيقي.

وبما أن شهر أكتوبر يشهد اليوم العالمي للصحة النفسية، الذي يٌحتفل به كل عام  بهدف تعزيز الوعي بأهمية الصحة النفسية لكل فرد، حاورت بوابة روزاليوسف الدكتورة شام مختار، متخصصة في الصحة النفسية والإرشاد النفسي، لتسليط الضوء على مفهوم الإدمان الرقمي، وعلاقته بأنواع الإدمان الأخرى، وكيفية التخلص من سمومه واستعادة التوازن النفسي.

وإلى نص الحوار:

في البداية، كيف  يؤثر التعرض المستمر لوسائل التواصل الاجتماعي والاستخدام المفرط للإنترنت على الصحة النفسية  في العصر الرقمي؟

-للأسف، أصبح للاستخدام المفرط للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي تأثير خطير على صحتنا النفسية. فالتعرض المستمر للمحتوى السلبي على هذه الوسائل يعد من أبرز مسببات الاكتئاب والقلق، حيث يعزز من مشاعر الدونية ومقارنة الذات بالآخرين، مما يؤدي إلى عدم الرضا عن النفس. بالإضافة إلى ذلك، أدى الإفراط في استخدام السوشيال ميديا، خاصة بين الشباب والمراهقين، إلى انتشار ظاهرة الإدمان الرقمي، مع ما يصاحبها من فقدان التركيز، وتشتت الانتباه، والاضطراب في الهوية الذاتية.

تشير بعض الدراسات إلى أن التعرض المستمر لوسائل التواصل الاجتماعي يزيد من مشاعر القلق والتوتر. كيف يؤثر هذا التوتر على وظائف الدماغ والجسم؟

-التوتر الناتج عن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤثر سلبًا على وظائف الدماغ بطرق متعددة، حيث يؤدي التعرض المستمر للمعلومات عبر الإنترنت إلى زيادة مشاعر القلق والتوتر، مما يؤثر سلبًا على قدرتنا على التركيز والاحتفاظ بالمعلومات. فالكثير منا يجد صعوبة في الانغماس في المهام بسبب الانشغال بالمشتتات الرقمية مثل الإشعارات والتطبيقات، مما ينعكس على مستوى الإنتاجية بشكل ملحوظ.

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال تأثير استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم، حيث يسبب ذلك تدهورًا في نوعية النوم، مما يؤدي إلى ضعف وظائف الدماغ خلال النهار. كما أن التوتر المستمر يمكن أن يحدث تغييرات في كيمياء الدماغ، ويؤثر على مستويات الهرمونات مثل الكورتيزول والسيروتونين، مما يتسبب في مشكلات تتعلق بالتعلم والذاكرة وتشتت الانتباه.

وأخيرًا، يمكن أن يؤدي الاعتماد المفرط على التكنولوجيا إلى إجهاد عقلي، مما يقلل من قدرتنا على التفكير النقدي وحل المشكلات بفعالية. لذلك، يصبح من المهم إدارة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واعٍ، والتوازن بين حياتنا الرقمية والحياة اليومية لضمان صحة نفسية وعقلية أفضل.

ما هو الإدمان الرقمي؟ وهل يمكن أن يصل إلى درجة مشابهة للإدمان على المواد المخدرة من حيث التأثير على الصحة النفسية؟

-الإدمان الرقمي هو حالة من الاعتماد المفرط على التكنولوجيا والأجهزة الرقمية، حيث يفقد الفرد قدرته على التحكم في استخدام هذه الأدوات. ويؤدي الإدمان الرقمي إلى تحفيز زائد للدماغ، مما يجعل الشخص يسعى باستمرار للحصول على المزيد من هذا التحفيز.

وتتشابه أعراض الإدمان الرقمي مع تلك المرتبطة بالمخدرات، حيث يتجاهل المدمن الرقمي مسؤولياته اليومية مثل العمل والدراسة. وعندما ينقطع الشخص فجأة عن استخدام الأجهزة الرقمية، قد يشعر بأعراض انسحاب مشابهة لتلك التي تحدث مع الإدمان على المخدرات، مثل التوتر والتهيج، وقد يصل الأمر إلى الاكتئاب.

هناك توصيات حول مفهوم "التخلص من السموم الرقمية" (Digital Detox). كيف يمكن للأفراد تطبيق هذه الفكرة في حياتهم اليومية دون التأثير على أداءهم الوظيفي أو الاجتماعي؟

-أرى أن التخلص من السموم الرقمية يتطلب الالتزام بمجموعة من الخطوات:

1. تحديد أوقات الاستخدام: يُفضل وضع جدول زمني محدد لاستخدام الأجهزة الرقمية، مثل الهواتف والتطبيقات، مما يساعد في تقليل الاستخدام المفرط.

2. إنشاء مناطق خالية من التكنولوجيا: من المهم تخصيص مناطق في المنزل، مثل غرفة النوم أو مائدة الطعام، لتكون خالية من الأجهزة الرقمية، مما يعزز التواصل الشخصي.

3. مراقبة الاستخدام: يمكن الاعتماد على تطبيقات تتبع الوقت، التي تقدم تقارير يومية أو أسبوعية حول استخدام الأجهزة الرقمية، مما يساعد في تحديد الأنماط السلبية.

4. تفعيل فترات الاستراحة: يُنصح باستخدام تقنية "البومودورو"، التي تتضمن 25 دقيقة من العمل تليها 5 دقائق من الراحة، لتفادي الإرهاق الرقمي وزيادة الإنتاجية.

5. استبدال الأنشطة الرقمية بأنشطة بديلة: يجب تخصيص وقت لممارسة هوايات غير رقمية، مثل القراءة، ممارسة الرياضة، أو الأنشطة الفنية. يمكن أيضًا ممارسة التأمل أو اليوغا، مما يقلل من الوقت الذي نقضيه على الشاشات

كيف يمكن تشجيع الأفراد على إعادة التواصل مع الحياة الواقعية والعلاقات الإنسانية بعيدًا عن الشاشات؟

-من المهم تعزيز الأنشطة الجماعية وتنظيم الحفلات الاجتماعية، ودعوة الأصدقاء والعائلة للمشاركة فيها. مع الحرص على عدم استخدام الأجهزة الرقمية خلال هذه التجمعات، مما يساهم بشكل كبير في تعزيز التواصل المباشر وتقوية الروابط الاجتماعية بين الأفراد .

كيف يمكن تحقيق التوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا والحفاظ على الصحة النفسية في  الوقت نفسه؟

-لتحقيق التوازن بين التكنولوجيا والحفاظ على الصحة النفسية، يتطلب الأمر الكثير من الوعي والتنظيم والإرادة القوية. فمن المهم  وضع أهداف محددة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، سواء كانت للتعلم، أو العمل، أو الترفيه، وتخصيص وقت محدد لكل غرض. في الوقت نفسه، ينبغي تقليل الوقت المخصص للتصفح غير المُنتِج.

بالإضافة إلى ذلك، من الضروري دمج الأنشطة البدنية في الروتين اليومي، مثل تخصيص وقت لممارسة الرياضة، حيث يساعد ذلك على تخفيف التوتر وتحسين المزاج.

كيف تؤثر متابعة الأحداث والاتجاهات على وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية للأفراد؟  وهل يختلف تأثيره بين الرجال والنساء والفئات العمرية المختلفة؟

-التفاعل المستمر مع الأحداث السلبية على وسائل التواصل الاجتماعي قد يزيد من مستويات القلق والتوتر والإرهاق النفسي. حيث يشعر الكثيرون بالضغط الدائم للبقاء على اطلاع بما يحدث، مما يؤدي إلى شعورهم بالذنب عند عدم متابعة الأخبار.

أما الفرق بين الرجال والنساء، فيكمن في أن الرجال غالبًا ما يفضلون التفاعل مع المحتويات المتعلقة بالأحداث والأخبا، ويظهرون مقاومة أكبر للضغط النفسي الناتج عن التعرض لوسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، قد يعانون من القلق إذا تعرضوا لمحتوى يتعارض مع هويتهم أو قيمهم.

بينما النساء عادة ما يستخدمن وسائل التواصل لبناء العلاقات الاجتماعية، مما يجعلهن أكثر عرضة للمقارنات الاجتماعية. ويزداد شعورهن بالضغط النفسي عندما يتعلق الأمر بالظهور بمظهر معين أو الحفاظ على صورة إيجابية على هذه المنصات.

وبالنسبة للفئات العمرية المختلفة، فنجد أن الشباب يتأثرون بشكل كبير بالمحتوى الذي يتعرضون له على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قد يؤدي حرصهم الزائد على مواكبة الأحداث إلى شعورهم بالقلق والاكتئاب.أما البالغون، فيواجهون ضغوطًا اجتماعية مختلفة، حيث يمكن أن تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على حياتهم المهنية والعائلية، وقد يؤدي الاستخدام المفرط لهذه الوسائل إلى شعورهم بالإرهاق.

في حين أن كبار السن غالبًا ما ينظرون إلى وسائل التواصل الاجتماعي بانتقائية أكبر، إلا أنهم قد يشعرون أحيانًا بالضغط للبقاء على اطلاع بالتكنولوجيا والأحداث، مما قد يسبب لهم شعورًا بالعزلة.

كيف يمكن للفرد التعامل مع التوتر الناتج عن المقارنة الدائمة مع الآخرين على منصات التواصل الاجتماعي؟

-على الشخص أن يدرك مشاعره وأفكاره، من خلال تدوين الأفكار والمشاعر السلبية التي تنتابه عندما يقارن نفسه بالآخرين. ومن المهم أن يدرك أن ما يُعرض على وسائل التواصل الاجتماعي غالبًا ما يكون منتقي بعناية ولا يعكس الواقع الحقيقي، حيث يشارك معظم الأشخاص اللحظات الإيجابية فقط .

وبدلاً من أن تشكل المقارنات مصدر إحباط، ينبغي النظر إليها كفرصة للتعلم. من خلال أن يسأل الشخص نفسه:" ماذا يمكن أن أتعلم من الشخص الذي أقارن نفسي به؟" بهذه الطريقة، تتحول المقارنة إلى أداة للتطوير بدلًا من أن تكون عبئًا نفسيًا.

ما النصائح التي يمكن تقدميها للأفراد لاستعادة توازنهم النفسي بعد فترات من التوتر والضغط النفسي ؟

-من الضروري تنظيف المحتوى الذي نتعرض له عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال إلغاء متابعة الحسابات السلبية، والتركيز على متابعة الحسابات الإيجابية التي تقدم محتوى تعليمي، تحفيزي، أو تثقيفي.

كما يجب أن نولي أهمية لممارسة الامتنان اليومي من خلال تدوين النعم والإنجازات، مهما كانت صغيرة، حيث يسهم ذلك في تعزيز الإيجابية والثقة بالنفس.وعلاوة على ذلك، يجب ألا نغفل عن أهمية طلب المساعدة والتحدث مع معالج نفسي عند الحاجة، حيث يمكن أن تكون هذه الخطوة مفيدة جدًا لدعم صحتنا النفسية.

دكتورة شام مختار متخصصة الصحة النفسية
دكتورة شام مختار متخصصة الصحة النفسية

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز