عاجل.. أصحاب القلم في "ضهر" الجيش المصري من "بتاح" لـ"عبده مباشر"
عادل عبدالمحسن
تزامنًا مع حلول انتصارات حرب ٦ أكتوبر المجيدة، تنشر "بوابة روز اليوسف"، مقطع "فيديو" أعدته نقابة الصحفيين ونشرته على موقعها الإلكتروني، يتضمن أسماء المراسلين العسكريين الذين نقلوا وقائع معارك حرب أكتوبر المجيدة على صدر صحفهم، خلال أيام الحرب المجيدة.
يتضمن الموقع الإلكتروني لنقابة الصحفيين، تقريرًا موثقًا بالمعلومات الثمينة، ودور الصحافة المصرية في المعارك من عهد المصريين القدماء حتى حرب ٦ أكتوبر عام ١٩٧٣.. وإلى التفاصيل الكاملة للتقرير:
"الصحافة المصرية في ساحة الشرف"
عرفت مصر الصحافة العسكرية منذ أكثر من خمسة آلاف عام، أي قبل أن يطرق الآخرون هذا الميدان.
ومن صفحات التاريخ نعرف أن أقدم صحيفة عسكرية قد نقشت على الحجر من وجهين وأشرف على تحريرها من يدعى "بتاح" وقد جرى توزيعها على قادة الجيش وعدد من الحكام، وبلغ مجموع نسخها مئة نسخة تقريبًا.
وقد نحت الفنان المصري في صدر الصحيفة صورة الفرعون "مينا" "نارمر"، ومن حوله لفيف من الأسرى قطعت رؤوسهم ووضعت بين أقدامهم، واشتملت موادها على أنباء المعارك وذكريات القادة وأعمال الجنود.
أول صحفي عسكري مصري ذاع صيته كان القائد المصري "ووني" من رجال الفرعون "بيبي الأول" من ملوك الأسرة السادسة، وقد سجل أخبار معاركه على الحجر في طائفة من النقوش على أشتات من الآثار.
ومن بين الموضوعات التي عالجها هذا المراسل الحربي حملته التي شنها على فلسطين.
وسار على الدرب عدد كبير من فراعين مصر وقادتهم، وتحكي جدران المعابد والقلاع في طيبة وممفيس وهليوبوليس وابيدوس وغيرها من قصص الانتصار، ولم يغفل المصريون عن التطور، فاستخدموا بعد ذلك الجلد وورق البردي، بالإضافة إلى النحت على الأحجار.
انطوت هذه الصفحة من تاريخ الصحافة العسكرية في مصر بانتهاء عصر الأسرات وبدء الاحتلال الأجنبي لمصر، إلا أن تيار الحياة يعود مرة أخرى في العصر الحديث إلى الصحافة العسكرية.
"الوقائع المصرية"
مع وصول محمد علي إلى السلطة في مصر، وما صاحب ذلك من تطور شمل كل نواحي الحياة خاصة الجيش والصناعة الحربية، كان منطقيًا أن تظهر صحافة عسكرية لتتابع نشاط حملات الجيش المصري وقائده الشجاع إبراهيم باشا.
وبمولد جريدة “الوقائع المصرية” كأول جريدة مصرية، بدأت تفسح صدرها لأخبار جيش محمد علي وانتصاراته.
وبعد أن وصل الجيش إلى 300 ألف جندي وضابط، وتضخم الحملات والانتصارات، ظهرت "الجريدة العسكرية"، وكانت تطبع في مطبوعة ديوان الجهادية في بداية حملة الشام عام "1833".
ويصدر منها شهريًا خمس عشرة نمرة مثلما توضح المراجع. ثم ظهرت "القازتة العسكرية"، وانكمشت الصحافة العسكرية في عهد عباس وسعيد.
وفي عهد إسماعيل ظهرت صحيفتان عسكريتان هما "الجريدة العسكرية المصرية"، و"جريدة أركان حرب الجيش المصري".
وضمت الجريدة الأولى الصحفي "عبد الله أبو السعود أفندي"، الذي يمكن اعتباره أول صحفي مدني متخصص في الشؤون العسكرية في العصر الحديث.
وكان أول ظهور للجريدة العسكرية المصرية عام "1865"، وإن كان هذا لا يعني أن الصحف التي كانت قائمة آنذاك لم تهتم بالأخبار العسكرية.
فقد امتلأت صفحات جريدة "الأهرام" بأخبار الحرب التركية الروسية، وكذلك فعلت جريدة "الوطن".
كما اهتمت الصحف الأخرى التي أصدرها "يعقوب بن صنوع" سواء في مصر أو الخارج مثل أبو زمارة، الحاوي وغيرها بأخبار الثورة العرابية.
وكان أهم عمل صحفي عسكري أثناء الثورة العرابية، ما قام به عبد الله النديم صحفي الثورة العرابية وخطيبها، فقد انتقل الرجل إلى حيث كان الجيش يتهيأ للقاء الإنجليز في التل الكبير.
وضمن جريدته "اللطائف"، التي كان يحررها وهو علي مقربة من النشاط الحربي في معسكر "كنج عثمان" مقالات لإثارة الهمم والطعن في الإنجليز، بالإضافة إلى وصف ثورة الجيش والمعارك الحربية. وعنها كانت تنقل صحف القاهرة أخبار الحرب.
وبعد الاحتلال البريطاني لمصر عام "1882" تقلص دور الصحافة العسكرية، واقتصر فقط على الأوامر والمنشورات والنشرات التي تصدرها وزارة الحربية وعلى بعض المقالات والبحوث التي تنشر بين الحين والحين في جرائد الأهرام والجهاد وكوكب الشرق والضياء والمقطم ومصر.
وكانت معظم هذه المقالات والبحوث يوقعها "محارب قديم" وهو اليوزباشي أحمد حمودة، وفي عام "1937" خرج هذا الكاتب من تنكره، وقدم لمصر مجلة عسكرية متخصصة، وكانت أول مجلة من نوعها تظهر في منطقة الشرق الأوسط.
"المحرر العسكري.. وحرب فلسطين"
سجلت المجلة باسم "مجلة الجيش"، وعندما بدأت أولى جولات الصراع بين العرب وإسرائيل عام "1948"، واشترك الجيش المصري وأعداد من المتطوعين، بدأت الحاجة تظهر لمراسل حربي ومحرر عسكري متخصص. ومثلما كان المسرح الفلسطيني شاهدًا على تألق الصحفي العسكري في عصر الأسرة السادسة، فقد كان شاهدًا أيضًا خلال النصف الثاني من القرن العشرين على ظهور قيادات صحفية تمرست بالعمل واكتسبت الخبرة في ميدان القتال.
وانتقلت الراية بعد ذلك إلى أجيال جديدة. وحملت هذه الأجيال المسؤولية بأمانة، وعملت بقدر طاقتها من أجل صحافة عسكرية جيدة.
وكثيرة هي جهود المراسل الحربي المصري في ميادين القتال.. فمن فلسطين إلى سيناء ومنطقة القناة إلى سوريا فالجزائر فاليمن فسيناء مرة ثالثة فمنطقة القناة خلال معارك الاستنزاف. فالجبهة شرق وغرب القناة خلال حرب أكتوبر. فسوريا فاليمن الجــنوبي كميــادين للعمليات.
وفي حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر الخالدة، كان محمد عبد المنعم، المحرر العسكري للأهرام، هو الصحفي الوحيد الذي شارك في معركة السيف والقلم معًا، فكان ضابطًا بالقوات الجوية والدفاع الجوي، واستدعي للعمــليات برتبة الــرائد، فكان يخدم كضابط بين صفــوف المقاتلين، وفي الوقت نفسه يسجل بقلمه كصحفي ما يجري من معارك. فكان تسجيلًا واقعيًا ودورًا مشرفًا لم يتح لأحد غيره.
وفي خطة خداع العدو قبل حرب أكتوبر، لم تجد القيادة العامة غيره لإشراكه في خطة الــخداع بخبر ينشر في الأهرام عن سماح وزارة الدفاع بسفر الضباط لإجراء العمرة، فكانت القيادة تعلم أنه ضابط وملتزم، ونشر الخبر دون جلجلة وتفاخر، وابتلعته مخابرات العدو.
وخلال هذه المتابعة المستمرة سقط من الصحفيين والمصورين العسكريين شهيدان هما الصحفي بخيت أبو السعود من جريدة المساء، والمصور حسن عبد القادر من جريدة الجمهورية.
وتعرض آخرون للإصابة بنيران الأعداء من بينهم صلاح قبضايا، المراسل الحربي لجريدة الأخبار، وذلك في مسرح العمليات باليمن، وشارك كثيرون منهم في العمليات بصورة أو بأخرى، فقد كان لجمال حمدي "روزاليوسف” دور بارز خلال الثورة التي اشتعلت في عدن ضد قوات الاحتلال البريطاني.
كما عاش كل من أحمد يوسف، رئيس قسم التصوير بجريدة الأخبار، وأنــطوان البير، المصور بالأهرام، وصلاح هلال، رئيس قســم التحقيقات بالأهرام، تحــت الحــصار الإسرائيلي في مدينـة العريش فـي يونيو " 1967".
كما شارك عبده مباشر من الأهرام في العمليات خلف خطوط الــعدو بسيناء، مع وحدات الــكوماندوز المصرية، بقيادة إبراهيم الرفاعي.
وكان بذلك المدنــي والصحفي الوحيد الذي تطوع للقيام بهذا الدور الوطني.
ويضم السجل عشرات الأعمال لكل من أراد الله أن يتـخصص في الصحافة العسكرية، فكل منهم قبل أن يعمل تحت مظلة الخطر، ليؤدي دوره بأمانة لخدمة الوطن والقارئ.
والمحرر العسكري والمراسل الحربي المصري ينمو نتيجة لما تحمله أعماقه من قدرات على التحدي, ويعمل دائمًا في ظروف شاقة، وكثيرًا ما يسبح ضد التيار. وصعوبة الميدان تتمثل في طبيعة الرجال الذين يعمل معهم والذين يتعلمون أن السر كلمة ومضمون تعني كل شيء في حياتهم، وتتمثل صعوبة الميدان في الموت الذي يترصد خطى من يتحرك فوقه. ورغم هذا فما زال هناك من يقدم على اختيار هذا التخصص الشاق.
مع كل الصعوبات كان للمحرر العسكري دوره المشرف
لقد أدى كل من اقتحم هذا الطريق دوره ونجحوا جميعًا في تقديم المادة العسكرية للقراء، سواء أكانت أخبارًا أم تحقيقات. سواء أكانت نقدًا أو تحليلاً للعمليات الحربية برًا وبحرًا وجوًا، وأسهموا في تنوير الرأي العام بمجريات الأحداث في ميادين العالم المختلفة، وتابعوا التطور في ميدان الفكر العسكري والصناعات الحربية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن بعضهم أثرى المكتبة العسكرية المصرية والعربية، التي تشكو نقصًا في الكتب والمؤلفات بالكثير من الكتب.
واستطاع أقلهم أن يصبحوا مؤرخين عسكريين بكل ما تعنيه الكلمة بالبحوث العلمية والمؤلفات الجادة التي قدموها. ومنهم من أصبح في قائمة أشهر المحررين العسكريين والمراسلين الحربيين على المستوى العالمي، وكانت معركة أكتوبر اختبارًا حقيقيًا لمدى كفاءتهم وقدراتهم، وقد اجتازوا جميعًا الاختبار خاصة خلال حرب أكتوبر المجيدة.