د. أحمد عبد المنعم يكتب: في بيتنا مراهق!
من التحديات التي قد يواجهها الوالدين في تربية الأبناء وجود مراهق داخل الأسرة، وبالرغم من أن المراهقة مرحلة نمائية كباقي المراحل العمرية الأخرى، إلا أنها تختلف بسبب طبيعة التغيرات السريعة والمتلاحقة التي تحدث فيها- فسيولوجيا وجسديا ونفسيا وانفعاليا- فطفل الأمس أصبح يعبر عن آرائه ويتمسك بها والأسرة لم تعتاد ذلك.
سنسعى في هذه السطور القليلة إلى إلقاء الضوء على بعض معالم مرحلة المراهقة بشكل موجز، مع التركيز بشكل أكبر على استعراض بعض الأنماط الوالدية في تربية الأبناء المراهقين والتي يحتاج كل أب وأم التعرف عليها لما لها من تأثير كبير وانعكاس على طريقة التعامل مع المراهقين، فأحياناً تكون سلوكيات المراهق السلبية ناتجة عن الأساليب المتبعة من قبل الوالدين.
وينظر علماء النفس لمرحلة
المراهقة من ثلاث زوايا:
1. مرحلة قلق وتوتر ومعاناه وأزمات نفسية وعاطفية.
2. مرحلة الاستعداد والانفتاح على الحياه، وتنمية القدرات والإمكانيات وعلى الوالدين تقبل هذه المرحلة.
3. مرحلة شعور المراهق بالضغط الأسري والمجتمعي عليه، فهو لا يعرف دوره خاصة وأنها مرحلة انتقالية بين الطفولة والشباب.
ويوجد مجموعة من الخصائص
النفسية للمراهق هي:
- الاندهاش من التغيرات الجسمية (خشونة الصوت لدى الذكور، وأعراض الدورة الشهرية لدى الإناث).
- التغيرات المزاجية والشعور بالقلق أو الخوف والحساسية الزائدة تجاه المواقف والعلاقات.
- التمرد أو رفض السيطرة والسلطة الوالدية.
- محاولة البحث عن الذات: هل أنا طفل صغير أم شخص كبير ؟، ويظهر هنا ما يُسمى "أزمة الهوية" ورحلة البحث عن الذات وتكوين هويته الشخصية، وعند حدث خلل في بناء هوية المراهق فقد تظهر بعض المشكلات الآخرى مثل: التطرف الفكري أو الإدمان أو الإلحاد أو الانحرافات الجنسية.
من أين تأتي أزمة مرحلة المراهقة؟
يبحث المراهق خلال هذه المرحلة عن تطوير وإيجاد هويته، ومع التغييرات الفسيولوجية والنفسية والجسمية التي طرأت عليه، تظهر مجموعة من الاحتياجات لديه ومنها الحاجة: للاهتمام، والأمان، والتقبل بدون شروط، والاستماع وتقدير آرائه حتى لو كانت مختلفة، ووجود نموذج يقتدي به، و تفويضه في بعض المسؤوليات، وإعطائه وقت خاص لمناقشة مشكلاته ومشاركته اهتمامته، وتعزيز هويته "الشكل والجسم"، وفي مقابل هذه الاحتياجات خاصة لو لم تُلبى بصورة صحية تظهر مجموعة أخرى من المشكلات التي يرصدها الوالدين ويطالبون المراهق فيها بالتغيير مثل: الردود غير المقبولة، والكسل، والتمرد، والعناد، واللبس أو قص الشعر بصورة غير لائقه، والاعتمادية الزائدة، واللامبالاه في بعض الأحيان بالاهتمام بالدراسة والمذاكرة، وضعف تحمل المسوؤلية، وهذه المشكلات السلوكية في حقيقتها ما هي إلا تعبيراً عن الاحتياجات غير المُلباه لدى المراهق، ونظراً لضعف قدرته على مواكبة هذه التغيرات السريعة التي حدثت لديه فسيولوجياً وجسدياً ونفسياً وانفعالياً تظهر هذه المشكلات.
هل تؤثر الأنماط الوالدية على سلوك الأبناء المراهقين؟
بالتأكيد نعم، وهناك بعض الأنماط الوالدية قد تكون سبباً في ظهور السلوكيات السلبية لدى الأبناء بل وتساعد على تنميتها وتطويرها، وفيما يلي نماذج لهذه الأنماط وكيف تؤثر على شخصية المراهق مع الوضع في الاعتبار أن هذه الأنماط قد تكون في الأب أو الأم أو كليهما:
- النمط الأول: الأب المتسلط/ الأم المتسلطة
قليل الاستجابة لطلبات المراهق، طلباته كثيرة، يرسم حدود صارمة داخل البيت ولا يقبل أي تدخل فيها أو مناقشة، قليل التواصل الكلامي، يميل للعقاب، ويستخدم المقارنات مع الغير بصورة دائمة.
تأثير ذلك على المراهق: قطع حلقة التواصل، وعدم وجود قنوات للمشاركة أو سماع الرأي، احباط متكرر، قابليته للأقران تكون أعلى وأكثر عرضه للتقليد السلبي.
- النمط الثاني: الأب المتهاون/ الأم المتهاونة
الموافقة على أي طلبات دون مناقشة، ولا يسعى لوضع أي قواعد داخل المنزل، غير مكترث بمتابعه شؤون الأبناء أو مشاكلهم، ويستخدم الهدايا أو المصروف الزائد كوسيلة مساومة لتعديل السلوك للأبناء.
تأثير ذلك على المراهق: يفتقد المراهق مهارة شخصية أساسية وهى رسم الحدود واتباع القواعد فيصبح سلوكه عشوائي وغير منظم، وتكون تعاملاته بلا مسؤوليه، أو قائمة على الأخذ فقط دون العطاء.
- النمط الثالث: الأب الغائب/ الأم الغائبة
هي الصورة المتطرفة من النمط المتهاون، فهنا لا توجد مشاركة إطلاقاً ولا يهتم بوجود أي قواعد أو توجيهات للأبناء، فالكل يفعل ما يريد، ويكون الطرف الآخر في العلاقة تحت ضغط نفسي كبير بسبب هذا النمط لأنه دائماً مطالب بوضع القواعد ورعاية الأبناء ومتابعتهم.
تأثير ذلك على المراهق: يفتقد في حياته النموذج القدوة والموجه والميسر فتزيد هشاشته النفسية، ما لم يقوم الطرف الآخر في العلاقة بتغطيه الدور المفقود.
- النمط الرابع: الأب المتوازن/ الأم المتوازنة
يراعي احتياجات الأبناء المادية والنفسية، ويعرف ما يحتاجه أبناؤه، والاختلافات النفسية بينهم، يعرف متى يعاقب؟ ومتى يتغافل، ويضع قواعد تحكم العلاقات داخل المنزل، ويشجع على السلوكيات والقيم الايجابية مثل الصلاة، والمذاكرة، والعلاقات بالأصدقاء،و الملبس، والمظهر العام، والهوايات، وكونه قدوة حسنة لأبنائه، فيميلون إلى مُحكاه النموذج في تعاملاتهم اليومية والحياتية، كما أنه يوفر بيئة آمنة داخل المنزل قائمة على التقبل غير المشروط، ويستطيع التمييز بين الحزم والحنان، ولديه مرونة في تغيير الرأي، وهذا يعزز تواصل المراهق ويشعره بالأمان وأن صوته مسموع ومقدر.
وأخيراً.. المراهقة مرحلة حياتية تحتاج من الوالدين المزيد من المجهود مع الأبناء، فهم بحاجة ماسة إلى التفهم والدعم والمساندة والتقبل، فهي مرحلة لا تقبل الدخول في ندية مع المراهق، بل تحتاج إلى الحوار الدائم بين أفراد الأسرة والتواصل بينهم وايجاد اهتمامات مشتركة تجمعهم، فهذا يخلق الاحترام بين الجميع، ولنسمح للمراهق بأن يعترض ويعبر عن رأيه ونستمع له بصبر ووعي ليستطيع عبور مرحلة المراهقة بأمان.