أ.د. رضا عوض
خاتم المرسلين
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 33].
بهذه الآية الكريمة وصف رب العالمين محمدًا صلى الله عليه وسلم، فقد كان حسن الخلق متواضعًا، وحسن الجوار، والمعشر وكان يلقّب بالصادق الأمين، وأثنى الله تعالى عليه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:1] فهو مثلنا الأعلى يجب أن نقتدى بأفعاله، وأقواله، وصفاته فقد كان أكثر الناس تواضعًا، فبالرغم من علو منزلته ومكانته إلاّ أنه كان يجالس أصحابه، ويتفقد أحوالهم، ويأكل مع خدمه، ويرحم الصغير، ويجبر المساكين.
ولد ﷺ فى فجر يوم الاثنين الموافق الثانى عشر من ربيع الأول والثانى والعشرين من شهر أبريل عام 570م
كُلّف ﷺ بالرسالة وهو ذو أربعين سنة، وقد أدى أمانة ربه أفضل ما يكون الأداء فعندما قال له عمه أبو طالب (اكفف عن قومك ما يكرهون من قولك) طالبًا منه أن يوقف دعوته لأهل مكة، فقال محمد كلمته المشهورة «يا عمّ، لو وُضعت الشمس فى يميني، والقمر فى يساري، ما تركتُ هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فى طلبه».
ثم حاولت قريش مرات كثيرة بعرض المال عليه والزعامة، لكن محمدًا كان يرفض فى كل مرة، ثم هاجر إلى المدينة، فدخلها يوم الجمعة 12 ربيع الأول، سنة 1 هجرية، وعمره يومئذ 53 سنة، وعندما دخل المدينة مهاجرًا من مكة قال فى أول خطبة له, «يا أيّها الناس، أفشوا السّلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلّوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام»، داعيًا الناس إلى نشر الرحمة بينهم، ونظّم محمد ﷺ العلاقات بين سكان المدينة المنورة، فعاش فيها عشر سنين أُخرى داعيًا إلى الإسلام، والمعجزة التي تحدّى بها الناس هى القرآن الكريم، فهو معجزة سيدنا محمد الخالدة، والمحفوظة من التحريف، وصالحة لكل زمان ومكان.
أسس ﷺ بالجزيرة العربية نواة الحضارة الإسلامية، ووحَّد العرب لأول مرة على ديانة توحيدية ودولة موحدة، ودعا لنبذ العنصرية والعصبية القبلية ولنشر الرحمة بين الناس (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
وعند فتح مكة خاطب قريشًا فقال «يا معشر قريش ما ترون أنى فاعل بكم؟» قالوا «خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم»، فقال «فإنى أقول كما قال أخى يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، اذهبوا فأنتم الطُلَقَاء»
ومن عظمة رسول الله ﷺ أن الله عز وجل لم يجمع لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبى صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال (إن الله بالناس لرؤوف رحيم) الحج 65، وقال عن النبى ﷺ (بالمؤمنين رؤوف رحيم) التوبة128.
تُوفى ﷺ وهو يقول: «مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لى وارحمنى وألحقنى بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى».
وكان ذلك فى ربيع الأول سنة 11 هـ، وقد تّم له 63عامًا..
لقد نجح رسول الله ﷺ فى حياته واستمر هذا النجاح بعد وفاته على يد أتباعه، فقد صنع الأبطال الذين جابوا الأرض شرقًا وغربًا لنشر دين الله.
يقول عنه الشاعر الألمانى الكبير جوته: بحثت فى التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته فى النبى العربى محمد.
ويقول الكاتب الإنجليزى الشهير برنارد شو: «إن العالم اليوم أحوج ما يكون إلى رجل فى تفكير محمد؛ حيث لو تولى محمد أمر العالم اليوم لوفق فى حل مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو العالم إليها.
وقال عنه المؤرّخ الإسكتلندى وليم موير: «امتاز محمد بوضوح كلامه، ويسر دينه، وأنه أتم من الأعمال ما أدهش الألباب، لم يشهد التاريخ مصلحًا أيقظ النفوس، وأحيا الأخلاق الحسنة، ورفع شأن الفضيلة فى زمن قصير كما فعل محمد.
واعتبره الكاتب الأمريكى الشهير مايكل هارت وهو عالم فلكى رياضى يعمل بهيئة الفضاء الأمريكية فى كتابه الخالدون مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم، أعظم الشخصيّات أثرًا فى تاريخ الإنسانية كلّها باعتباره «الإنسان الوحيد فى التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الدينى والدنيوي».. فهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات, وأصبح قائِدًا سياسيًا وعسكريًا ودينيًا.
وبعد 14 قرنًا من وفاته، فإن أثر محمد ﷺ لا يزال مُتجدِّدًا.
هذه مقتطفات قليلة من سيرة سيد الخلق وخاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والذي بُعث للناس كافة؛ حيث قال ﷺ: «أنا رسولُ من أدركتُ حيًا، ومن يولد بعدى».
نقلاً عن صحيفة روزاليوسف