مفاجأة حول الموت المفاجئ بين الشباب
جمال فراويز: الضغوط النفسية تشكل خطورة.. لكن الوفاة ترتبط بعيوب خلقية!
داليا عبد المعز
-أمراض القلب النفسية لها ثأثير على صحة القلب لكنها لا تؤدي إلى الموت المفاجئ
ـ السوشيال ميديا تضرب صحتنا النفسية.. وظاهرة البلوجر تنذر بكارثـة
-التفريغ النفسي ضرورة.. والأخصائي هو الحل
بصوت يشوبه الحزن والأسى، أعربت شقيقة الباحثة فيروز محمد سعيد، الموظفة بمركز الابتكار وريادة الأعمال التنافسية، عن ذهولها لوفاة أختها المفاجئ قائلة: "ماكنش عندها حاجة، كانت رايحة الشغل، جاتلها سكتة قلبية في الاتوبيس وماتت .. من غير اي سبب !". حيث توفيت فيروز بسكتة قلبية مفاجئة أثناء تواجدها في أتوبيس العمل.
وفي اليوم التالي، لحق بها إسماعيل، المعروف إعلاميًا بـ"عريس الشرقية"، الذي توفي بسكتة قلبية مفاجئة ليلة زفافه بعد غربة استمرت خمس سنوات، مما خلف حزناً عميقاً في قلب عروسه التي لم تكتمل فرحتها.
ليست فيروز وإسماعيل أولى الحالات التي تفارقنا بسبب السكتات القلبية؛ فالحالات كثيرة والأسباب لا تزال مجهولة.
وربما تساءل الكثيرون حول أسباب الموت المفاجئ الذي انتشر بين الشباب والمراهقين دون تاريخ مرضي سابق، وهل يمكن أن تؤثر الضغوطات النفسية والصدمات العصبية الشديدة على القلب مما يؤدي للموت المفاجئ؟
للإجابة على هذه التساؤلات، أجرت "بوابة روزاليوسف" حوارًا مع الدكتور جمال فراويز، استشاري الطب النفسي، لاستكشاف تأثير الضغوطات النفسية على القلب ومخاطرها المحتملة مثل الموت المفاجئ، وكيف تؤثر السوشيال ميديا على صحتنا النفسية، وأهمية الوقاية النفسية لمواجهة الضغوطات. وهذا أبرز ما جاء في الحوار:
أمراض القلب النفسية.. وعلاقتها بالموت المفاجئ
"40% من زائري عيادات القلب يعانون من مشاكل نفسية وليست عضوية !". كانت هذه من أوائل العبارات التي استهل بها الدكتور جمال فراويز، استشاري الطب النفسي، حديثه عن العلاقة بين الضغوط النفسية وصحة القلب والموت المفاجئ.
مؤكدًا أن "أمراض القلب النفسية" لها تأثير كبير على صحة القلب والجسم.
وأوضح الدكتور فراويز، أن انتشار مصطلح "أمراض القلب النفسية" زاد في الآونة الأخيرة، وأصبح يمثل تحديًا للصحة العامة. ووصف هذه الأمراض بأنها: "مجموعة من الأعراض الجسدية الناتجة عن التوتر والضغط النفسي الشديد"، مضيفًا أنها لا تؤدي إلى الموت المفاجئ.
وفيما يتعلق بأعراض أمراض القلب النفسية، أكد الدكتور فراويز، أن من أبرزها القلق والصداع الشديد، وزغللة العينين، والجفاف المستمر في الحلق، والشعور بالاختناق، وانقباض الصدر، مع تزايد ضربات القلب، وآلام في المعدة والقولون. وأضاف أن: "40% من مرضى القولون العصبي يعانون من مشاكل نفسية وليس عضوية".
ضغوط النفسية أم عيوب خلقية؟!
من جانبه، تطرق الدكتور فراويز، إلى حالات الموت المفاجئ بين الشباب والمراهقين دون تاريخ مرضي سابق، حيث أصبحت الضغوطات النفسية والصدمات العاطفية محل اتهام كونها تشكل خطرًا على صحة القلب.
موضحًا أن الضغوطات النفسية الشديدة لا تؤدي إلى الوفاة إلا إذا كان الشخص يعاني من عيوب خلقية في القلب.
وأكد أن: "مشكلات القلب غير المُشخصة، مثل التشوهات أو الأمراض الوراثية، التي تتفاقم بسبب الضغوطات النفسية الشديدة، هي المسبب الرئيسي للوفاة المفاجئة لدى المراهقين والشباب". وأضاف أن نسبة كبيرة من العيوب الخلقية في القلب ليس لها أعراض واضحة، ولا يمكن التنبؤ بها إلا من خلال الفحص الطبي الدقيق.
الإجهاد المزمن والتفكير الزائد.. عوامل خطورة محتملة
وحول تأثير الإجهاد المزمن والتفكير الزائد على صحة القلب، أكد الدكتور جمال فراويز، أن هذه العوامل تؤدي إلى تقليل كفاءة القلب والصحة العامة للجسم. وأشار إلى أن الضغط النفسي الناتج عن الإجهاد أو التفكير الزائد يقلل من مناعة الجسم، ويجعله أكثر عرضة للفيروسات والالتهابات، مما يؤدي إلى زيادة سرعة خفقان القلب وارتفاع نسبة السكر والضغط. ومع ذلك، شدد على أن هذه العوامل لا تؤدي إلى الوفاة إلا في حال وجود عيوب خلقية في القلب.
وفي هذا السياق، أشارت دراسة سابقة أجرتها الباحثة "منى هندية"، تحت عنوان: " القلق والاكتئاب لدى مجموعتي مرضى استبدال الصمامات القلبية وزرع الشرايين التاجية "، والتي أشارت اللي تأثير التنشيط طويل المدى للجهاز العصبي على الصحة القلبية. كما أوضحت الدراسة أن: " الإجهاد المزمن قد يزيد من خطر الإصابة بتصلب الشرايين، ونقص تروية القلب، عدم انتظام ضغط الدم، وفي بعض الحالات، قد يؤدي إلى الموت المفاجئ".
السوشيال ميديا ليست بمنأى
" كله عايز يبقى بلوجر ..والشباب بقى عنده إحباط وفقدان ثقة في الذات"، بهذه العبارة أوضح فراويز، تأثير الوسائط الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية للشباب والمراهقين، حيث أكد أن هذه الوسائط قد زادت من حالات المقارنة بين الذات والآخرين، مما أدى إلى ضغوط نفسية شديدة. وذكر أن السوشيال ميديا قد ساهمت في زيادة مشاعر الاكتئاب، والإحباط، والفشل، ولوم الذات بين الشباب.
فعندما يرى شاب مجتهد أنه لا يستطيع تحقيق النجاح والترف الذي يراه في حياة بعض المشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي، قد يشعر بالاكتئاب والإحباط.
يقول: " لما شاب مجتهد وناجح يشوف البلوجز بيقدموا محتوى تافه، وعندهم معجبين ومعاهم ملايين، وهو مش عارفة يعمل زيهم ..لازم يجيله إحباط واكتئاب !".
وأضاف أن بعض الأهالي يعانون من هذه الظاهرة، حيث يأتي إليه آباء وأمهات قلقون على مستقبل أبنائهم الذين يريدون ترك دراساتهم الأكاديمية للعمل كمؤثرين على السوشيال ميديا.
يقول فراويز: " الأهالي متحسرين على أولادها، أب يجيلي يقولي ابني عايز يسيب كلية الهندسة وقرر يشتعل بلوجر !، وأم تكلمني وهي منهارة وتقولي ابني من أوائل الثانوية العامة ومش عايز يكمل، وعايز يبقى تيك توكر !".
واصفًا الوضع بـ" الكارثي "! كما أكد الدكتور فراويز، على دور الإعلام في معالجة هذه الكارثة، من خلال إعادة نشر القيم التي تُعلي من قيمة العلم والعلماء، وتنبيه الشباب إلى أن ما يرونه على وسائل التواصل الاجتماعي ليس بالضرورة حقيقياً، حتى لا يصابوا بالاكتئاب وجلد الذات.
التفريغ النفسي ضرورة.. والأخصائي هو الحل
أوضح الدكتور جمال فراويز، أهمية التفريغ النفسي كوسيلة للوقاية من الأمراض النفسية والجسمانية الناتجة عن الضغوطات النفسية، مشيرًا إلى أن: "التفريغ مهم، ولكن يجب أن نختار من نتحدث معه". موضحًا أن التفريغ النفسي لا يجب أن يكون مع أي شخص، بل مع أخصائي نفسي يمكنه التعامل مع الضغوطات بشكل صحيح.
واقترح فراويز ضرورة وجود أخصائي نفسي إكلينيكي في كل مؤسسة؛ لمساعدة الموظفين على التعامل مع الضغوطات النفسية التي قد يواجهونها في العمل.
وفي ختام حديثه، أكد فراويز مجددًا على أن حالات الموت المفاجئ غالبًا ما تكون نتيجة لتشوهات وظيفية في أوعية القلب لم يتم تشخيصها مسبقًا، وتزداد خطورتها مع الضغوطات النفسية الشديدة. ونصح بضرورة المراقبة المستمرة وعدم تجاهل أي أعراض غير طبيعية مثل الإغماء، أو ضيق التنفس، أو آلام في الصدر، والتي قد تكون مؤشرًا على مشاكل قلبية خطيرة تهدد الحياة.