![البنك الاهلي البنك الاهلي](/UserFiles/Ads/8372.jpg)
![متى تنتهى أزمة نقص الدواء؟](/Userfiles/Writers/238.jpg)
محمد جمال الدين
متى تنتهى أزمة نقص الدواء؟
منذ يومين تلقيت مكالمة تليفونية من صديق عزيز على، يستنجد بى طالبا منى البحث عن أنسولين لعدم توافره فى المنطقة التي يقطن بها، وتلبية لرغبة صديقى قررت من جانبى سؤال جميع الصيدليات المحيطة بمقر سكنى عن الأنسولين، فكان الرد عدم توافر هذا النوع من الدواء خصوصا فى الوقت الحالى، نفس الموقف تعرضت له شخصيا فى عدم توافر علاج لارتفاع ضغط الدم الذي أعانى منه منذ سنوات، ورغم علمى كما يعلم غيرى أن أزمة نقص الدواء التي يمر بها سوق الدواء المصري، يرجع سببها الرئيسى إلى تخفيض سعر العملة فى مصر. وسبق أن حدثت فى نوفمبر 2016 وفى 2021 خلال أزمة جائحة كورونا، وفى 2022 بسبب التعويم أيضا، ولذلك فهى تعد أزمة متجددة تحدث بين الوقت والآخر، إلا أنها فى الآونة الأخيرة تفاقمت بدرجة كبيرة مما نتج عنها اختفاء الكثير من الأدوية، قدرها البعض بأكثر من ألف صنف، بعضها ضرورى ولا يجب التوقف عن تناوله يوميا مثل أدوية السكر والضغط والقلب والغدة كمثال. وبالطبع مع تفاقم الأزمة ارتفعت كذلك شكاوى المواطنين من نقص أدوية أخرى وكذلك بدائلها، وبرر ذلك على عوف رئيس شعبة الدواء حين قال: إن نقص الأدوية يعود إلى أزمة النقد الأجنبى، بالرغم من أن 94 % من الأدوية يتم إنتاجها محليًا و6 % فقط دواء مستورد، إلا أن التصنيع المحلى يعتمد على خامات ومواد فعالة مستوردة بنسبة 95 %، وهذا ما جعل شركات تصنيع الدواء تطالب برفع الأسعار حتى تستطيع تعويض الفرق بين السعر المحلى وسعر المواد الخام المستوردة بالعملة الأجنبية. وبناء على طلب هيئة الدواء، وافقت الحكومة على رفع أسعار الكثير من الأدوية، ووفرت قدر كبير من النقد الأجنبى لدواعى استيراد المواد الخام.
ولكنه الطمع والجشع الذي تمكن من بعض العاملين فى هذا السوق، على الرغم من أن فى كل أزمة أدوية يصبح الاتجاه دائمًا هو رفع السعر، علما بأنه فى كثير من الأحيان تكون الأسعار عادلة ومربحة للشركات حتى لو ارتفعت تكلفة التصنيع، (هذا ليس كلامى ولكنه كلام للمركز المصري للحق فى الدواء)، وبدلا من إيجاد حلول واقعية لمشكلة سوق الدواء المصرية نستسهل هذا الحل، مما جعل بعض الشركات تحجب بعض أنواع الدواء فى مخازنها لتعطيش السوق، كنتيجة طبيعية لتراجع مخزونها من المواد الخام اللازمة لتصنيع الدواء.. وإن كان الأمر لم يخل من توزيع بعضها على بعض سلاسل الصيدليات الكبرى والحبايب، الذين بدورهم ساهموا فى خلق نوع جديد من السوق الموازى لسوق الدواء الرسمية، ليطل علينا من بعيد مصطلح (الأوفر برايس) وبمعنى أصح سوق سوداء جديد لبيع الأدوية بضعف ثمنها. وهذا ما اتضح لى عندما وفقت فى الحصول على دواء الأنسولين لصديقى بضعف ثمنه، عن طريق صديق آخر رفض أن يفصح لى عن الصيدلية التي أشترى منها.. سوق سوداء جديد أصبح له أباطرة يتكسبون من مرض ومعاناة إنسان ابتلاه ربه بمرض قد يكون شفيعا له يوم الحساب. فرفع أسعار ووافقنا وتحرير سوق الدواء وتوفير نقد أجنبى وتم، ومع هذا هدر صحة وأموال المرضى مستمر، وأرباح شركات الدواء خصوصا الخاصة منها تتزايد، خاصة عقب استحواذها على تصنيع أغلب الأدوية الأساسية التي يحتاجها المرضى.
بقى أن أعلق على بعض تصريحات رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية المصرية على عوف، الذي أرجع نقص بعض أنواع الأدوية إلى ثقافة التعامل مع الدواء الناقص بقوله أن المواطن عندما يستشعر توفر بعض الأدوية الناقصة تنتعش ظاهرة تخزين الدواء لدى بعض المرضى خوفًا من نقصانه مرة أخرى، فيتم استهلاك أدوية بنسبة أعلى من إنتاج الشركات، وهو الأمر الذي يجعل فترة انتهاء الأزمة أطول من اللازم، وهنا واضح أن سيادته لم يتكلم عن الشركات التي تحجب الدواء وتعطش السوق لرفع سعره فى السوق السوداء، ولكنه جاء على المواطن الحلقة الأضعف والذي قد تضيع حياته حال عدم توفر الدواء، ثم عاد وألقى بالمسؤولية على إصرار الصيدليات والأطباء والمرضى على التعامل بالاسم التجاري للدواء وليس الاسم العلمى، زاعما أن أغلب الأدوية الناقصة لها بدائل متعددة، وهنا أيضا تجاهل أن المريض ليس له من ذنب، وكان أولى به أن يوجه اللوم لمن يكتب الدواء فى (روشتة تحمل أسمه) خاصة أن بعض الأدوية البديلة ليس لها من تأثير فعال فى أمور العلاج والشفاء (حسب ما يقوله الأطباء أنفسهم).
عموما أزمة نقص الدواء معروف تفاصيلها الكاملة لكل العاملين فى هذه الصناعة، مطلوب فقط مراعاة الضمير وتغليب الحس الوطني من قبل جل من له دخل بهذه الصناعة، بعيدا عن مبدأ المكسب والخسارة، وفى نفس الوقت مطلوب مراقبة سوق الدواء الموازى الذي انتشر مؤخرا وتشديد العقاب على من يعملون به، أو حتى الرسمي.
وأخيرا مطلوب تحرير سعر سوق الدواء بمثل ما حدث مع سوق النقد الأجنبى، لبيع الدواء بسعر عادل لتوفيره فى الأسواق لضمان القضاء على السوق السوداء التي اتخذت من الدواء سبيلا لتحقيق الثروات على حساب المرضى.
نقلاً عن مجلة روزاليوسف