عاجل
الثلاثاء 27 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

مقالتي مهداة لأطفالنا وشبابنا وشيوخنا

د. إيمان ضاهر تكتب: وإذا قرأنا بصوت عالٍ

قطرات مطر العبارات تتواثب على الهواء بصوت عال لتلقح النحلة بعذوبة الصوت، لحن صوت محبوب جمال القاء حي، إشراقة الشمس على لؤلؤة ندى الكلمات، فلنصغي لغناء الشحرور في مداعبة رياحها  الناعمة. نحن محاطون بقراء  رائعين..



أليست القراءة بصوت عال فنا سحريا له  آلاف الفضائل؟ القراءة بصوت عال واحة خصوبة وسلام في صحراء الحياة اليومية، روضة ساكنة يمكن   للعقل أن ينهل من ينبوع الكلمات الذي لا ينضب ويتغذى دوما بالمعرفة ويفتح ابواب الخيال، والحواس الخمس تحيا لتصور النص والانضمام لكيانه والتعمق في حبكته ليصبح حاضرا بشكل مدهش، من المتعة والمعلومات وكأن القراءة  بصوت عال نشوة كما يردد الفيلسوف رولان  بارت بعبارته "متعة لا تنسى".. وأليست النصوص الأدبية والشعرية ولدت من الشفهية قبل ان  تكتب؟ مؤلفات الشعر والادب الجاهلي واذكر امرىء القيس، زهير بن ابي سلمى والأعشى  والنابغة الذبياني، طرفة بن العبد،عنترة بن شداد وغيرهم الكثير لاسبيل لذكر الجميع من فلاسفة اليونان  والرومان مثل الالياذة للشاعر المتجول هوميروس الذي غنى قصائده عن الحرب والحب في العصور القديمة. وما دامت القراءة بصوت عال بالنسبة لنا هي البادئة التي تفتح مفاتيحها السحرية في أعماقنا. أبواب بيوت لم نكن نعرف كيف ندخلها، فإن دورها في حياتنا لابد منه  لبناء فكر الطفل في تجارب النقل الثقافي وتعزيز مستوى العلم والفكر في اهدافهم الفكرية وحثهم  دوما على هذه الوقاية الثقافية حول قضايا الكتب والقصص من أجل تنمية عقولهم في كل عصور. "صوت القراءة" ثمرة تجربتي بأنشطة صوتية في تقنية الفهم النشط للنصوص التي درستها، على مدار خمس وعشرون سنة،اضافت اسلوبا جذابا للفهم والاستيعاب الى القراءة الصامتة مما حفز طلابي في كل الفئات لنتائج شخصية  في الممارسات للاستماع الابداعي في حلقات  اسميتها " شغف الصوت".. "كنت أردد لهم بأن كل أمر مختلف قليلا  بمجرد قوله بصوت عال" واتابع التحفيز قائلة: "اقرأ النص بصوت عالٍ، وتنفسه. خذ هذا النص على محمل شخصي وفي نفس الوقت أشرك جسدك بالكامل في القراءة. واعلم أن لكل نص أنفاسه الخاصة". متعة النص، الكتابة، القراءة الصامتةأو بصوت عالٍ.. ولا يتعلق الأمر فقط بمعنى الرضا الكافي بل بالمتعة الحقيقية.. ألا وهي متعة الاستكشاف والعمل على هذه المادة التي تمثل صوته. متعة النطق، والتعبير، والانزلاق، وفقد الكلمات  ، والتواجد في سعة ونكهة الجمل التي تشكل القصة، وموسيقاها، وعاطفتها. واذا قرأنا بصوت عال أليست دعوة للعبور  وكسر جسور الخوف من الكلمات؟ من يتقدم ليقرأ بصوت عالٍ فهو في صمت.. الصمت الذي ليس تأملًا ولكنه يدعو إلى العبور.. من يتقدم تطأ قدماه جزيرة، جزيرة الكتاب،  لكن هذه المرة مع آخرين سيمشي.  نطق النص شفهيًا، وقدمه للآخرين، وأثار فيهم رغبة جديدة، وهي الرغبة في الاستماع اليقظ والمتجول. وإذا قرأنا بصوت عال، لتعلم رموز الجمع؟ تدريس وتعلم رموز الجمع معرفة المظاهر المختلفة للغة البصرية والموسيقية والإيمائية، عندما تتحد مع اللغة الشفهية والمكتوبة لإنتاج نص جديد ومعقد، يتطلب فهمه وتقييمه وإنتاجه بمهارات متنوعة.. وأليس التعامل مع رموز الجمع، والقراءة بصوت عالٍ بشكل ملموس، يعملان معًا حتى يحصل المتعلمون  على نتائج أفضل في جميع الأعمال الفكرية وحتى اليدوية. إن تنفيذ سلسلة من التماربن مباشرة بعد الاستماع  مثل التمثيل الرسومي والصوري، الحوار مع الكبار، وتوضيح اللغة والمحتوى، والمناقشة، والاستئناف سيعزز اكتشاف اهتمامات الطفل الواسعة والمستقلة وظهور  آفاق ستثير الاهتمام أكثر للكلمة المكتوبة  وتربط اكتشافها بلحظات من الإشباع الشديد، ويمكن لهذه التمارين أن تتولى أيضًا وظيفة الراحة العاطفية وتؤثر بشكل إيجابي على  التطور الفكري والنمو كما اشرت وتوسيع المعرفة وإثراء الخيال والتراث اللغوي وتحسين التفكير النقدي وتكوين ضمير أخلاقي واضح. فإن القراءة، كصوت مسموع ومرئي، تُثري الكفاءة التواصلية العامة لتعزيز: - العلاقات المعرفية التي يتم من خلالها دمج المعلومات الجديدة مع الخبرات المتراكمة  بالفعل. - العلاقات الحسية عن طريق المظاهر التي  يعبر عنها النص المكتوب. - العلاقات المنطقية التي تحدد الزمان والمكان، والسبب والنتيجة، والجزء والكل، والجنس والأنواع. العلاقات الخيالية التي تسهل تصنيع الأنماط الشخصية. القراءة بصوت عالٍ والاستماع الإبداعي القراءة بصوت عالٍ، باعتبارها نشاطًا إبداعيًا وليست آلية مملة، تتيح لك إنشاء علاقات  جديدة دائمًا مع العالم المحيط. الاستماع بشكل خلاق ممكن عندما يحقق الشخص الذي يقرأ ذلك بشكل جيد. واذا قرأنا بصوت عال.. القراءة بصوت عالٍ تفسير يساعد الطالب على فهم الهياكل النحوية والنصية، بشكل أكثر صرامة ودقة.. ويتجلى هذا بشكل خاص بقراءة المسرح والقصص الدرامية. وهذا هو الحال أيضًا عند قراءة المذكرات والرسائل والمقالات بصوت عالٍ، عندما نرغب في مشاركة المعلومات أو مقارنة الآراء أو التصديق على البيانات لأن هذا النوع من القراءة يسهل التفكير المشترك.  الأهم أن يكتسب الطلاب عادة القراءة بصوت عال بأشكالها ووظائفها المختلفة وأن يفعلوا ذلك مع نصوص من مؤلفين وأساليب مختلفة.. لكل نوع من النصوص يلزمنا طريقة بالقراءة. القراءة بصوت عالٍ، والسعي لتحسين الكلام، وتطوير سرعة القراءة المناسبة وتحفيز الاهتمام بالقراءة، ولكن أيضًا الاستماع والاستعداد للممارسات الشفهية الأخرى. وإذا قرأنا بصوت عال..   قراءة القصص لأطفالي، كنت  أعيد تاريخ تقليد كان يمارسه والدي وأجدادي.. بالنسبة لي، تكمن إحدى فوائد القراءة بصوت عالٍ في تجسيد كيفية بناء طقوس التواصل بين الأجيال. يمكن لأفراد الأسرة أو الأحباء نقل حب القراءة للأطفال من خلال مشاركة القصص معهم.  وما زلت حتى اليوم اقرأ وبناتي ايضا وبصوت  عال  "الأمير الصغير، ذات الرداء الأحمر، بيضاء الثلج والأقزام السبعة، الحسناء النائمة، الإخوة الثلاثة".. إلخ من هذه التحف القصصية.  بمجرد إتقان القراءة، فإن الأطفال هم الذين يشاركون قصصهم المفضلة مع البالغين في منزلنا فيقرأون القصص لبعضهم البعض في المساء وهذا يذيب قلوبنا كآباء بتفاؤل وسعادة لاتوصف. ناهيك عن أن القراءة بصوت عالٍ تعمل أيضًا على تحسين المهارات اللغوية، خاصة عند تعلم وممارسة لغة ثانية في المنزل.. ومن خلال الاصغاء إلى المغامرات، التي تضفي ثراء على الأطفال ومفرداتهم وفهمهم الشفهي وتشجعهم لحظة المشاركة هذه أيضًا على طرح الأسئلة لفهم كلمة أو تعبير بشكل أفضل.  واذا قرأنا بصوت عال.. كائنات الحوار والمشاركة والحركة التي نحن عليها، تعيش من سحر اللقاءات، وتموت من غيابها.. كل لقاء مع الكلمات بصوت عال يعيد اختراعنا على الفور سواء كان ذلك لقاء منظر طبيعي، أو قطعة فنية أو كتاب أو مسرح.. اليس للقراءة بصوت عال فوائد خارقة؟ آخر مرة قرأت فيها بصوت عالٍ كانت الليلة الماضية، مع أحد المسنين الذين أرافقهم في آخر مراحل مرضهم: بضع صفحات من كتاب تشارلي ومصنع الشوكولاتة لرونلد دال.. من المنطقي لشخص لديه أطفال، قد تقول. ولكن أبعد من ذلك، كانت القراءة بصوت عالٍ جزءًا لا يتجزأ من حياتي، مثل خيط مشترك، لفترة طويلة ومازالت حتى اليوم ولاخر نفس في  حياتي.. ولا أنسى ذكريات محفورة في مخيلتي، وحبوب اللقاح لمشروب الطاقة الرومانسي وهو القراءة بصوت عال.. مع أحد أقاربنا، عندما كنا مراهقين، كنا نقرأ في كثير من الأحيان لبعضنا البعض: قصائد ومقاطع من الروايات، وقبل كل شيء - كان لهذا تأثير  على قصص قصيرة رائعة للمؤلف الأمريكي إدغار بو في القرن التاسع عشر وقصص طه حسين ونجيب محفوظ، وجبران وهوغو،  وآخرين ، عند حلول الظلام، كان الاستماع إلى صوت ابن عمي وهو يقرأ في المنزل الريفي الواسع يضيف إلى القصة الخارقة للطبيعة، إلى حد جعلها واضحة. كان هناك شيء رائع في قراءات المساء هذه. لقد جعلونا متواطئين. وتبقى محفورة في ذاكرتي، في قسم الحنين «اللحظات الثمينة». وإذا قرأنا بصوت عال.. ليس له نهاية اختر كتابًا يروق لك.. رواية، أو مجموعة شعرية، أو مقالة، يجب أن تكون لديك شهية حقيقية، ومتعة لفكرة سماعها ثم ابدأ واستمتع بايقاع الكلمات التي تخترقك وتغزوك وتستقر في عقلك، فتتشكل في فمك وترن في أذنيك.  تواصل مع جسدك، من خلال نغمات واهتزازات صوتك. إذا شعرت بذلك، اغتنم الفرصة لتسجيل نفسك: سيساعدك هذا على تحسين أسلوب حياتك.

 

 

أستاذة متخصصة في الأدب الفرنسي واللغات والفن الدرامي، من جامعات السوربون في  باريس.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز