عاجل
الثلاثاء 16 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
قولنا في وحدانية الله تعالى

قولنا في وحدانية الله تعالى

منذ أن وجد الإنسان على سطح البسيطة ويسعى سعيا حثيثا لمحاولة الوصول، ليس الوصول وحسب، بل محاولة التعرف على موجده الذي تسبب في وجوده، وأنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون وجوده هذا كواقع متعين، مادة وصورة، شكلا وموضوعا، لا يمكن أن يكون صدفة أو اتفاقا، لماذا؟!، لأن المصادقة قد تتحقق وتقع، مرة أو مرتين أو حتى عشر مرات، لكن بهذه النسقية التناغمية والسيميترية لا يمكن أن تكون بمحض الصدفة.



إذا بات جل اهتمامه أن يصل إلى العلة الفاعلة التي نشأ عنها هذا الإنسان، وهل هذه العلة متعالية مفارقة لعالمنا الذي نحياه أم أنها متحيزة ومتعينة ومتحققة فيه، وإذا كانت كذلك فلماذا لا نراها رؤيا العين المجردة، كفرعون مثلا الذي استخف قومه فعبدوه، أو كمن شطحت بهم عقولهم وألهوا الطبيعة، وعبدوا الشجر والحجر والبقر، زد على ذلك من تاهت عقولهم في ظلمات جهالاتهم فعبدوا الإنسان كمثال فرعون وبوذا وغيرهما.

أو كمن جنجت بهم عقولهم عن الجادة والصواب، وقاموا بعنصرة المادة وألهوها، كمن عبدوا النار، الزرادشتية الفارسية.

أو كأولئك الذين هدتهم عقولهم ودرسوا ومحصوا وتأملوا الطبيعة الكونية ووصولوا من خلالها إلى بحث ميتافيزيقي صعوداً إلى عالم ما ورائي وصلوا معه إلى عالم مثالي ليس ضربا من خيال أو هوى شيطان فوصلوا إلى مثال المثل، ثابت لا يتحرك والكون كله متحرك بحركات عديدة سواء حركات من أعلى إلى أسفل أو العكس أو من يمين إلى يسار، أو حركات دائرية ولا يمكن أن تتحرك تلقائيا ومن ثم لزم وجود محرك ثابت لا يتحرك، والكون كله يتعقله، لأنه عقل وعاقل ومعقول، وعشق وعاشق ومعشوق.

ثم يدور الفلك دوراته ويتعاقب الليل والنهار، وتمر السنوات تلو السنوات، ويزداد الإنسان حيرة كلما اتقدت قريحته كثر سؤاله وتاق فؤاده، ولم تهدأ ثائرته، يريد أن يصل إلى كنهه، حقيقة الإله، فيتجلى الإله في أبهى صوره ماحيا ظلمة الجهالات، ويتفضل على خير مخلوقاته وينزل الشرائع ويبعث الأنبياء والرسل ليجيبوا عن هذه التساؤلات الحائرة، هل هناك إله، وأين هو، وما حقيقته، وما علاقته بالكون، ولماذا خلقنا، وما حقيقة الخير والشر فى العالم وهل معتن بخلقه أم تركهم هملا؟!

فخلق العرش والكرسي، واللوح، والقلم، والملائكة، وخلق السموات، وخلق آدم وعلمه الأسماء، وخلق الأراضين بمن فيها وعليها، واهبط آدم إلى الأرض، كل ذلك لماذا، لأنه كان كنزا مخفيا، فخلق الخلق جميعا ليتعرفوا عليه من خلاله.

وأرسل الأنبياء والرسل مبشرين ومنذرين ليعلموا الناس بحقيقة الإله ووحدانيته نافين عنه صفات المخلوقات، وأنه واحد دونما اثنينية أو ثلاثية، دونما تبعيض أو تجزؤ أو حلول أو اتحاد فكانت دعواتهم جميعا أن اعبدوا الله الواحد الأحد.

لكن ما الدافع الذي دفع الإنسان إلى البحث عن الإله، الوازع الداخلي، الفطرة الخيرة التي أودعها فيه هذا الإله، التي تحركنا جميعا وتدفعنا دفعا إلى التنقيب عنه، المنطقية العقلية التي تحتم علينا ألا نقف دونما تأمله والبحث عنه إشباعا لنهم داخلنا، إبرازا لتلك الملكة الربانية التي بداخلنا، ملكة التعقل والفهم والاستبصار.

ومن هذا المنطلق انقسم الناس في بحوثهم إلى فريقين، أولهما فريق التسليم والإيمان المطلق بوجوده دونما بحث عنه. والثاني الفريق البحاث الذي صال وجال منقبا معملا عقله مقدما أدلة على وجوده، استقاها من العالم الذي يعيش فيه، مما يشاهده من عناية فائقة ومعجزات، ونظام وغائية وعلية وسببية وأن هذا الكون لا بد أن يكون له مدبر ومبدع.

وهذا ما شاهدناه عند الفلاسفة سواء فلاسفة الإسلام أو المسيحية أو اليهودية أو فلاسفة العصر الحديث مع اختلاف الإطلاق للمسميات.

لكن كل هذه المسميات تشهد بالألوهية والربوبية لإله واحد خالق بارئ، هو الإله، سواء كان مطلقا أو تراستنداليا.

فالله تعالى حقيقة وهو الضامن لكل حقيقة وهو المتعالي، الظاهر الباطن، الأول والآخر، ظهوره في بطونه وبطونه في ظهوره، الذي تجتمع فيه كل الأضداد، الأول فلا شيء قبله والآخر فلا شيء بعده، أول بلا ابتداء وآخر بلا انتهاء.

ويظل البحث عن الإله دأب وديدن الإنسان في كل زمان ومكان. وهذا سر عظيم أودعه الله تعالى عقول عباده وآمنت عليه وآمنت به قلوبهم.

 

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز