عاجل
الثلاثاء 21 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي

د. حسام الإمام يكتب: مديري العزيز.. شكرًا

د. حسام الإمام
د. حسام الإمام

ليست هذه المرة الأولى، ولا أظنها سوف تكون الأخيرة، التي أتـحدث فيها عن النرويج وذكرياتي فيها أثناء عملي كبيرًا للباحثين في أحد أكبر جامعاتها، جامعة برجن، فقد خصصت لذلك سلسلة من المقالات السابقة. لكنني أخصص هذا المقال للحديث عن مديري في الجامعة، لما تمتع به من سلوكٍ راقِ وإدارة رائعة لمجموعة كبيرة من كبار الباحثين، فعلها بمنتهى المهارة والدقة التي لا تخطئها العين، والتي تجعل منه قدوة ونموذجًا في الإدارة يجب أن يحتذى به. تحية وتقدير لمديري وصديقي العزيز الذي علمت بمرضه الشديد ودعوت الله أن يشفيه، فقد قضينا سويًا أجمل الأيام وحققنا أفضل النتائج، وكان في أدائه مهامه وقيادته لنا قدوة يتحدث عنها الجميع وما زالوا. لم أتصور، وأنا أصل إلى مطار برجن، في العام الثاني من عملي بالجامعة، أن أجده يقف في صالة الوصول حاملًا لافتة مكتوبًا عليها اسمي، توجهت إليه وبعد تبادل التحية أخبرني أنه جاء ليصطحبني إلى محل إقامتي، الذي أعدته لي الجامعة. جلست إلى جواره في السيارة فوجدته يبادرني متسائلًا: يبدو أنك لا تتذكرني؟ كنت أعمل معك في نفس المبنى العام الماضي، ولطالما تقابلنا وتبادلنا التحية عند ماكينة القهوة. فلما تأملت وجهه قلت له: نعم تذكرت؟ اعذرني، أنت تعمل في قسم العلاقات العامة بالتأكيد، أليس كذلك؟ كان توقعًا بديهيًا لشخص وجدته ينتظرني في المطار، هذا هو عمل أفراد قسم العلاقات العامة في أي مكان.



 

لكنني فوجئت به يخبرني بمنتهى البساطة والهدوء أنه المدير الجديد للقسم الذي أعمل به! عقدت المفاجأة لساني، ولو أنني في مكان آخر لأنفقت وقتًا في الاعتذار، عساه يقبل اعتذاري. معنى ذلك يا سادة أن رئيسي المباشر في الجامعة، وهو أستاذ كبير في تخصصه، ينتظرني في المطار بنفسه، حاملًا في يده لافتة تحمل اسمي، ثم يقود السيارة بنفسه، ثم أجده يحمل حقائبي معي إلى الغرفة بنفسه، وأخيرًا يعتذر لعدم توافر بعض المستلزمات المعيشية في الغرفة، ويعدني بأنها سوف تكون جاهزة في اليوم التالي! من المواقف التي لا أنساها لهذا المدير الماهر في إدارته، المبهر في أسلوبه، يوم أعلنت له رغبتي في حضور مؤتمر ينظمه أحد المراكز البحثية في الهند، فوجدته يقترح أن أبحث عن مشاركة في مؤتمر آخر يكون مكانه أقرب للنرويج، وذلك لارتفاع تكاليف السفر إلى الهند، وبالفعل وافق على حضوري مؤتمرًا في مدينة فرانكفورت بألمانيا. لكنني فوجئت بهذا المدير المهذب يأتي في يوم إلى مكتبي ويستأذنني أن ألتقيه في مكتبه بعد الانتهاء من عملي. فوجدته يخبرني بمنتهى الأسف باستحالة مشاركتي في المؤتمر الذي سوف ينعقد في ألمانيا لالتزام القسم بعمل مهم خلال نفس الفترة.  أبديت له أنني قد تقبلت الأمر بهدوء ونفس راضية، لكن الحق أقول أنني كنت حزينًا، لم أشارك في مؤتمر الهند وها هو المؤتمر الآخر في ألمانيا ينقض عليه جدول أعمالنا في الجامعة ليحرمني المشاركة فيه. استأذنته في الانصراف لكنه فاجأني قائلًا: ماذا عن المؤتمر الذي كنت تريد المشاركة فيه في الهند؟ هل لا تزال هناك إمكانية لحضوره؟ أجبته وعلامات الدهشة واضحة على وجهي، فقد رفض ذلك من قبل وكان له مبررات مقبولة جدًا، قلت: نعم، قال حسنًا تواصل مع اللجنة المنظمة للمؤتمر، سوف تشارك. ذكرته بارتفاع تكاليف المشاركة والسفر فوجدته هذا الرجل الرائع يقول، اسمعني جيدًا، لقد أخطأت عندما تسرعت ووافقت على سفرك إلى ألمانيا قبل مراجعة جدول أعمالنا، وتصحيحًا لهذا الخطأ سوف أوصي بسفرك إلى الهند ولو تحملت النفقات بنفسي! وفعلًا وافقت الجامعة على توصيته وسافرت وحضرت المؤتمر في الهند. موقف آخر أكد لي رأيي في هذا المدير. في أحد الأيام قابلت مديري السابق وسألني عن حالنا مع المدير الجديد؟ الحق أقول إنني قد احترت في الإجابة عن سؤاله، ربما تضايق إن أخبرته برضائنا الكامل عن المدير الجديد وأن أداءه أفضل منه، ورغم ما لي من خبرة بأهل تلك البلاد بحكم عملي فيها، اكتشفت في تلك اللحظة أن هناك الكثير لا يزال خافيًا عني. وجدت المدير السابق يقول: أنا على يقين أن أداءه أفضل من أدائي، أعلم أن لديه أفكارًا جديدة رائعة، وأعلم أنه ماهر في التعامل مع الآخرين ولا يتأخر في تقديم كل ما يفيد العمل.

 

 

فانطلق لساني بما في قلبي، وأخبرته بما فعل معي للسفر إلى الهند، وبما يفعله مع زملائي الباحثين وسألته: لقد أخبرني أنك الذي رشحته ليتولى ذلك المنصب من بعدك، هل هذا صحيح؟ فقال: نعم صحيح تمامًا، فلديه مزايا تمكنه من ذلك وتجعل منه إضافة رائعة للمكان، وهذا بالتأكيد سوف يساعد على تنفيذ أهداف القسم ونجاحه.  الرائع في تلك اللحظة لم يكن الكلمات التي نطق بها مديري السابق، ولكن شعوري بصدقها وحرارتها، وأنه ما نطق بها إلا دفاعًا عن المستقبل.

 مدير المركز الإقليمي لأخلاقيات المياه

[email protected]

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز