عاجل
الأحد 11 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فن الدبلوماسية.. مفاهيم الدبلوماسية الشعبية «2»

فن الدبلوماسية.. مفاهيم الدبلوماسية الشعبية «2»

تعرَّف الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة بأنَّها (السَّبق الإعلامي من قِبل المواطن العادي)، ويُعَدُّ المواطن هو المراسل والمحرِّر والمصوِّر؛ لأنَّه سوف يبثُّ الخبر بأقصى سرعة وضِمْنَ مصداقية إن وجدت الدلائل والبراهين، وبالتَّالي نحن لا نحتاج إلى سياقات العمل الإعلامي الروتيني في نشرِ الخبر الذي يكرَّر بعدَّة حلقات لكَيْ يتمَّ بثُّه.



 

إنَّ التسارع اللافت للنظر جعل الدبلوماسيَّة العامَّة تعتمد عليها كثيرًا، وخصوصًا بعد انتشار الهاتف النقال وما يحتويه من برامج حديثة خلاف ما كنَّا في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث نحتاج إلى وقت طويل لكَيْ تصلَ لنا المعلومة. المدارس اليابانية التكنولوجية، وكذلك الأميركيَّة، تتسابق في إدخال أحدث البرامج لإثبات السَّبق الصناعي والتكنولوجي لها، لذلك بدأت المعاهد المتخصِّصة بفنِّ الدبلوماسيَّة تؤكِّد على فنون واستخدامات الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة والتي أطلقت عليها (دبلوماسيَّة الهاتف النقال) والذي يؤدي دَوْرًا جوهريًّا في نقلِ الحدث بصورة سريعة وحقيقيَّة بعيدًا عن التحليل والمحتوى والمرسل؛ لأنَّ المحتوى قد يكُونُ مبالغًا فيه أو غير دقيق بسبب عدم مهنية وثقافة المواطن الإعلامي الذي يرسل الخبر. ومثال ذلك هو الفاجعة بسقوط طائرة الرئيس الإيراني الراحل الدكتور إبراهيم رئيسي والوفد المرافق له، حيث تمَّ إرسال الخبر بواسطة الهواتف النقالة من فريق البحث وهم ليسوا بمراسلين أو إعلاميين أو صحفيين وإنَّما من الهاتف النقَّال الذي لديهم، حيث تمَّ بثُّ صوَر للجميعِ من مكان الحادث، ولكن التحليل والمحتوى عن سقوط الطائرة هل هو:(خلل فني، أنواء جويَّة، تشويش إلكتروني، عملية مدبَّرة، وبقيَّة المفردات التحليليَّة) والتي لا يُمكِن للمواطن الإعلامي بوضع النقاط فوق الحروف؛ لأنَّ هذا ليس من تخصُّصه، ويبقى المصدر الرَّسمي المعتمد هو من الجهة الحكومية التي تقوم بالتحقيق وجمع الأدلَّة في ساحة وقوع الحادث، وهذا أكبر من عقلية الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة. بدأت الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة تدخل كُلَّ مجالات الحياة اليوميَّة بعيدًا عن الاعتماد على المراسلين المعتمَدِين للوكالات الصحفيَّة.. وغيرها، فنلاحظ في الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة الرياضيَّة يتمُّ نقل الحدث من متفرج جالس في الملعب بلقطات، وإن كانت غير مهنيَّة ولكنَّها مهِمَّة للغاية، وهو ما يحصل في بعض الملاعب من شغب بين الجمهور فيكُونُ المواطن الإعلامي هو المصدر استنادًا إلى الفيديو والصور المسجَّلة في هاتفه.. وغيرها من المشاهد الإيجابيَّة أو السلبيَّة، وهو ما يُسمَّى الآن بالدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة الرياضيَّة. وهناك أيضًا تؤدي الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة والقوَّة النَّاعمة دَوْرًا جوهريًا بفنِّ الدبلوماسيَّة والعلاقات الدوليَّة والخطط الاستراتيجيَّة، حيث تركز، كما يقول جوزيف ناي (Joseph S. Nye)، على: (قدرة التأثير للحصول على النتائج التي يريدها طرف ما من خلال الجذب بدلًا من الإكراه)، وهذه القوَّة تختلف عن القوَّة الصلبة التي يتمُّ استخدام فيها الإكراه والتهديد بالقوَّة العسكريَّة واستخدامها.

 

إنَّ الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة هي بمثابة أداة للقوَّة النَّاعمة التي تسعى من خلالها الدوَل إلى نشرِ قوَّتها في النظام العالمي عن طريقها ومن خلال نشرِ قِيَمها ونُظُمها وثقافتها، حيث تسعى إلى جذب شعوب العالم بأساليب إقناعيَّة. وفي هذا السياق قد تمَّ تحديد ثلاثة أبعاد يُمكِن أن تعملَ عليها الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة، البُعد الأوَّل يتمثل بالتواصل اليومي من أجْلِ شرح القرارات السياسيَّة الداخليَّة والخارجيَّة التي تتخذها الدَّولة وذلك من خلال التركيز على الصحافة. أمَّا البُعد الثاني فيتمثل بالاتصال الاستراتيجي من خلال تطوير مجموعة من الموضوعات مِثلما يتمُّ في الحملات السياسيَّة أو التجاريَّة، وذلك من أجْلِ التخطيط لحملات مرتبطة بدفع السياسة الحكوميَّة. أمَّا البُعد الثالث للدبلوماسيَّة العامَّة الذي يشير إليه ناي فيتمثل بتطوير العلاقات الدَّائمة مع الأفراد الرئيسين على مدى سنوات عديدة من خلال المنح الدراسيَّة والتبادلات والتدريب والندوات والمؤتمرات والوصول إلى القنوات الإعلاميَّة. وفي الختام إنَّ من أهمِّ سِمات الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة أنَّها دبلوماسيَّة علنية تخاطب الجماهير، وتعمل لتبادلِ المعرفة وبناء الصوَر الذهنيَّة، وكُلُّ أنشطتها متاحة لوسائل الإعلام وللنشرِ عَبْرَ الإنترنت بعيدًا عن التدقيق المنطقي والسياسي واللغوي، فهي ليست دبلوماسيَّة رسميَّة سريَّة، ولا تهدف لعقدِ اتفاقيات أو معاهدات وتنشر الخبر بِدُونِ موافقات أو مراقبة إعلاميَّة لتحديدِ المقبول من عدمه، وإنَّما يكُونُ الرأي المطروح متاحًا للجميعِ، وعلى المواطن الإعلامي أن يكُونَ هو المسؤول الأوَّل والأخير عمَّا يتمُّ نشرُه من هاتفه، وهذا ما حصل في المظاهرات السلميَّة في الجامعات الأميركيَّة لدعم أهلنا في غزَّة والتي اتَّهمت الطلبة بالتخريب والهجوم على المحالّ، بينما أثبتَت الصوَر والفيديوهات المرسلة للجميعِ عكس ما تمَّ تلفيقه على الطلبة من بعض وسائل الإعلام المدفوعة الثَّمَن لغرضِ التشويش والتشويه على أهداف المَسيرة الطلابية السلمية المناهضة ضدَّ الإرهاب الصهيوني في أرض الأنبياء فلسطين الحبيبة.

 

دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز