عاجل
الخميس 20 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
القوة الناعمة المصرية.. التحول الرقمي والصناعات الثقافية

القوة الناعمة المصرية.. التحول الرقمي والصناعات الثقافية

لا توجد دراسة أكاديمية موثقة بشأن ما هو متواتر بوسائل الإعلام، الذي يتم نقله من مقال لمقال ومن دراسة لأخرى عن أن حجم التجارة العالمية في الصناعات الثقافية والإبداعية قد تجاوز تجارة السلاح والنفط والغذاء والدواء، وذلك في حدود ما وصل إلى علمي.



هناك مبالغة في مسألة الصناعات الإبداعية والثقافية وعلاقتها بالتحول الرقمي دولياً.

كانت الاتصالات في النصف الأول من القرن العشرين دالة على المستوى الاجتماعي، وكانت الأرقام الهاتفية في المنازل والمكاتب عنواناً على تجاوز الأفراد لمرحلة من التصنيف المادي على المستوى الاجتماعي.

ومع تطور وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي وغيرها أصبح العالم مع بداية القرن الحادي والعشرين عالمين، إذ حضر العالم الافتراضي جنباً إلى جنب مع العالم الواقعي وأصبح امتداداً له. بل وأصبح العالم الافتراضي قادراً على تحقيق تغيرات نوعية في العالم الواقعي. لا شك أن الأفكار صارت في عالمنا المعاصر أهم بكثير من رأس المال المادي ولكن وبتأمل تاريخ الإنسانية، يمكن لنا أن نتأكد أيضاً من أن الأفكار كانت هي الأهم والأكثر تأثيراً من رأس المال المادي منذ أن عرف البشر النقود.

وهكذا أصبحت الأفكار والمعلومات اقتصاداً كبيراً معاصراً، أتأمل ذلك بينما أستعيد عدداً من المعلومات عن حكم قضائي أمريكي صدر بشأن ممارسة محرك البحث "جوجل" الاحتكار في عالم الشبكة الدولية للمعلومات.

ومن ثم فالتفكير في امتلاك محرك بحث مصري حلم كبير جداً، إذ يجب أن نفكر في أفق رحب وبأفق توقع وترقب يستهدف أهدافاً كبرى، عندما نتحدث عن التحول الرقمي والمعلومات وإدارة اقتصاد المعرفة، ولعل مسألة الصناعات الإبداعية والثقافية تكون بالنسبة لنا في مصر هي المجال الحيوي القابل للتفاعل الجاد المؤسسي والاحترافي معاً، في عالم الاقتصاد والصناعة الرقمية.

وبالعودة لرؤية مصر 20/30 يمكن بسهولة رصد الاهتمام الواضح بالصناعات الثقافية والإبداعية. وهو الأمر الذي يجعلها مصدراً هاماً كقيمة مضافة للاقتصاد المصري، ومجالاً نشطاً لقوة مصر الناعمة في المحيط الإقليمي والدولي.

ولا يحتاج الأمر مجدداً لتعريف الصناعات الإبداعية والثقافية إلا أنها بالتأكيد ووفقاً لثروة مصر البشرية، وتاريخها الطويل في الحضارة، واهتمام أهل مصر بالحرف اليدوية والغناء والشعر والرقص والدراما والتقنية والكتب والكتابة والمسرح والسينما والموسيقى إلى كل الفنون التي احترمتها مصر من فنون البسطاء وحرفهم، حتى إنتاج الأفكار والرؤى عن الحياة والعالم من إبداع الأميين إلى إبداع العلماء والمفكرين والفنانين، لهي ثروة بشرية كبرى. ولذلك فالصناعات الإبداعية والثقافية بالتأكيد هي أحد أهم موارد الاقتصاد في مصر، لأنها الصناعات التي تقوم على رأس المال البشري.

ولذلك وبينما تطرح وزارة الثقافة مشروعها للتحول الرقمي، فيجب أن نطرح السؤال المعاكس على سبيل التفكير الداعم الواجب على كل من يملك مقدرة على ذلك، ألا وهو:  هل استولت المصالح التجارية على الثقافة؟ وهل للثقافة الجماهيرية في إطارها الاتصالي عبر وسائل الإعلام ثم عبر التواصل الرقمي أثر سلبي على القيم الثقافية الأصلية؟ ولذلك فالفن والثقافة لا يمكن لنا أن ننسى أبداً أنهما أشكال التعبير الإنساني عن القيم بغض النظر عن العوائد الاقتصادية، ولذلك فالعوائد الأخرى لهما ضرورة للهوية الوطنية وللتنمية المستدامة.

أما على صعيد سيولة الثقافة الجماهيرية واختلاطها مع فنون التسلية المتعددة، فقد أصبحت أمراً واضحاً ويجب الحذر منه خاصة مع العالم الافتراضي واسع الانتشار ومع سيطرة محرك البحث جوجل على التداول السهل منخفض التكاليف.

ولعل الأيام القادمة تشهد تغييراً نسبياً محتملاً في عالم المعلومات والاقتصاد والإعلام والفنون والثقافة على الصعيد الرقمي.

ولذلك فالاقتصاد الإبداعي والتحول الرقمي على اشتباكهما لا يجب فقط النظر لهما كمكسب اقتصادي، بل ضرورة لتعزيز الهوية الثقافية والاجتماعية للمواطن المصري.

ولعل في هذا الباب يجب الاهتمام بالفنون والأنواع الثقافية التي تقوم على الحضور الإنساني الاجتماعي الحي واللقاء المباشر.

وفي هذا فوزارة الثقافة المصرية تملك من البنية التحتية والإمكانيات البشرية ما يجعلها قادرة على تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد المصري في فنون العالم الواقعي وثقافته وفي فنون العالم الافتراضي الرقمي خاصة وأنها تملك منصة رقمية تحتاج للتطوير، إذ باتت الإرادة السياسية بشأن النظر للثقافة والفنون كصناعات إبداعية وثقافية ضرورة، بعيداً عن الاستقطاب التاريخي بين الفنون الخدمية غير الهادفة للربح، والفنون التجارية.

مصر قادرة حقاً لأنها تملك من الثروات البشرية ما لا يحتاج إلى تجهيز وإعداد وتطوير، بل لديها عبر مخزونها الاحتياطي من المواهب والمبدعين ما يمكنها من ذلك، في صناعات يجب ألا ننظر إليها نظرة رمزية معنوية، بل والعمل على تغيير طريقة تفكير وأداء المؤسسة الرسمية الثقافية نحو إدراك امتلاكها لأكبر قوة في عالم القوى الناعمة، فقط تحتاج لمن يراها صناعات كبرى قادرة. خالص تقديري لاهتمام وزارة الثقافة مجدداً بالتحول الرقمي، وأتمناه يستهدف الصناعات الإبداعية والثقافية الكبرى.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز