طارق الشناوى
مريت على بيت الحبايب.. فى (كان)
بالصدفة، قادتنى قدمى فى اليوم قبل الأخير فى مدينة (كان)، وقبل أن أعود للقاهرة، إلى شارع قريب جدًا من القاعات الرئيسية للمهرجان، يبعد نحو 5 دقائق سيرًا على الأقدام على أكثر تقدير، قرأت اليافطة، فندق (إيماراتيه)، توجهت بعينى لا شعوريًا نحو البلكونة فى الطابق الثانى من الفندق، حيث ظل الراحل وحيد حامد يقطن منذ الثمانينيات فى هذا الفندق.
بدأت علاقتى مع المهرجان مطلع التسعينيات، وظل وحيد حتى قبل رحيله بعامين أو ثلاثة على أكثر تقدير لا يخلف أبدًا موعده فى الحضور، والمشاهدة لعشرات من الأفلام لتجديد بطارية إبداعه، حتى يظل معاصرًا للتكنيك العالمى الحديث فى كتابة السيناريو، وهذا هو أحد أهم اسرار وحيد، أنه لا يتعالى أبدا على تحصيل الجديد.
فى المهرجانات نكتب عن الأفلام والندوات واللقاءات وحتى الكواليس بكل تفاصيلها، لكننا لا نكتب عن أنفسنا، وعما نشعر به لأننا لسنا آلات تذهب لتغطية المهرجانات، وأعترف لكم أن أسوأ مشاهدة للأعمال الفنية هى تلك التي نجد أنفسنا مضطرين لحضورها فى المهرجانات، لأننا متخمون بكثرة الأفلام التي تتدفق علينا، فى اليوم الواحد قد يصل كم المشاهدات أحيانًا إلى خمسة أفلام، نظلم أنفسنا بقدر ما نظلم الأفلام.. لأنك بعد أن تشاهد الفيلم ينبغى أن تعايشه ليشاهدك الفيلم ويتعايش معك، ولكن كيف يتحقق ذلك وأنت تلهث من شريط سينمائى إلى آخر؟!
تذكرت فى بداية أيام المهرجان، شخصيات عديدة من كبار النقاد والصحفيين كانوا هم بالنسبة لى يصنعون المهرجان.
مؤكد كلهم أعزاء، من على قيد الحياة أو غادرونا، من عاصر مرحلة التسعينيات فى المهرجان يتذكر أننا كنا نطلق لقب (العمدة) على الكاتب الكبير وحيد حامد، وكعادته يصحو مبكرا ويذهب إلى الصالة الصحفية (دى. بى. سى) ويحجز أكثر من 15 مقعدًا، بوضع المجلات السينمائية عليها، بينما من يحظى عن جدارة بلقب (العميد) هو الإعلامى الكبير يوسف شريف رزق الله، الذي كثيرًا ما كان يدخل فى نقاش مع دكتور رفيق الصبان الكاتب والناقد الراحل، لاختيار الأفلام التي ستعرض اليوم، والأفلام الأخرى التي يمكن تأجيلها لأن لها مواعيد أخرى.
عدد الحاضرين تقلص مع الزمن، إلا أن هناك جيلاً من الصحفيات والناقدات الصاعدات، يتشاركن سنويًا فى مكان الإقامة ويحضرن المهرجان على نفقتهن الخاصة، معبرين عن عشق حقيقى للسينما.
هل هناك من السينمائيين حاليًا من له نفس شغف وحيد حامد، يحرص على الذهاب للمهرجان ومشاهدة الأفلام، فى الماضى أتذكر أسماء من النجوم مثل: يسرا ولبلبة ومحمود حميدة ومحمود عبدالعزيز وليلى علوى، كانوا هم الأكثر شغفًا بحضور الأفلام ومناقشتها، ومع الزمن تقلص العدد وتوارت العديد من الحكايات والشخصيات، ربما لا تزال يسرا هى الأكثر حرصًا على التواجد.
ظل عمدة المصريين فى (كان) وحيد حامد يحتل مساحة متميزة فى قلبى وقلوب كل من عرفه، استعدت جزءًا منها وأنا أطل على فندقه الأثير وتذكرت رائعة عبدالوهاب (مريت على بيت الحبايب)، وقرأت له الفاتحة!