"تمرد زنوج الجيتو على رعاة البقر" دراسة في كتاب جديد بدار الجديد للنشر
محمد خضير
صدر عن دار الجديد للنشر والتوزيع، كتاب "تمرد زنوج الجيتو على رعاة البقر" من تأليف الدكتور صديق جوهر الناقد الكندي وخبير الترجمة في الإمارات.
يدور الكتاب في إطار منهجي محدد يستند على مرتكزات نقدية معاصرة تهدف لفتح آفاق جديدة في مجال الدراسات الأدبية والثقافية ذات التوجهات الجيوسياسية تهدف هذه الدراسة الرائدة في الأدب الأفروأمريكي المعاصر التي تجمع بين التاريخ السياسي ومسارات الأدب الأمريكي إبان القرن العشرين إلى دراسة أسباب وتطورات الصراع العرقي والعنصري بين الأغلبية البيضاء والأقلية السوداء في أمريكا من خلال دراسة متعمقة للأدب الزنجي الثوري والاحتجاجي إبان ستينيات القرن المنصرم.
في هذا السياق تهدف الدراسة لاستجلاء الجوانب المختلفة في شكل ومحتوى الشعر الثوري لدى كوكبة من كبار الشعراء الزنوج الأمريكيين- الذين قادوا حركة التمرد والاحتجاج الثوري ضد الحكومة الأمريكية إضافة إلى أدباء آخرين شاركوا في حركة التمرد على السياسات الأمريكية العنصرية المناهضة للزنوج إبان حقبة الستينيات من القرن الماضي، وذلك على خلفية الصراعات العنصرية ذات الطابع السياسي التي نشبت في الولايات المتحدة آنذاك، والتي برزت من خلالها آلية نقدية نضالية جديدة أطلق عليها النقاد الزنوج اسم "نظرية الجماليات السوداء".
تهدف الدراسة إلى التأكيد على أن كتابات الشعراء الأمريكيين الثوريين السود تعد انقلابًا جذريًا في موروث الاحتجاج في الشعر الأفروأمريكي، الذي وضع أسُسَهُ الشعراء السود من العبيد خلال القرن الثامن عشر. وباعتباره امتدادًا أصيلًا لتيارات شعرية سابقة يجيء شعر الأمريكيين السود في النصف الثاني من القرن المنصرم- خاصة إبان حقبة الستينيات- مجسدًا لعناصر من الثقافة والأساطير الزنجية التي تتوَخَّى إيقاظ الوعي العرقي والسياسي للأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية القاطنين في جيتوهات الزنوج الممتدة عبر الفضاء الأمريكي الفسيح.
تشكل أشعار الجيتو الزنجي- التي تمت صياغتها على هَدْيٍ من "نظرية الجماليات السوداء"، الساعية لتسييس الأدب وتفعيل دوره في الحراك الاجتماعي- عناصر من الثقافة والأساطير السوداء التي تعزز قيم النضال والتمرد والثورة ضد الظلم والقهر والاضطهاد.
وفي هذا السياق تعمد الدراسة إلى التأكيد على كون الشعراء السود الأمريكيين، في الستينيات من القرن الماضي، وعلى هدي الأيديولوجية النضالية للنظرية الجمالية/ الأدبية السوداء، حاولوا تطوير موروث الاحتجاج والتمرد الذي بدأه أسلافهم من الشعراء الزنوج الأولين عبر آليات شعرية ثورية تستهدف مقاومة أمريكا البيضاء، وتأسيس عالم أسود جديد في بيداء الشتات الأمريكي، ومن خلال تعبيرهم عن رفض العنصرية والقيم الدينية الغربية، وعن توقهم لتأسيس هوية مجتمعية وإنسانية خاصة بهم خارج نطاق الثقافة الأمريكية البيضاء نحا الشعراء السود، في هذه الدراسة إلى النأي عن الموروث الأدبي الأوروأمريكي، جادين- عوضًا عن ذلك- في استقصاء هوية أدبية قومية وأيديولوجية زنجية قادرة على التعبير عن أحلام وطموحات وآمال الشعب الأسود الأمريكي.
وعلى خلاف أسلافهم الزنوج من الكُتاب والنقاد والأدباء الذين شاركوا في حركة إحياء التراث الزنجي في عشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، فقد اعتمد الشعراء الثوريون الزنوج- إبان الستينيات- في أشعارهم على آليات شعرية تركن إلى الاستخدام المفرط للسجال العنيف، والعبارات النابية، والدعاية السياسية، والخطاب العنصري المضاد، والدعوة للدفاع عن النفس باستخدام القوة، والصدام المسلح مع العنصريين البيض- إن لزم الأمر- ورغم أهمية هذه العناصر التي شكلت الجذور الفكرية والأيديولوجية للشعراء والأدباء الذين انخرطوا في الحركات الأدبية الأفروأمريكية الثورية في الستينيات، إلا أنها قد أفسدت وشوهت نتاجهم الشعري، ومهدت لانهيار حركتهم، وتداعي النظرية الجمالية السوداء التي بشروا بها ودافعوا عنها.
من هذا المنطلق، تذهب هذه الدراسة إلى أن الفشل الذي حاق بثورة ما يمكن للمرء تسميته "الربيع الأسود" الزنجي إبان ستينيات القرن المنصرم والتي رفع لواءها جيل من الشعراء الشبان الذين استلهموا في كتاباتهم التراث الإفريقي و"نظرية الجماليات السوداء" التي ترفض مبدأ "الفن للفن" ذا المنشأ الغربي، وتعزز الدور السياسي للأدب، وما ترتب على ذلك من تصدع وانهيار في ديناميات الشعر الثوري الأفروأمريكي إبان النصف الثاني من القرن العشرين، لا يُعزى فقط إلى إخفاق هؤلاء الشعراء في إشباع الحاجات الروحية لجموع الشعب الأسود الأمريكي، خاصة المُهمشين والمُعدمين من سُكان المعازل البائسة، وفشلهم في توحيد قواعدهم الشعبية لتنهض بمهمة رفض الثقافة الأمريكية البيضاء السائدة، وفشلهم في اختيار قيادة كارزمية واحدة يلتف حولها الشعراء/ الثوار، وعجزهم عن ربط الأمريكيين "ذوي الأصول الإفريقية" بجذورهم العرقية والتاريخية في القارة السمراء، وعدم القدرة على إصلاح ذات البين بين السود الأغنياء المنتمين إلى الطبقة الوسطى الزنجية وبقية مكونات الشعب الأسود في الولايات المتحدة.
بل يرجع الأمر إلى العديد من العوامل المعقدة والمتشابكة، منها ما هو عرقي وما هو اجتماعي وسياسي، وهي عوامل استجدت خلال حقبة السبعينيات وما تلاها، وانطوت على تغيرات في المواقف السياسية والأيديولوجية والفكرية للشعراء والأدباء الزنوج أنفسهم علاوة على تطورات اجتماعية واقتصادية راديكالية طارئة أعادت تشكيل توجهات المجتمع الأمريكي داخليًا وخارجيًا في أعقاب تداعيات حرب فيتنام، وأزمة النفط التي اندلعت عام 1973 إبان حرب العاشر من رمضان/ السادس من أكتوبر بين العرب وإسرائيل، وبينما أدت هذه التطورات إلى إعادة رسم خارطة التحالفات الأمريكية خارجيًا، فقد كان لها أثرُ هائلٌ على الصعيد الأمريكي المحلي حيث سارعت الإدارات الأمريكية لاحتواء الصراع العرقي الداخلي.
لقد سعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة- بدءًا من حقبة السبعينيات- لدعم وتقوية الجبهة الداخلية من خلال طرح المزيد من فرص العمل وفتح آفاق جديدة للحرية تتيح للأقليات المختلفة- التي تشكل الفسيفساء الأمريكي، خاصة الأقلية الزنجية- الاندماج في التيار المجتمعي الرئيس، ما أدى إلى تفكك وإضعاف هيمنة الحركات الانفصالية والثورية التي كانت تدعو إلى الصراع مع السلطة الحاكمة في البلاد، وعلى رأسها التيارات الراديكالية الزنجية المنشقة التي اتخذت من الأدب والفن سلاحًا في صراعها من أجل الانفصال وإنشاء دولة مستقلة للزنوج داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
في هذا السياق جاءت هذه الدراسة الشاملة لتتخذ من كتابات الشعراء الزنوج الأمريكيين مدخلًا لرصد أبرز القضايا الأدبية والنقدية والاجتماعية والسياسية المعاصرة، والتي شغلت الدوائر الأكاديمية والشعبية في الولايات المتحدة خاصة في المجتمعات الأفروأمريكية إبان مرحلة ما بعد الحداثة التي بدأت في ستينيات القرن الماضي.
تبدأ هذه الدراسة بمقدمة قصيرة بعنوان: "نحو نظرية أدبية أفروأمريكية معاصرة" تمهد الطريق أمام الجدل النقدي في الفصول اللاحقة وتحدد الإطار النظري الذي تنطلق منه الأطروحة بأسرها.
وبعد المقدمة يتفرع الكتاب إلى سبعة فصول متتالية تناقش العديد من الأطروحات المهمة على مختلف الأصعدة، وينتهي الكتاب بخاتمة، عنوانها: "سقوط الحلم الزنجي وانهيار الأيديولوجيات الثورية المتطرفة"، تُلخص النقاط والموضوعات المحورية التي تضمنتها هذه الدراسة، التي تعد الإصدار العاشر في سلسلة من الدراسات والكتب باللغة العربية عن الأدب الأمريكي المعاصر، خصصها المؤلف للقارئ العربي من المحيط إلى الخليج علماً بأن جميع المقتطفات النقدية والنثرية والشعرية التي كُتبت في الأصل باللغة الإنجليزية ووردت في هذه الدراسة من ترجمة المؤلف حصرياً.