ترامب من الرئاسة إلى التمرد
الكاتب حسين جرادي: "الانقسام الأمريكي يتجه نحو مزيد من التأزم"
هدى زكي
وقع الكاتب حسين جرادي كتابه الأول "تذكروا هذا اليوم إلى الأبد ترامب من الرئاسة إلى التمرد"، الصادرعن دار النهار للنشر، في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 55، والذي يتعمق فيه بالبحث والاستقصاء عن جذور الانقسام الأمريكي انطلاقا من حادث اقتحام الكابيتول عام 2021..
حسين جرادي صحفي وإعلامي لبناني مواليد عام 1978. بدأ العمل في صحيفة "النهار" اللبنانية منتصف التسعينيات، ثمّ معداً لبرنامج "بالعربي" بقناة "العربية"، قبل أن يغادر إلى الولايات المتحدة في فبراير 2004 للالتحاق بقناة "الحرة" معداً للبرامج السياسية، وبعد عام بدأ بتقديم حلقات من برامج عدة حتى مغادرته القناة في أكتوبر 2018، ومن أبرز هذه البرامج "الحرة تقدم" و"ساعة حرة"، وبرنامج "الجهات الأربع" الأسبوعي من واشنطن، والذي حاور من خلاله نخبة من الخبراء والباحثين في الولايات المتحدة وخارجها لمناقشة السياسات الأمريكية.
فكان لـ"بوابة روزاليوسف" هذا الحوار معه للحديث عن أهم ما تناوله في كتابه بالتوثيق وتأثير بروز الحالة الترامبية وتأثيرها على المشهد السياسي الأمريكي.
في البداية حدثنا عن أهم ما تناولته في كتابك بالتوثيق والتحليل والاستقصاء؟
ينطلق الكتاب من حدث اقتحام أنصار الرئيس دونالد ترامب مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021 في محاولة لمنع الكونجرس من التصديق على فوز جو بايدن بالرئاسة، ليبحث في عمق الانقسام السياسي والحزبي في الولايات المتحدة، مستعيداً تقارير أمنية أصدرتها الأجهزة المعنية عن مرحلة التحضير لذلك الهجوم، ومحللاً خطابات عدة للرئيسين ترامب وبايدن، إضافة إلى تفاصيل عن المرحلة التي سبقت انتخابات نوفمبر 2020 ثم صدور النتائج واقتحام الكابيتول وتنصيب بايدن وصولاً إلى عزل ترامب في مجلس النواب وتشكيل لجنة التحقيق النيابية، مع تفصيل دقيق لتحقيقاتها وجلساتها التي حضرت إحداها في الكونجرس، وبعد ذلك فُتحَت ملفات عدة أبرزها الوثائق السرية في مقرات تابعة لترامب وبايدن، ومحاكمات للرئيس السابق، وحصلت الانتخابات النصفية في نوفمبر 2022.. كل ذلك وثّقته بأسلوب صحفي يعتمد في بعض جوانبه على مشاهداتي الشخصية داخل تظاهرات لأنصار الجمهوريين والديموقراطيين في واشنطن.
يقدّم الكتاب كذلك صورة شاملة عن أبرز الجماعات التي اقتحم أنصارها الكابيتول ومن هم قياديوها وأبرز أفكارهم، إضافة إلى محاكماتهم والأحكام التي وضعت معظمهم في السجون لفترات طويلة.
وفي الجزء الثاني من الكتاب تحليل لكل تلك الوقائع انطلاقاً من سؤال رئيسي عن مصير الديمقراطية الأمريكية في الولايات المتحدة، وهل هي فعلاً في خطر؟ وهل البلاد مقبلة على حرب أهلية في ظل انقسام سياسي واجتماعي غير مسبوق؟ هذه أسئلة طرحتها على باحثين وخبراء أمريكيين في مقابلات خاصة بالكتاب، إضافة إلى مقابلة خاصة مع السناتور الديموقراطي جيمي راسكين، وهو رئيس فريق الادعاء على ترامب في تحقيقات اللجنة النيابية التي شكّلها الديمقراطيون.
ويختتم الكتاب بإطلالة على مشهد الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر 2024 بين بايدن وترامب.
ما مخاطر حادثة اقتحام الكابيتول على تأجيج فكرة الصراع الداخلي والانقسام ومدى تأثيرها على خيارات الناخب الأمريكي؟
وفق العديد من الآراء التي طرحتها في الكتاب، ثمة شبه إجماع على أن أخطر ما في حدث اقتحام الكابيتول هو تقويضه لفكرة التداول السلمي للسلطة في الولايات المتحدة، بمعنى أن عدم رؤيتنا لرئيس خاسر معترفاً بخسارته رافضاً الاعتراف بفوز منافسه هو أمر صادم في بلاد تطرح دائماً مسألة الديمقراطية والانتخابات في مقدمة خطابها السياسي تجاه الدول الأخرى. الحدث ترك تأثيره السلبي الواضح في صورة الديمقراطية الأمريكية في الخارج، وطرح أسئلة جدية عما إذا كان "النموذج الأمريكي" لا يزال يحظى بالمصداقية.
ولا شك في أننا سنشهد الشهر المقبل وبعده محاكمات مهمة لترامب، قد تحمل إجابات أوفى عما تركه حدث اقتحام الكابيتول من تأثير في العمل السياسي الأمريكي.
هل يمكن تكرار حادثة اقتحام الكابيتول مرة ثانية؟
من خلال حجم الانقسام الذي رصدته في الكتاب بعد بحوث ومقابلات عديدة، وما سمعته من مؤيدين للطرفين في الشوارع خلال بعض الأحداث التي تلت 6 يناير 2021، لا يمكنني الجزم بأن حدثاً مثله لا يمكن تكراره. ثمة عشرات الملايين من أنصار ترامب لا يعترفون حتى الآن بأن جو بايدن هو رئيس شرعي للولايات المتحدة، وسيزداد هذا الأمر حدة واتساعاً مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة.
ما توقعاتك للمشهد الانتخابي الأمريكي وفرص إعادة ترشح ترامب وانتخابه في ظل تأثير سياسات بايدن الشرق أوسطية؟
المعركة كما تبدو الآن ستكون بين بايدن وترامب مجدداً، وهذا أمر لا تستسيغه غالبية القاعدة الحزبية لدى الطرفين، كون الناخبين يطالبون بوجوه جديدة وضخّ دماء جديدة في الحياة السياسية والحزبية.
ثمة ثغرة قانونية قد تمنع ترامب من الاستمرار في الترشح وهي في حال أدين بالتمرد على الدولة ومنع تطبيق الدستور في حادثة اقتحام الكابيتول، بموجب الفقرة الثالثة في التعديل الرابع عشر للدستور، وإلا فإنه سيكون مرشح الحزب الجمهوري بفارق شاسع عن نيكي هايلي.
إلى ذلك الحين يجب أن نرصد كصحفيين ومحللين أحداثاً عدة أبرزها ما ستفضي إليه محاكمات ترامب، ومدى قدرة بايدن على الاستمرار وخوض معركة رئاسية جديدة في عمر الثمانين، وكذلك المؤشرات الاقتصادية الداخلية التي يبقى لها الدور الأبرز في الاستحقاقات الانتخابية الأمريكية، من دون أن نغفل أنه في هذه الانتخابات تحديداً سيكون للعامل الخارجي دور مؤثر في نتيجة انتخابات بعض الولايات التي قد تؤثر في النتيجة النهائية، وأقصد الغضب الكبير في أوساط غالبية العرب والمسلمين الأمريكيين من الدعم المطلق الذي يقدمه بايدن لإسرائيل في حربها على غزة، ما سيدفع أعداداً لا يستهان بها إلى مقاطعة الانتخابات كونهم لن يصوّتوا لبايدن ولا لترامب.
مسألة التوقعات قبل شهور عديدة من الانتخابات أفضّل أن أتجنبها من منطلق واقعي، إذ ثمة معطيات غير متوافرة بعد بشأن ما ستفضي إليه محاكمات ترامب، علماً أنه يستفيد منها جماهيرياً وانتخابياً، وكذلك ما سيكون عليه وضع الاقتصاد قبيل الانتخابات، ودائماً من المتوقع بعض الأحداث الداخلية والخارجية التي قد تشكل منعطفاً حاسماً في المشهد الانتخابي.
هل يمكن اعتبار ما شهدته ولاية تكساس الأمريكية مؤخرا من احتدام الخلاف مع إدارة بايدن حلقة جديدة لتأصيل الانقسام السياسي في المجتمع الأمريكي؟
الأحداث الأخيرة في تكساس مهمة جداً وقد تترك تأُثيرها ليس فقط في الداخل الأمريكي بل كذلك في الاقتصاد العالمي، كون الولاية تحتل المرتبة التاسعة بين الأكبر في العالم، وله دور رئيسي وقوي في تمتين الاقتصاد الأمريكي. وتكساس كذلك هي مركز الطاقة في الولايات المتحدة.
وربما ما عزز حديث احتمالات انفصال الولاية عن البلاد أنها كانت فعلاً دولة مستقلة لمدة عشر سنوات قبل نحو 170 عاماً، وصارت الولاية الـ 28 بعد الحرب الأهلية.
وكونها ولاية حدودية معنية مباشرة بأزمة الحدود والهجرة وتأثيراتها الأمنية، وبسبب عدد سكانها الكبير، تحظى تكساس بأهمية مضاعفة، سواء لجهة قوتها السياسية والاقتصادية، أو في الأصوات الانتخابية في المجمع الانتخابي الذي يفوز الرئيس عبر أصواته وليس عبر الأصوات الشعبية (هيلاري كلينتون نالت 3 ملايين صوت أكثر من ترامب في انتخابات 2016 لكنها لم تفز بالرئاسة). لولاية تكساس 38 صوتاً في المجمع الانتخابي فاز بها ترامب في 2020، وسنرى تأثير الأزمة في اتجاهات الناخبين في نوفمبر 2024.
وبذلك فإن الحديث عن انفصال الولاية يفاقم بطبيعة الحال حدة الأزمة، وخصوصاً إذا أضفنا إليه الحديث عن تفاوت كبير بين الولايات الديمقراطية والجمهورية لجهة المستوى المعيشي والوظائف (لمصلحة الولايات الديموقراطية)، وهو ما أرصده في الكتاب أيضاً لأهميته، وبالتالي فإن الانقسام الأمريكي يتجه نحو مزيد من التأزم.