أيمن عبد المجيد
إحباط محاولات شق الصف ورأب الصدع
من الميدان إلى اللجان.. قراءة في «العشرية الإصلاحية» (4)
أكتب هذه الحلقة من سلسلة «من الميدان إلى اللجان.. قراءة في العشرية الإصلاحية»، بالتزامن مع ذكرى 25 يناير، البطولة والفداء في مواجهة الاحتلال البريطاني، بمعركة الإسماعيلية 1952، والثورة التي شهدها ذلك اليوم 2011.
وما بين حدث طوى 72 عامًا، وآخر نازعه التاريخ ذاته قبل 13 عامًا، الكثير من الدلائل والعبر التي نستقي منها، نتائج هذا التحليل في سلسلة ممتدة، تستقي من التاريخ البعيد والمعاصر خبراته، لمواجهة الحاضر بتحدياته، أملًا في مُستقبل أفضل بتوقعاته.
في الذكرى الأولى، كانت مصر شعبًا ومؤسسات، في مواجهة مع المحتل البريطاني الغاصب، يتحد الجميع لتحقيق هدف واحد، استقلال الوطن والإرادة الوطنية، باستثناء قلة قليلة، تشكك في القدرة على تحقيق الهدف، وتحكمها مصالحها مع المحتل.
كان فدائيو شعب مصر، ينظمون صفوفهم، في سرية تامة، يوجهون ضرباتهم للاحتلال في مدن القناة، بينما كانت الشرطة المصرية، توفر لهم الحماية، قدر المُستطاع، رافضة ضغوط المحتل .
نهاية يونيو 1882، عقدت الدول الاستعمارية الكبرى مؤتمر الأستانة لمناقشة ما أسموه "القضية المصرية"، التي تفاقمت من وجهة نظرهم، بسيطرة عرابي باشا على الجيش والحكومة، وهو ما عرف بالثورة العرابية التي حاول خلالها الضابط المصري أحمد عرابي انتزاع استقلال الجيش والدولة.
كان هذا التحرك الدولي، دليلًا على إدراك المستعمر البريطاني والفرنسي والعثماني، وغيرهم لأهمية مصر الجيوسياسية، وخطورة ظهور قائد وطني من أبناء الشعب، قادر على قيادة الجيش.
لم يكن مؤتمر الأستانة إلى تقاسم المصالح، واستئذان المستعمرين بعضهم البعض، للحفاظ على مصالحهم، وانتهى الأمر بتحرك بريطاني منفرد لاحتلال مصر عبر الإسكندرية، ثم القاهرة بعد معركة التل الكبير، وصولًا إلى احتلال منطقة قناة السويس.
ليستمر الاحتلال والمقاومة المصرية حتى يناير 1952، مع تزايد طغيان الاحتلال وملاحقة الفدائيين وحصار الإسماعيلية، وانتهاك حرمات البيوت، حتى مقابر المسيحيين والمسلمين، لم تسلم من عبث المحتل، بدعوى بحثه عن أسلحة الفدائيين.
تصاعد الأحداث تدريجيًا في الأسبوع الأخير السابق ليوم الجمعة 25 يناير 1952، عدوان على المواطنين، وانتهاك لحرمات المنازل بحثًا عن الفدائيين، وحصار بالدبابات وتحريك لفرقة مظلات، وعزل أحياء بمحافظة الإسماعيلية عن مصر.
أصدرت الحكومة المصرية، تعليماتها للبوليس المصري بتمسك بالأرض، ورفض دعاوى الاحتلال له بالانسحاب من المدينة، كان البوليس المصري 800 ضابط وجندي بمدن القناة، بأسلحة خفيفة "بنادق" في مواجهة دبابات ومدفعية الاحتلال وفرقة مظلات بريطانية 5 آلاف ضابط وجندي.
تمسك ضباط وجنود البوليس بالإسماعيلية بمبنى المحافظة رافعين العلم المصري، لتبدأ المعركة بقذيفة من دبابات الاحتلال رد عليها أبطال مصر بوابل من الرصاص، لتنتهي المعركة باستشهاد 60 ضابطًا وجنديًا مصريًا، وإصابة آخرين، ومقتل عدد من المعتدين، ومع نفاد الذخيرة وأمام العمل البطولي أدى قائد المحتلين التحية العسكرية لأبطال مصر.
وفي ذكرى تلك يوم التضحية والفداء 25 يناير 1952 الذي تحول إلى عيد للشرطة المصرية وشعب مصر كله، ذكرى تلاحم فدائي الشعب مع البوليس في مواجهة الاحتلال، وسعيًا لاستقلال الأرض والقرار الوطني، خرجت مظاهرات حاشدة عام 2011، مطالبة بإصلاحات سياسية، واعتراض على ممارسات فردية.
وسرعان ما تطورت الأحداث 2011، لتتحول في الجمعة التالية إلى ثورة غضب، انتهز المتآمرون حراكها لإشعال النيران في اقسام الشرطة، لتحويل مطالب الإصلاح والتغيير إلى تخريب وتدمير.
لم يكن الهدف تدمير بنيان تلك المؤسسة الوطنية، بل احداث شرخ بين الشعب ومؤسساته الأمنية، بحثًا عن أحداث حالة فراغ أمني تمكنهم من السطو على حراك الشعب، وهو ما كان.
ولذلك كان أهم تحديات الدولة المصرية، رأب الصدع، واستعادة جدار الثقة بين الشعب ومؤسساته، إذا كان هدف التنظيمات المتطرفة تزييف وعي المتظاهرين في الميادين، عام 2011، بتحويل الداخلية إلى عدو للسيطرة على تلك المؤسسة بزعم إعادة تنظيمها، وحدثت تلك المحاولات مع القوات المسلحة لكنها جميعها باءت بالفشل.
انتصرت الدولة المصرية على المؤامرة وأدواتها، ونجحت في بناء وعي شعبي، فخرج الشعب في 30 يونيو 2013, يهتف «الشعب والشرطة إيد واحدة»، «الشعب والجيش والشرطة إيد واحدة».
وكما كان الشعب والجيش والشرطة يدًا واحدة، في مواجهة الاحتلال، وانتصر في معركة الاستقلال 1952، وما تبعها من معارك وطنية، فقد انتصر الشعب والجيش والشرطة في مواجهة محاولات اختطاف الدولة، ومعركة تطهير البلاد من الإرهاب.
وفي كل معارك مصر، يستهدف العدو شق الصف الوطني، ودائمًا كان الانتصار بوحدة الشعب ومؤسساته، ووعي بحقيقة المؤامرات التي تحاك للوطن.
وكما كانت أهمية مصر عام 1882، التي دفعت الدول العظمى لاجتماع في مؤتمر الاستانة، خشية من ظهور أحمد باشا عرابي قائد وطني من صفوف الشعب، يقود جيشه، نحو الاستقلال، فإن الأهمية الجيوسياسية لمصر تعاظمت اليوم، ويزداد قلق القوى الدولية من التفاف الشعب خلف قائد وطني قدم من المؤسسة العسكرية لتعظيم القدرة الشاملة للدولة.
لذلك لا تزال مصر في مواجة مع القوى الدولية العظمى وما تستخدمه من أدوات وأسلحة جديدة، في القلب منها الضغوط الاقتصادية، بحثًا عن ثغرة لشق الصف المجتمعي، ووحدة الشعب والمؤسسات وثقة الشعب في قيادته، لذلك فإن بناء الوعي كان أهم عوامل انتقال الجماهير من الميادين الغاضبة إلى اللجان للتعبير عن الإرادة.