د. حسام الضمراني
الأمية الرقمية ورأس مالنا الثقافي
في وقت يشهد فيه العالم تحولات كبيرة متسارعة بفعل التطور التكنولوجي؛ وما يصحبه من سيل معلوماتي متدفق؛ سواء مما نتعرض له على مدار الثانية من قواعد بيانات إلكترونية أومحركات البحث أوتطبيقات الاخبار أومواقع التواصل الاجتماعي أوالخرائط الرقمية أوالمنصات الخدمية ضمن استخداماتنا اليومية لها؛ أصبحت قضية محو الأمية الرقمية والمعلوماتية ضرورة ملّحة تكاد ترقي كونها من مقتضيات أمننا القومي والمجتمعي؛ خاصة في حالة مجتمعنا المصري على نحو خاص والمجتمعات العربية على نحو عام؛ وذلك لطبيعة التأثير المعنوي للبيانات والمعلومات في المادي والمردود الاقتصادي والاجتماعي للثقافة على نحو أشمل؛ وما تتضمنه تلك البيانات أوالمعلومات التي هي نتاج التفاعلات الرقمية اليومية والتي تتجاوز 97% منها من قواعد بيانات أجنبية عبر شبكة الإنترنت؛ مقابل 3% من المحتوى العربي علي شبكة الإنترنت حول العالم؛ وهو ما يكشف عن أهمية محو الأمية الرقمية والمعلوماتية في مجتمعنا حفاظاً علي رأس مالنا الثقافي .
يمثل مفهوم رأس المال الثقافي مجموعة من الرموز والمهارات والقدرات الثقافية واللغوية والمعاني التي تمثل الثقافة السائدة، ويركز هذا المفهوم على الأشكال المتعددة للمعرفة الثقافية، ويوجد رأس المال الثقافي في أشكال متنوعة، حيث يتضمن الميول والعادات التي يتم اكتسابها من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية المختلفة بحسب عالم الاجتماع الفرنسي بيير برديو الذي صك هذا المفهوم من ستينيات القرن الماضي وتطور فيما بعد.
إن الوعي بالتأثيرات الثقافية مهم ليس فقط في نقل التكنولوجيا عبر الثقافات ولكن أيضًا في نقل التكنولوجيا المحلية، وهو ما يستدعي أهمية أن نتاول تأثير التكنولوجيا في ثقافتنا وبالتبعية في رأس مالنا الثقافي والاجتماعي؛ وهو تبرز أهمية أن ننظر في أنماط الاستهلاك لدي مستخدمي تلك المنصات والوسائط الرقمية والتي تؤطر لاتجاهات من ثقافات متنوعة تأتي لنا من الشمال وتاثيرها في ثقافتنا بالجنوب؛ وما إذا كانت تؤدي الاختلافات في مصادر رأس المال الثقافي إلي الاختلافات في التذوق وممارسات الاستهلاك التكنولوجية؛ وكذلك لابد من الإشارة إلى أن مفهوم تفضيلات الاستهلاك يشير إلى ما يفضله الفرد من الطعام والملبس وديكور المنزل والمفروشات والأثات والموسيقي ومشاهدة الأفلام ومشاهدة التليفزيون والقراءة والمشاركات الاجتماعية وقضاء العطلات والرياضة وممارسة الهوايات والممارسة والمشاهدة للانواع المتعددة الرياضية علي نحو أعم؛ وهي تفضيلات تأثرت بشكل كبير في مجتمعنا المصري والعربي بفعل التكنولوجيا وما تقدمه من بيانات ومعلومات في كل مناحي الحياة.
بالنظر الى المؤشرات العالية للاقتصاد الثقافي والإبداعي حول العالم ثمة حالة من الثباتية والاستقرار أمام الأزمات المالية العالمية من جهة، وزيادة مطردة في القيمة المالية الإجمالية التي ينتجها الاقتصاد الإبداعي من ناحية أخرى؛ وهو اقتصاد يقوده الشباب بالاعتماد على التكنولوجيا وما وفره لهم الابتكار المفتوح، والتعهيد الجماعي، والمنصات التعاونية التي تمكن الأفراد والمنظمات من تبادل الأفكار والعمل معًا بطرق جديدة، بالإضافة إلى أتمتة بعض المهام والعمليات، مما يوفر الوقت والموارد التي يمكن تخصيصها لمزيد من المساعي الاستراتيجية والإبداعية، ففي مصر ما يقرب من 650 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا يقودها الشباب، وفي مصر أيضاً 34.3% من الأفراد فى الفئة العمرية أقل من 15 سنة، و26.8% من الأفراد فى فئة الشباب 15-29 سنة، أي ان 61% من قوام المجتمع المصري من المراهقين والشباب وهي الأجيال الأكثر إرتباطاً بالوسائط التكنولوجية ممن يعتمدون عليها يومياً في استخداماتهم الحياتية والمعيشية والتعليمة والسلوكية؛ أي أكثر من نصف المجتمع المصري من المراهقين والشباب ممن يتفاعلون بشكل مباشر مع الوسائل والوسائط التكنولوجية التي تحدد سلوكياتهم واتجاهاتهم المعرفية والحياتية وتاثيراتها في هندسة رأس مالنا الثقافي والاجتماعي للقوة الأكبر في مجتمعنا المصري الشاب مع اختلاف مستوياتهم التعليمية والثقافية والمعرفية وفي ظل ما يحتاجه المجتمع من توفير فرص لتعلم التكنولوجيا والوصول إليها، وتحسين البنية التحتية للاتصالات وتوفير الأجهزة اللازمة للأفراد؛ وأن البداية لمحو الأمية الرقمية تكمن في المناهج التعليمية بالمدارس والمؤسسات التعليمية وقدرتها على توفير دورات تدريبية لتعليم المهارات الرقمية والتكنولوجيا الحديثة، وهو ما يتطلب إعلان خطة استراتيجية لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في مصر تتعلق بمناهج ومقررات لمحو الأمية الرقمية في العصر الرقمي.
وبالنظر إلي نشر الثقافة الرقمية؛ يكفي أن نتوقف أمام تصريحات الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات منذ أيام عن الانتهاء من مد 267 قرية بكابلات الألياف الضوئية بقرى المشروع القومى «حياة كريمة» خلال العام المنتهى، وذلك لتوفير خدمات الانترنت فائق السرعة للمواطنين ليصل الإجمالى إلى 344 قرية بالمرحلة الأولى بإجمالى 686 ألف منزل، و2000 مبنى خدمات حكومية، وإن وزارة الاتصالات تشارك بقوة فى مشروع «حياة كريمة» من خلال تنفيذ مشروعات تستهدف رفع كفاءة البنية التحتية المعلوماتية للقرى، ونشر الثقافة الرقمية لخلق مجتمع رقمى تفاعلى، موضحا أنه تم إنشاء وتطوير1367 برج شبكات للهاتف المحمول لتحسين جودة خدمات الاتصالات بقرى «حياة كريمة»؛ وهو ما يبرز دور وزارة الاتصالات الكبير في تحسين البنية التحتية للاتصالات وأثرها في محو الأمية الرقمية ونشر الثقافة الرقمية.
وأخيراً؛ يتوجب التوصية بضرورة إجراء مزيد من الدراسات والبحوث الاجتماعية والثقافية لدراسة تأثير التكنولوجيا في إعادة هندسة رأس مالنا الثقافي والاجتماعي من مناحي متعددة اتصالية واجتماعية ونفسية وثقافية حتي نستطيع فهم أبرز التحولات التي يشهدها مجتمعنا ووقوده من الشباب من تغييرات حتي نستطيع تفسير صياغة صحيحة لرؤيتنا التنموية ونحن نستشرف مستقبل مجتمعنا المصري في ضوء رؤية مصر للتنمية المستدامة علي المستويين 2030 و2050.