د. عادل القليعي
جدلية العلاقة بين الثابت والمتغير وواقعنا المعاصر
لعل أسبابًا مهمة دفعتني إلى الكتابة عن هذا الموضوع، أهمها اختلاط الحابل بالنابل، صار الحق باطلًا والباطل حقًا، القابضون على معتقداتهم، المرابطون على أفكارهم، المحافظون على قيمهم باتوا على المحك، لا أحد يستمع لهم إلا قليل القليل وعلى استحياء.
أصبحت الفوضى المصطنعة والتقليد الأعمى سيدًا الموقف.
تحول الثابت إلى متغير والمتغير ثابت يخضع للأهواء والميول والشهوات، البيع على أشده، مزادات منصوبة لا تتوقف، من يدفع يحصل على البركة ويمنح جواز المرور إلى عالم الأضواء والشهرة.
نعم اختلط الحابل بالنابل، لا تمييز بين غث وثمين، بين غال ورخيص، "لحم رخيص".
كلما ازددت في الشتم والقدح في الإعلام رفعت إلى الأعنان، وكلما أصبحت مفتيا بغير حق وجهت إليك الأنظار.
هل قرأتم عن زواج مدني "أهو دين جديد؟"، هل قرأتم أن ليس ثم معراج، هل قرأتم عن رايات الحريات، هل قرأتم عن المرأة وما أثاروه حولها من شبهات، تخرج من بيتها كيفما تشاء وقتما تشاء، ولا ترضع أطفالها وإن فعلت تفعل بأجر "مرضعة"، هل عدنا لعصر المرضعات، ولا يحق لزوجها أن يطلب منها شيئًا.
وغيرها وغيرها من الفريات.
أين ثوابتنا، أين قيمنا، أين معتقداتنا؟
نعم إنها الملهاة، إنها الكوميديا الباكية، لأجل ماذا يتخلى الرجال عن كرامتهم ويراقصون زوجاتهم عرايا أمام الكاميرات، ألا أجل المال.
ما الذي أصاب مجتمعاتنا الشرقية والإسلامية والعربية.
ما هذا التغريب الغريب علينا، ليست هذه حداثة ليس ما يحدث انفتاحًا على الآخر وإنما تدمير للذات، تدمير لنا نحن أمة محمد، ليست هذه مدنية حديثة، نحن لا نرفض الحداثة والمعاصرة، وإنما دونما إفراط أو تفريط.
فما المقصود بالثابت وما المقصود بالمتغير وهل هناك علاقة بينهما وهل الثابت يخدم المتغير وهل المتغير سيتواءم مع الثابت أم سيصبح كل منهما في واد؟
فالثابت هو كل ما لا تحده الأمكنة ويخضع للأيون ولا يخضع لفكرة الزمكان.
ثابت لا يتغير، راسخ رسوخ الجبال الراسيات.
راسخ فينا باق أبد الآباد.
الثابت لا يقبل شكا، لا يقبل جدلا، واضح بذاته وضوح الشمس في كبد السماء، جواهر مصقولة مهما عفى عليها الزمان وغطاها التراب هي هي لا تتغير، وإنما الذي يتغير الإنسان في تعامله مع هذه الثوابت بقصد أو عن غير قصد غض الطرف عنها نتيجة المغريات المادية بكافة صنوفها.
أما المتغير فهو الشكل والمظهر وأنماط سلوك الإنسان في نظرتهم لهذه الثوابت.
معتقداتنا، ديننا، قيمنا، أخلاقنا، عاداتنا، تقاليدنا جميعها ثوابت لا يمكن بحال من الأحوال التنصل منها بماذا؟ لأن ثبوتها في حركيتها وحركيتها في ثبوتها، بمعنى- وسيدرك كلامي كل ذي عقل رشيد- توظيف هذه الثوابت لخدمة واقعنا الذي يعج بالمتغيرات دونما إفراط أو تفريط، ولنضرب أمثلة على ذلك، القرآن الكريم، آياته محكمات ومتشابهات فما المانع أن تخضع لقوانين التأويل بغية توظيفها لخدمة واقعنا المعاصر وهذا يكسب القرآن حيوية وديناميكية دونما إفراط أو تفريط بمعنى أن يوكل الأمر لأهله، ألم تبنَ على آيات الشورى كل ديمقراطيات العالم دونما تزوير وتلاعب بالانتخابات.
أحاديث النبي- ﷺ- في إخراج الزكاة وخصوصا زكاة أو صدقة الفطر لماذا لا نؤولها تأويلا يخدم فقراء الأمة.
وغيرها مما يخضع لعلماء أجلاء في علم الفقه وأصوله.
فيا أيها العقلاء، أيها المفكرون، أيا محبو الإنسانية، هذه رسالتي إليكم، اتحدوا على قلب وعقل وروح رجل واحد وقفوا صفا واحدا في مواجهة هذه الهجمات الشرسة ضد الإنسانية التي بغيتها تجريد الإنسان بما هو كذلك، وتتركه عريانًا، مجردة إياه من لباسه الحقيقي الذي هو أصالته، قيمه، مجردة إياه من إنسانيته بحجة التقدم والمدنية.
المدنية الحديثة الحقة هي التي لا تجعلنا نتنصل من ثوابتنا من أصالتنا.
التي ينبغي علينا أن نجعلها قاعدة انطلاق لنا إلى واقع أفضل نسعد به ويسعد بنا.
أستاذ الفلسفة الإسلامية – رئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان