

أيمن عبد المجيد
"بريكس" والنظام العالمي الجديد
"بريكس" prics، اختصار للأحرف الأولى، لتحالف اقتصادي إقليمي يضم، خمس دول تسعى للنهوض الاقتصادي، في مواجهة هيمنة الدولار الأمريكي، وبحلول يناير 2024، تتوسع المجموعة لتضم ست دول جديدة في مقدمتها مصر.
يرجع تأسيس "بريك" إلى العام 2009، بواسطة البرازيل وروسيا والصين والهند، وهي دول تمثل اقتصادات ناشئة حققت طفرات تنموية متزايدة، وبانضمام جنوب إفريقيا للتجمع فبراير 2011، بات تجمع بريكس يمثل 31.5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
اليوم دعا قادة الدول الخمس، مصر والسعودية والإمارات والأرجنتين وإيران وإثيوبيا إلى الانضمام، لتصبح تلك الدول الست أعضاء بالتحالف الاقتصادي بداية من يناير 2024، وذلك في ختام القمة الخامسة عشرة التي اختتمت أعمالها في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا اليوم.
هذا التوسع في تلك المجموعة، ركيزة مشروع نظام عالمي جديد، يتشكل تدريجيًا، بانعكاساته الجيوسياسية، والاقتصادية، وموازين القوى العسكرية، والدبلوماسية، عالم متعدد الأقطاب.
من الاقتصاد ولأجله تبدأ التحالفات، لتشمل كل مصالح الدول، فتحالف دول بريكس، يستهدف بناء شراكات استراتيجية شاملة، تحد من هيمنة القطب الواحد، وسيطرة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي.
الهدف هو دعم اقتصادات دول الجنوب العالم باقتصاداتها الناشئة، في مواجهة هيمنة الشمال العالمي، دول الغرب السبع الصناعية الكبار G7، أمريكا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا وكندا واليابان.
اقتصاديًا:
١- اقتصادات دول بريكس بلغت 26 تريليون دولار نهاية 2022، بحجم تجارة 17% من السوق العالمية بحسب منظمة التجارة العالمية.
٢- تمثل دول بريكس 31.5 من الناتج المحلي العالمي، بينما دول G7 تمثل 30.7%.
٣- تحقق دول بريكس معدلات نمو متزايدة، منذ العام 2000، وهو ما لفت انتباه الباحثين لأهمية بناء تحالف دول الاقتصادات الناشئة ليرى النور عام 2009.
٤- تنتج دول بريكس ثلث غذاء العالم، ما يعزز بتوسعة فرص تحقيق معدلات أمن غذائي أعلى للدول الشريكة، والمتعاونة مع الدول دائمة العضوية.
٥- تنوع اقتصادات تلك الدول يعزز فرص التكامل مع انضمام مصر والدول الخمس الجدد.
ومن ثم فإن انضمام مصر لهذا التكتل الاقتصادي الضخم، يعزز فرص دعم الاقتصاد المصري، عبر تبادل تجاري بالعملة المحلية، وهذه أهم وأبرز أهداف ومكاسب بريكس.
١- نعاني من ارتفاع الأسعار الناجم عن انخفاض سعر الجنيه المصري في مواجهة الدولار، وفرص تنامي قوة الجنيه مرهونة بزيادة الصادرات وخفض الواردات لتخفيض الطلب على الدولار، وهذا ما أشار إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخرًا في حديثه لطلاب الأكاديمية العسكرية.
ومثل هذا التحالف يحقق لمصر مكاسب على محورين:
الأول: تنامي فرص الاستثمار في مصر ومن ثم تنامي الإنتاج المحلي، وبالتالي تخفيض معدلات الاستيراد، وتوفير جزء كبير من متطلبات الاستيراد، فينخفض الطلب على العملة الأجنبية الثاني: خطة دول بريكس لتعزيز سلاسل التوريدات بأنظمة دفع بيني، باستخدام العملات المحلية.
وهنا واردات مصر الأساسية كالقمح وغيره من المنتجات الصناعية ومستلزمات الإنتاج الواردة من الصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا وغيرها من الدول التي قبل انضمامها ستكون بالجنيه ما يمثل تحررًا تدريجيًا من هيمنة الدولار الأمريكي وتعزيز القدرة الشرائية للعملات المحلية.
جيوسياسيًا: يمثل الموقع الجغرافي لدول بريكس والدول المنضمة اليوم، قوة جيوسياسية فائقة القدرة مع المشروعات العملاقة في البنية التحتية، وطرق التجارة العالمية كطريق الحرير وغيرها.
١- تشكل دول بريكس الخمس 27% من مساحة اليابسة بالكرة الأرضية.
٢- تتواجد في أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية وإفريقيا، فروسيا الدولة الأكبر من حيث المساحة يقع 60% من مساحتها في قارة آسيا، و40% في قارة أوروبا.
بينما البرازيل تقع في أمريكا الجنوبية، والصين في شرق آسيا، بينما الهند في جنوب القارة، وجنوب إفريقيا، جنوب القارة السمراء.
٣- يبلغ عدد سكان دول بريكس الخمس، 3.2 مليار نسمة، بما يعادل 42% من إجمالي عدد سكان العالم البالغين بداية العام الجاري بحسب الأمم المتحدة 8 مليارات نسمة.
ومن ثم العضويات الست الجديدة، توسع من جغرافيا بريكس، ويعظم من المكاسب المصرية لموقع مصر الفريد كحلقة وصل بين أطراف العالم عبر قناة السويس.
١- مصر بوابة قارة إفريقيا الشمالية ونقطة الالتقاء مع قارة آسيا في سيناء، وما تحقق من تطوير المجرى الملاحي لقناة السويس والقناة الجديدة والتنمية على محوريها، يمكن مصر من جذب الاستثمارات الصناعية والتجارية، لتكون ملتقى لوجيستيًا خدميًا لتجارة العالم.
٢- تمر مشروعات الربط القاري عبر مصر وفي القلب منها طريق الحرير، ومن ثم تنامي التبادل التجاري بين الدول الأعضاء واتساع مجموعة بريكس يعظم من مكاسب مصر التي تتحقق عبر قناة السويس وخدماتها اللوجستية ومناطقها الصناعية المستهدفة لأسواق قارتي آسيا وإفريقيا.
٣- مع تنامي القدرة الإنتاجية المصرية زراعيًا وصناعيًا وهي مستهدفات التنمية الشاملة التي تخطط لها مصر وتجهز بنيتها التحتية، فإنها تستطيع الاستفادة من سوق يمثل قرابة 50% من سكان العالم بانضمام الخمس دول الجديدة.
القوة الدبلوماسية:
١- ثلاث من دول بريكس الخمس نووية، واثنتان منها الصين وروسيا بين الأعضاء الخمسة الدائمين بمجلس الأمن، الذين يملكون حق "الفيتو " الاعتراض على أي قرار وتعطيله.
٢- تمثل جيوش الصين والهند وروسيا، مراكز متقدمة بين أقوى جيوش في العالم، فضلًا عن تنامي القدرة في صناعة السلاح، وهذا يعزز من قدراتها في دعم المواقف السياسية للدول الأعضاء في الأزمات العالمية.
والملاحظ الشراكات الاستراتيجية المصرية مع دول بريكس في تنامٍ مستمر، وتفاهمات وفق مقتضيات المصلحة الوطنية والقومية العربية، ومصالح القارة الإفريقية.
ومن ثم الانضمام إلى بريكس يعزز من فرص تنوع التحالفات، وتوطين التكنولوجيا ودعم التنمية الاقتصادية، وخطط مصر لقهر تحدياتها، وفي القلب منها ما يمكن تقديمه من منظومة تمويل جديدة للمشروعات التنموية عبر بنك بريكس للتنمية، بقروض ميسرة ومنعدمة التكلفة. القادم أفضل بإذن الله.