د. عادل القليعي
الهروب من الواقع وإليه
أيها الإنسان، أيها المغرور الذي كلفت بحمل أمانة تنوء من حملها الجبال، أمانة التكليف والمسؤولية، فهل ستصمد أمام كل هذه المشكلات والأزمات التي تتعرض لها، فما إن تهدأ وتشعر بالطمأنينة النسبية لأن بعض مشاكلك قد لاحت في الأفق حلول لها، تطل عليك برأسها مشكلات أشد وأعقد، فهل ستثبت وتقاوم من أجل البقاء أم لن تستطيع المواصلة والاستمرار؟
تلك هي المفارقة الوجودية التي دومًا ما نتحدث عنها، نكون أو لا نكون؟ كما كان معتقدًا قديمًا، أما الآن، فأرى أن نكون أو نكون لا حل آخر، لا بديل عن الكينونة، فالإنسان بما هو موجود فلا يمكن بحال من الأحوال أن يتحول إلى اللاوجود، لماذا؟! لأنه وجود حي يعيش في مجتمعه ومن ثم بات الأمر ملحًا أن يتواءم إيجابًا لا سلبًا مع متغيرات هذا الواقع وأزماته المستمرة.
نعم لا أحد ينكر ذلك، إن مشكلاتنا كثيرة وعويصة لكنها ليست عصية الحل، أول هذه الحلول، ضرورة التحدي والمواجهة لا الانزواء والانطواء على الذات، هذا الانطواء قد يقود المرء إلى الإصابة بالأمراض النفسية كانفصام الشخصية والتوحد الذي قد يودي بالمرء إلى كراهية حياته ويصاب بالاكتئاب أو بالاضطرابات النفسية بل وقد يجعله ذلك يقدم على أعمال عدائية ضد نفسه قد تقوده إلى الانتحار أو الاتجاه إلى المخدرات أو ممارسة أعمال عدوانية تجاه الآخرين من أهل بيته أو محيطه الاجتماعي الذي يعيش فيه.
أو قد يودي به ذلك إلى الإصابة بالأمراض العضوية المزمنة والنتيجة تدمير الذات الفرد والتي بدورها ستسعى لتدمير المجتمع جميعًا، ومن ثم بات الأمر ملحًا إلى ضرورة المواجهة.
لكن ما أهم الأزمات التي يتعرض لها الإنسان؟
أول هذه الأزمات، على المستوى الشخصي، أزمة الذات وانسحاقها، وأن الإنسان يشعر بفقدان ذاته وضياع هويته وأنه أصبح كريشة في مهب الريح، يحارب طواحين الهواء ويسبح منفردًا ضد التيار، يكافح من أجل البقاء إنسانًا بما هو كذلك بقيمه، بأخلاقه، بعلمه، يوظف جل فكره للبقاء هو هو كما هو، على الرغم من كثرة المغريات المادية التي تعرض عليه.
وثاني هذه الأزمات، على المستوى الأسري، وتنقسم إلى عدة أقسام، القسم الأول، مادي، كيف يوفر رب الأسرة حياة كريمة لأسرته مع محدودية دخله، وتلك معضلة تعتمد على النسبة والتناسب، فهل سيحدث انسجام أسري بذلك؟!
أما القسم الثاني وهو المعنوي، والذي يتمثل في كيفية تنشئة أبناء صالحين يستطيعون إفادة أنفسهم وإفادة من حولهم من بني جلدتهم، فهذا يعتمد على تهيئة مناخ أسري صالح عن طريق تنمية الوعي والإدراك وإشعار الجميع بالمسؤولية تجاه الجميع.
كذلك عن طريق إحياء الوازع الديني عند الأبناء وتوضيح أهمية الطاعة، طاعة الله تعالى، التي انبثق منها طاعة الأبناء لآبائهم وأمهاتهم.
كذلك طاعة الآباء لأبنائهم عن طريق الإنصات إليهم والاستماع إلى شكواهم ومصاحبتهم.
وكذلك إحياء فضيلة الحب عند الجميع، الزوج يحب زوجته والعكس، فكل ذلك سينعكس بالضرورة على خلق جو أسري يسوده الود والتقدير والاحترام، ما يؤثر إيجابيًا على المجتمع.
أما على المستوى المجتمعي فكثيرة هي مشكلات المجتمع، سواء المجتمع المحلي أو الإقليمي أو العالمي التي تقتضي الضرورة المنطقية إلى التدخل العاجل والسريع جدًا لإيجاد حلول لها، كالأزمات الاقتصادية العالمية وانعكاساتها على المجتمعات النامية وما يترتب عليها من آثار اجتماعية تعصف بالمجتمع عصفًا إلى الوقوع في براثن الرذيلة، والانحرافات الأخلاقية، كالتسرب من التعليم، والبطالة، وكل ذلك يقود إلى الوقوع في ما لا تحمد عقباه.
ومن ثم بات الأمر ملحًا لعقد الندوات والمؤتمرات المحلية، كمؤتمر الحوار الوطني، وكالندوات والمؤتمرات الإقليمية والعالمية التي تعقدها المنظمات العالمية كمنظمة اليونسكو، والذي ينبغي أن تفعل نتائج وتوصيات مثل هذه المؤتمرات.
قس على ذلك مشاكل السياسية كعلاقة الحاكم بالمحكوم، ومشاكل الأحزاب السياسية وهل فعلا هذه الأحزاب تؤدي دورها كما ينبغي.
أيضًا مشكلات التعليم والنهوض به وتوفير مناخ صحي بعملية تعليمية مربعها المدرسة والتلميذ والمعلم والكتاب.
كذلك مشكلات الإعلام بكل صوره سواء مشاهد أو مسموع أو مقروء، هل حقا لدينا إعلام على قدر المسؤولية، إعلام تقع على عاتقه مسؤوليات جسام؟ فالكلمة لها وقع السحر على المتلقي.
كثيرة هي مشكلاتنا، كالمشكلات الثقافية والاهتمام بالثقافة عن طريق إحياء دور مكتبة الأسرة والثقافة الجماهيرية، وعقد اللقاءات المفتوحة والمؤتمرات التي ينبغي أن يدعى إليها كبار الكتاب والأدباء مع ضخ دماء شبابية جديدة تثري الحياة الثقافية، والفرص متاحة الآن، ونحن مقدمون على الإجازة الصيفية.
نعم هل سننزوي وننغلق على أنفسنا هروبًا من هذا الواقع أم سنواجهه بكل تحدياته ومتغيراته؟ حتى إذا أردنا ذلك فلن نستطيع.. لماذا؟! لأن المشكلات ستأتينا فرادى ومجتمعة رغمًا عن أنوفنا، ولن نجد فرارًا منها وفكاكًا عن مواجهتها.
فإذا ما حاولنا الهروب من واقعنا سنهرب منه إليه.
أستاذ دكتور – آداب حلوان