عاجل
الجمعة 16 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
الانتصار على الإرهاب بالحياة.. القتال على جبهة التنمية "2”

عقد من الثورة

الانتصار على الإرهاب بالحياة.. القتال على جبهة التنمية "2”

"إن الشعب المصري العظيم يعلن للعالم اليوم، رسالة قناة السويس الجديدة: إننا ننتصر على الإرهاب بالحياة، وعلى الكراهية بالحب.. لتكن القناة منطقة رخاء للإنسانية، ليس فقط فوق مياهها، بل وعلى ضفتيها.. بما يرتفع إلى مقام تاريخ هذه القناة التي وضعت بصماتها على جغرافيا الوجود وخريطة البشرية". 



 

كانت تلك الرسالة التي نقلها الرئيس عبدالفتاح السيسي، من شعب مصر إلى العالم، خلال كلمته في حفل افتتاح المجرى الملاحي الجديد لقناة السويس، في السادس من أغسطس 2015، بالغة  المعاني والدلالات، كاشفة عن إرادة سياسية، وقدرة متنامية على تحقيق مستهدفات استراتيجية علمية شاملة لمجابهة تحدي الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار.

 

قبل أن ينقضي شهران على تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي سدة الحكم رئيسًا للبلاد في الثامن من يونيو 2014، أعطى إشارة البدء في حفر قناة السويس الجديدة في الخامس من أغسطس من العام ذاته، موجهًا باختصار المدى الزمني لإنجاز المشروع من ثلاثة أعوام إلى عام واحد، ليضع قدرة دولة 30 يونيو على التخطيط والإنجاز في اختبار أول حاسم ومصيري.

 

خطورة ذلك التحدي الذي فرضه الرئيس عبدالفتاح السيسي على نفسه وفريق عمله المعاون، يتمثل في نقاط رئيسية:

أولًا: إن إنجاز المشروع في ظروف هي الأصعب أمنيًا واقتصاديًا، بلغت فيها موجة الإرهاب ذروتها، ومع ذلك حدد الرئيس مدى زمنيًا، 12 شهرًا فقط لإنجازه.

ثانيًا: إن المشروع خُطط لتمويله محليًا، عبر اكتتاب شعبي على شهادات استثمار قناة السويس، لجمع 60 مليار جنيه، وهو تحدٍ آخر للرئيس وفريق عمله وللشعب المصري ذاته حينها.

ثالثًا: تعرضت مصر حينها لمحاولات حصار دولي، وهجمة تحريضية شرسة، عبر منابر إعلامية مُعادية، أتاحتها عواصم دول معادية لعناصر الجماعة الإرهابية، لهدم جدار الثقة بالتشكيك في أول المشروعات القومية، بالتقليل من أهميته وحجمه تارة، وجدواه الاقتصادية للمُكتتبين تارة أخرى.

رابعًا: تعالي موجة الإرهاب، والهزات السياسية ما بعد العام 2011، جففت منابع موارد الدخل الأجنبي للدولة المصرية، بتراجع عوائد السياحة والاستثمار واستنزاف جزء كبير من جهود مؤسسات الدولة في مجابهة الإرهاب.

خامسًا: التحديات الدبلوماسية، لمواجهة حملات تشويه الصورة الذهنية حول حكم ما بعد ثورة 30 يونيو وقدرته على الإنجاز.

سادسًا: ضرورة التدخل السريع، لرفع كفاءة قناة السويس، للحفاظ على المورد الأهم للنقد الأجنبي، وتنمية موارده، لمواكبة تطور صناعة السفن، ورفع قدرة القناة على استيعاب السفن العملاقة المُنضمة حديثًا لأساطيل النقل البحري العالمية، وقطع الطريق على مشاريع دولية تسعى لمنافسة القناة.

لكل هذه التحديات كان المشروع القومي الأول، الذي أعطى الرئيس عبدالفتاح السيسي إشارة البدء في تنفيذه وتمويله شعبيًا، هو الأهم، والانتصار في أولى جولات المواجهة التنموية للإرهاب للأسباب التالية:

١- قدم افتتاح القناة الجديدة للملاحة العالمية - رغم كل التحديات- بيانًا عمليًا ومقياسًا تطبيقيًا لقدرات دولة 30 يونيو، على التخطيط الدقيق، والإنجاز المنضبط بمستهدفات زمنية دقيقة، وشهد العالم على ذلك عبر مشاركة عدد من رؤساء دول وحكومات وسفراء دول أجنبية في حفل الافتتاح.

٢- قدم الاكتتاب الشعبي، على شهادات استثمار قناة السويس، مقياسًا عمليًا تطبيقيًا، لمدى صلابة الإرادة الشعبية، وثقتها في الرئيس وحكومته.

سطر الشعب المصري، ملحمة جديدة، لا تقل عن احتشاد الملايين في الميادين في 30 يونيو، ولا تلبيتهم دعوة الاحتشاد لتفويض الرئيس والجيش والشرطة لمواجهة الإرهاب المُحتمل - حينها- والواقع فعليًا عند إطلاق المشروع.

 

شراء شهادات استثمار قناة السويس، بإجمالي 60 مليار جنيه، قرابة 8,4 مليار دولار حينها، في غضون أسبوعين فقط من طرح الشهادات للاكتتاب، ثقة في الدولة والجدوى الاقتصادية للمشروع.

٣- حجم المشاركة في الاكتتاب في مدى زمني 15 يومًا فقط، في ظروف اقتصادية خانقة للمواطن، هزيمة بالضربة القاضية، لمخططات الإعلام المعادي والكتائب الإلكترونية لجماعة الإخوان الإرهابية التي استهدفت التشكيك في المشروع، لإثناء المواطنين عن شراء الشهادات، ومن ثم إعاقة القدرة على توفير التمويل المطلوب.

٤- المصلحة المُباشرة لكل دول العالم في هذا المشروع، جعل تنفيذه يحقق مكاسب دبلوماسية، ففي حين سعت قوى الشر لمحاصرة مصر، فقد حظي حفل الافتتاح بمشاركة عربية ودولية عالية المستوى، بحضور رؤساء وملوك دول وقادة وسفراء ومسؤولين من 70 دولة، ومن ثم تقديم الصورة الذهنية الحقيقية للعالم عن دولة 30 يونيو وقدراتها.

من بين القادة العرب، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير الكويت، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والشيخ محمد بن راشد، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وعمر البشير رئيس السودان حينها، ومحمود عباس أبومازن رئيس فلسطين، وعبد ربه منصور رئيس السلطة باليمن، ومحمد ولد عبدالعزيز رئيس موريتانيا.

ومن الدول الأوروبية، شارك الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ضيف شرف، ودميتري ميدفيديف رئيس الوزراء الروسي، وألكسندر فوتشيتش رئيس وزراء صربيا، وجوزيف كابيللو رئيس الكونغو، ومحمد يوسوفو رئيس النيجر وهايلي مريام رئيس وزراء إثيوبيا، ولفيف من سفراء دول العالم.

فضلًا عن الأهمية الاقتصادية بخفض ساعات العبور من القناة إلى النصف، بإتاحة الحركة في اتجاهين، مع استيعاب السفن العملاقة يخفض كلفة نقل السلع لصالح التجارة العالمية، ما ينعكس على مصالح تلك الدول واقتصادياتها.

٥-  رفع المشروع كفاءة قناة السويس وتنامي مواردها الدولارية، لصالح الميزانية العامة، ما عظّم من قدرة الدولة على توفير النقد الأجنبي من مصدر يتجه للزيادة في توقيت حوصرت فيه موارد السياحة، بتضخيم حادث استهداف الإرهاب لطائرة الركاب الروسية.

6- قطع الطريق على مشروعات إقليمية خُطط لها، لمنافسة قناة السويس.

وبذلك هزم الشعب الجماعة الإرهابية بإحباط أهدافها، وتحقيق أهداف الدولة، ومن ثم النجاح في تحويل قناة السويس الجديدة إلى واقع، ليكتب تاريخًا جديدًا وتظل قناة السويس محورًا لانطلاق إشعاع مصر الثقافي والحضاري للمنطقة والعالم بأسره، والملتقى الجامع للشرق والغرب على مدار التاريخ.

ولعل ذلك يؤكده ما شدد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسي في كلمته خلال حفل الافتتاح قائلًا: "سيذكر التاريخ لمصر وشعبها، أنهما تصديا لأخطر فكر إرهابي متطرف لو تمكن من الأرض لحرقها". 

 

وهذه العبارة بالغة الوضوح، تعكس إرادة سياسية وإجراءات عملية، لاقتلاع جذور الإرهاب وفكر التطرف من مصر، عبر مواجهة شاملة أمنية وسياسية وفكرية وتنموية وإعلامية ودبلوماسية.

وكان الحفل التاريخي لافتتاح القناة الجديدة، الذي بثته قنوات ووسائل إعلام دولية، بمثابة قذيفة دبلوماسية إعلامية مُباشرة وموجهة، أصابت استراتيجية الكذب والتزييف الإخواني ومحاولات حصار مصر وتركيزها في مقتل.

وبما تحقق من عوائد دولارية متنامية لقناة السويس كان الإسهام في توفير جزء كبير من مستلزمات الدولة من النقد الأجنبي لتوفير السلع الأساسية للمواطنين، ودعم مواصلة سلسلة من المشروعات التنموية، فقد حققت قناة السويس 50.9 مليار دولار خلال الـ10 سنوات التالية لثورة 30 يونيو.

وقد حققت القناة في أول خمس سنوات تالية على افتتاح القناة 27.5 مليار دولار، بزيادة 4.7 مليار دولار على الفترة المثيلة السابقة على الافتتاح، نتيجة رفع القدرة الاستيعابية، فقد عبر 5 مليارات و500 طن بضائع بزيادة 16.4% مليار عن الخمس سنوات السابقة على الحفر، فضلًا عن خفض المدى الزمني للتنفيذ من ثلاث سنوات إلى عام، خفض 50% من كلفة التنفيذ.

ومثّل نجاح المشروع التنموي الأول، انتصارًا كبيرًا في معركة حرب الإرادة، ورغم كون النصف الثاني من العقد الأول لثورة 30 يونيو، شهد جائحة كورونا والحرب الروسية- الأوروبية في أوكرانيا، اللتين أثرتا على حركة النقل البحري وسلاسل الإمداد سلبًا، فإن إجمالي عوائد القناة بمتوسط سنوي بلغ 5.7 مليار دولار، مقابل 2.7 مليار دولار في العام 2003.

فيما أثمر افتتاح القناة الجديدة وتعميق المجرى الملاحي للقناة القديمة، إتاحة مرور سفن عملاقة ما كان لها أن تمر في القناة بوضعها القديم، فالقناة القديمة بعد تطويرها بات عمقها 66 قدمًا، مثل الجديدة، فيما بلغ عرض المجرى الملاحي 400 متر بعد توسعته، فسمحت القناة بمرور أكبر السفن العملاقة حول العالم، طولها 400 متر، وعرض 61 مترًا، بغاطس حمولة 42 ألف طن، بإجمالي حاويات 23 ألفًا و960 حاوية.

وهذه السفينة العملاقة، هي ضمن 12 سفينة تم تصنيعها في كوريا الجنوبية، للعمل في خط ملاحي جديد، وبالتالي استوعبت القناة بعد تطويرها هذا الأسطول العملاق الجديد، الذي كان سيذهب لقنوات بديلة حال بقيت القناة القديمة على حالها.

المشروع القومي الأول، هزم الإرهاب، فقد تم تأمينه بنسبة 100%، خلال عام الإنشاء الذي عمل فيه 43 ألف عامل ومهندس على مدار 24 ساعة لتحقيق الإنجاز.

ولا يقتصر التحدي على إنجاز القناة الجديدة، بل امتد إلى تنمية محوري القناة، عبر المنطقة الاقتصادية، وفق استراتيجية التنمية الشاملة 2030.

المنطقة الاقتصادية جذبت استثمارات صناعية ولوجستية في 25 قطاعًا في السنوات الأولى، ما يعني خلق آلاف فرص العمل التي تحمي الشباب من البطالة، وهجمات بث اليأس في نفوسهم عبر الآلة الإعلامية المُعادية، وتوطن الخبرة الأجنبية بما يُقام على أرض مصر من صناعات لاستثمارات دول متقدمة تكنولوجيًا.

  للحديث بإذن الله بقية

[email protected]

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز