فن الدبلوماسية إتيكيت إدارة الحديث الرسمي والاجتماعي «1»
تؤكِّد المدارس الدبلوماسيَّة بمختلف أنواعها وجنسيَّاتها على اختيار الكلمة الراقية الرقيقة المهذَّبة بمختلف المناسبات والفعاليَّات، بالإضافة إلى تناسق مستوى نبرة الصوت مع الجُملة المُركَّبة من خلال سياقات الحديث ونوعه، وبالتَّالي الحديث مع السياسيين يختلف كثيرًا مع رجال الدِّين أو رجال الأعمال، بالإضافة إلى اختلافه، سواء كان مع النساء أو الرجال بنَفْسِ المُسمَّيات. لذلك تتفاخر المدرسة البريطانيَّة، خصوصًا بهذا المجال، بحيث تجذب كثيرًا من شرائح المُجتمع للدخول والانخراط بهذه الورشة لمعرفة أُسُس إتيكيت الحديث الذي يُبنى على ثلاث وهي: (الكلمة، المعنى، النَّحْو) وهنا تؤدِّي مدارس اللغة دَورًا جوهريًّا باعتماد نظريَّة التعلُّم ونظريَّة الاكتساب، وأيُّهما لهما الدَّور الكبير في إيصال المحتوى إلى المُستقبل بكُلِّ بساطة وهدوء وتميُّز ورُقي في المشاعر، بالإضافة إلى تناغُم لغة الجسد، وخصوصًا الوجْه، في إرسال المعنى الجميل والهادئ لمفردات الحديث، عكس ما نراه هذه الأيَّام في بعض القنوات التليفزيونيَّة من استخدام كلمات مستفزَّة بعيدًا عن فنِّ وأخلاقيَّات إدارة الحديث وحِرفيَّته، وقد ينتهي السِّجال إلى معارك كلاميَّة، ثمَّ الانفلات الأخلاقي ويصل إلى الضرب بالأيدي.
تتنافس الكلِّيات والمعاهد الدبلوماسيَّة على مختلف مستوياتها حَوْلَ طبيعة إتيكيت فنِّ الحديث ونبرة الصوت، سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى كبار الشخصيَّات، وكيف يتبارون في وضع المفاهيم لتصل إلى أرقى مراحل كاريزما الشخص، خصوصًا للكادر الدبلوماسي في حياته العمليَّة، وكُلٌّ حسب مستواه وطبيعة العلاقة مع الطرف الثاني.
يؤكِّد علماء النَّفْس الاجتماعي، وكذلك مدارس البروتوكول والإتيكيت أنَّ الابتسامة أثناء الحديث مع الآخرين تُعطي انطباعًا جيِّدًا عَنْك؛ لأنَّها تعكس جَمال الروح وطيبة القلب، وبساطة وتواضع الإنسان، وهي سبَبٌ من أسباب النجاح والتفوُّق، بالإضافة إلى أنَّه يكُونُ أكثر جاذبية وقدرة على إقناع الآخرين، وهي أهمُّ مُقوِّمات إتيكيت إدارة الحديث، وكلَّما كان الحديث هادئًا ونبرة الصوت منخفضًا، دلَّلَ على رُقِي الشخص في أخلاقه وتربيته ومستوى تعليمه. ويُعدُّ إتيكيت فنِّ إدارة الحديث في السلك الدبلوماسي من إحدى أهمِّ الدلائل الإيجابيَّة للدبلوماسي ورُقِي معلوماته وحنكته وشخصيَّته، وخصوصًا في المحافل الدوليَّة وحضور المناسبات الوطنيَّة في ساحة عمله.
إتيكيت الحديث الرَّسمي يختلف كثيرًا وجوهريًّا عن سِمات ومفاهيم إتيكيت الحديث الاجتماعي، وتُطلِق عليه بعض المدارس بالحديث العائلي (العائلة، الأقارب، الأصدقاء). نتطرق اليوم باختصار عن إتيكيت الحديث الرَّسمي، حيث نلاحظ أغلب الدبلوماسيين ينخرطون بهذه الحلقات التي تصقل كاريزما الدبلوماسي وتميِّزه عن الباقي، وأهمُّ سِماتها:
فنُّ الإنصات والاستماع، وعدم فرض الكلام على الطرف الآخر ومقاطعته لأيِّ سببٍ كان، وانتظار المُرسِل أو المُتكلم لحين الانتهاء من وجهة نظره أو إبداء رأيه في الحديث، بعض علماء اللغة يقولون: إنَّ الله سبحانه وتعالى خلق للإنسان أذنين اثنتين، وجعل له لسانًا واحدًا؛ لحاجته إلى الاستماع والإنصات أكثر من التحدُّث. ومن خلال هذا الإعجاز الربَّاني علينا جميعًا أن نكُونَ بأعلى درجات الالتزام بفنِّ الإنصات والاستماع وتحليل الطرف الآخر وهو المُتكلِّم لنصل إلى ما هو يبغي الوصول إليه.
تتفاخر المدارس الغربيَّة الدبلوماسيَّة في إتيكيت الحديث الرَّسمي، وتؤكِّد على الفرق الكبير والشاسع بَيْنَ فنِّ الإنصات وفنِّ الاستماع، وتجعل ترتيبهم من أفضل نقاط تحليل كاريزما الشخص وما يربو إليه. فنُّ الإنصات هو التركيز وتحليل ما يقوله المُتحدِّث أو المُتكلِّم مع خضوع جميع حواس المُستقبِل بلا مبالغة أو تكلُّف. وأمَّا الاستماع فهو التقاط ما يتفوَّه به المُرسِل وما يصل إلى الأُذن دُونَ اتِخاذ أيِّ ردِّ فعلٍ للمُرسِل، وإنَّما هو فقط التقاط الكلمة بدُونِ ردِّ فعل معاكس.
لذلك يؤكِّد الدبلوماسيون كثيرًا على فنِّ الإنصات بإتيكيت الحديث الرَّسمي؛ لأنَّ نجاح أو فشل الإنصات يتوقَّف كثيرًا على تحليل ما تمَّ الاستماع إليه، لذلك تشير بعض الدِّراسات إلى أنَّ المُستمع الجيِّد والذي تزيد نسبة استماعه على أكثر من 40% سوف يكُونُ مُتحدِّثًا جيِّدًا بكُلِّ مواصفات الحديث الشيِّق والجذَّاب والمُمتع.
يُعدُّ الإنصات والاستماع من أهمِّ حِرفيَّة الدبلوماسي الناجح والموظف المميَّز؛ لأنَّها (أكثر ثراءً من الكلام)، وهناك عدَّة أنواع من فنِّ الإنصات وكما يلي:
الإنصات السّلبي: تجاهل ما يقول المتحدِّث نهائيًّا. الإنصات الإيجابي: الإنصات بجميع الجوارح لغرض الاستيعاب والتحليل بكُلِّ جدِّيَّة وهو أفضل نوع. الإنصات المصطنع: متابعة المُتكلِّم بعبارات:(نعم.. نعم) بحيث يكُونُ الُمستقبِل مشغولًا ذهنيًّا بشيء آخر.
وفي الختام.. هناك مقولة قديمًا تقول إذا جالست الجهَّال فانصتْ لهم، وإذا جالست العلماء فانصتْ لهم، فإنَّ في إنصاتك للجهَّال زيادة في الحِلم، وفي إنصاتك للعلماء زيادة في العِلم.
الرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت