عاجل
الجمعة 4 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
يوم إفريقيا.. مصر الحكيمة والزيارة الرئاسية المصرية الأولى لـ"موزمبيق وأنجولا وزامبيا" (3-3)

يوم إفريقيا.. مصر الحكيمة والزيارة الرئاسية المصرية الأولى لـ"موزمبيق وأنجولا وزامبيا" (3-3)

في العام 1883، هناك في برلين عاصمة ألمانيا، عقد المستشار الألماني أوتوفون بسمارك، مؤتمر دول أوروبا الطامعين في ثروات القارة العذراء، أسموه يومها "مؤتمر التسابق إلى إفريقيا". 



 

كانت بداية نهب ثروات قارة إفريقيا، تحت شعار الاستعمار، الذي زعم مجيئه للتعمير ونقل الحضارة، بينما الحقيقة هدفه نهب الخيرات والثروات، والمواد الخام والأيدي العاملة، لتغذية الثروة الصناعية في أوروبا.

 

المؤتمر انطلق من ثمار البعثات الاستكشافية لمئة جمعية أوروبية ضمت 50 ألف عضو، جابت خريطة إفريقيا مع بدايات القرن الثامن عشر، بحثًا عن الثروات وطرق النقل البحري والنهري، بحسب مراجع الكشوف الجغرافية لإفريقيا.

 

التسابق إلى إفريقيا، كان ولا يزال مدروسًا، ظلت تنهب حتى أشرقت شمس العام 1952، لتقدم مصر نموذج التحرر الإفريقي، بالقضاء على الملكية وإقامة الجمهورية، والتحرر من الاحتلال البريطاني والاستقلال التام.

 

ألقت مصر بحجر التحرر في بحيرة الاحتلال الراكدة في إفريقيا، فأنجبت الزعيم جمال عبدالناصر، لتتوالى الثورات، مقدمة الزعماء نكروما في غانا، وسيكوتوري في غينيا، وبن بيللا في الجزائر، وهيلا سلاسي في إثيوبيا، ومؤدييا كيتا في مالي.

 

مرت الأيام، وتطورت البلدان، لكن المحتل استبدل بتواجده على الأرض، استراتيجيات جديدة لـ"النهب عن بُعد“، عبر استثمار الصراعات والتباطؤ التنموي والاقتصاد الريعي القائم على تصدير المواد الخام وإعادة استيرادها في شكل منتجات.

 

إمكانيات القارة العذراء 

 

قارة إفريقيا تغطي 6% من مساحة الكرة الأرضية، و20,4% من مساحة اليابسة، 30,2 مليون كيلومتر مربع،  ثاني أكبر قارات العالم مساحة بعد قارة آسيا، تمتلك قوة بشرية فتية تمثل 16% من سكان العالم، بأصغر متوسطات أعمار في قارات العالم، بإجمالي سكان 1,4 مليار نسمة نصفهم أعمارهم 19 سنة وما دونها.

 

تمتلك القارة 39% من احتياطيات الحديد عالميًا، وتنتج 72.5% من إجمالي الذهب العالمي، فضلًا عن ثرائها بالنحاس والماس والبلاتين التي تنتجها بتسوانا وجنوب إفريقيا وأنجولا، وغيرها من الثروات والوقود.

 

والمؤسف أن حجم التجارة البينية بين دول القارة الإفريقية لم يتجاوز 7% فقط من إجمالي تجارتها مع دول قارات العالم، التي تتجاوز وفق إحصائيات عام 2021، قرابة 1016 مليار دولار، 564 مليار دولار واردات من 231 دولة. الصين وحدها بلغ حجم التبادل التجاري بينها وبين دول القارة الإفريقية 282 مليار دولار عام 2022، منها 164.4 مليار دولار حجم استيراد القارة من الصين، و117,5 صادرات معظمها محاصيل زراعية ومعادن.

 

ارتباط اقتصاد القارة بقارات العالم، جعلها أكثر قابلية للهزات العالمية، ما يتطلب تنويع صادراتها والاعتماد بشكل أكبر على تعزيز التكامل الإفريقي، خاصة مع تفعيل السوق الإفريقية المشتركة، وهو ما أكد عليه تقرير الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد" يوليو 2022، الذي حذّر من اعتماد 45 دولة إفريقية من إجمالي 55 دولة، تعتمد في صادراتها على الزراعة والتعدين والقطاعات الاستخراجية، الأمر الذي أصابها بالركود بسبب كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، لينزلق 58 مليون إفريقي إلى حافة الفقر.

 

إنجازات الرئاسة المصرية للكوميسا 

 

ومن هنا تأتي أهمية نجاح مصر في تفعيل سوق التجارة الحرة القارية، خلال رئاستها الاتحاد الإفريقي دورة 2019، وما تم إنجازه من تعزيز تعاون دول السوق المشتركة لدول شرق وجنوب إفريقيا "الكوميسا"، خلال رئاسة مصر للمنظمة الإقليمية القارية لمدة عامين، انتهت بالأمس بتسليم الرئيس السيسي قيادة الكوميسا لرئيس زامبيا هاكيندي هيشليما بدورتها الـ22.

 

وتضم الكوميسا 21 دولة إفريقية بينها مصر، تستهدف تحقيق تكامل اقتصادي من خلال اتحاد جمركي، واتحاد نقدي بحلول 2025، لإصدار عملة موحدة وبنك مركزي للتنسيق بين السياسات النقدية للدول الأعضاء، والتكامل في الاستثمار والتنمية والتجارة البينية.

 

وكان واضحًا إشادة الدول الأعضاء، بمنجزات الرئاسة المصرية لتجمع الكوميسا، بما حققته من دفع معدلات التكامل الاقتصادي، وإحلال السلم والأمن والتكامل والتناغم بين منطقة التجارة القارية الحرة والتجمعات الإقليمية الثلاثة: "الكوميسا"، "السادك"، "وشرق إفريقيا"، ما أسفر عن زيادة الصادرات البينية لدول الكوميسا لتصل عام 2022 إلى 13 مليار دولار، وهي أعلى قيمة تبادل تجاري منذ إنشاء منطقة التجارة الحرة عام 2000.

 

ولقد بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر ودول الكوميسا أعلى معدلاته ليصل إلى 4.3 مليار دولار عام 2022، بما يمثل أكثر من 31% من إجمالي التجارة بين دول الكوميسا مجتمعة.

 

ولقد قدمت مصر مبادرة التكامل الصناعي الإقليمي، في إطار استراتيجية التصنيع بالكوميسا 2017- 2026، والتي تهدف إلى تعميق الإنتاج الصناعي، وتشجيع مشروعات الربط الكهربي وتطوير البنية التحتية المعززة للتعاون المشترك.

 

وقد أشار الرئيس عبد الفتاح السيسي، أول رئيس مصري يزور زامبيا وأنجولا وموزمبيق، وهي دول ثلاث تمتلك فرصًا كبيرة لتعزيز التعاون معها على جميع الأصعدة، إلى مشروع سد "جوليوس نيريري" العملاق الذي تنفذه شركات مصرية في تنزانيا بما يعكس قدرة مصرية وخبرة فنية يمكنها تنفيذ مشروعات تنموية عملاقة في دول إفريقيا.

 

وبالأمس القريب استضافت مصر المؤتمر الطبي الإفريقي الأول في القاهرة، بعد أن تقدمت مصر بمقترح إنشاء لجنة الصحة بسكرتارية الكوميسا، بعد أن واجه العالم- وفي القلب منه دول القارة الإفريقية- تحديات جائحة كورونا وتوقف سلاسل الإمدادات العالمية.

 

استراتيجية التحرر الثاني بتعزيز التكامل 

 

وهنا تنفذ مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، استراتيجية "التحرر الثاني"، العودة القوية لإفريقيا عبر شراكات تنموية تعزز من استقلالية دول إفريقيا، بعد أن كانت القاهرة مركزًا لحركات تحرر الدول الإفريقية، وفي القلب منها أنجولا وموزمبيق وزامبيا وغيرها.

 

فتوطين صناعة الدواء في مصر بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس وغيرها من المناطق الصناعية، يوفر لإفريقيا احتياجاتها، كما تُسهم مشروعات البنية التحتية "طريق القاهرة- كيب تاون"، وإنشاء مشروعات توليد الطاقة الشمسية والهيدروجين، والكهربية من السدود، في توفير فرص تنموية غير مسبوقة.

 

ومع ذلك تبقى التجربة المصرية في القضاء على الإرهاب ومواجهته فكريًا، خبرة عملية قابلة لتصديرها ودعم الدول الإفريقية بها، فضلًا على تنامي القدرة الدبلوماسية في إفريقيا بتعاون حكيم ينهي الصراعات ويعزز فرص السلم، وربما ذلك ما دفع رئيس زامبيا لوصف مصر بالدولة الحكيمة، مشيدًا بجهودها والتعاون البناء في إحلال الأمن والسلم في دول القارة.

 

فيما دعم رئيس موزمبيق فيليب نيوسي، حق مصر في اتفاق عادل يحمي حصتها في مياه النيل، مشيدًا بدور الأزهر الشريف في محاربة الفكر المتطرف، فيما أبدى الرئيس عبد الفتاح السيسي ترحيب مصر بإيفاد دعاة من الأزهر إلى موزمبيق لتعليم صحيح الدين، ومواجهة الفكر المتطرف. 

 

العودة المصرية القوية وآفاق المستقبل 

 

الخلاصة.. عودة قوية لإفريقيا باستراتيجية مدعومة بتجربة تنموية ناجحة حققت نقلة عملاقة في الخبرات والقدرات لشركات مصرية باتت أكثر جاهزية لتصدير خبراتها لدعم التنمية في جميع أرجاء إفريقيا.

 

١- أمنيًا: يعزز إحياء العلاقات الاستراتيجية القوية مع دول إفريقيًا حماية الأمن القومي المصري، وتعزيز القدرة المصرية على التأثير والتعاون بالدائرة الإفريقية.

 

مواجهة التنظيمات التكفيرية ومحاصرتها، فضلًا على التعاون في إحلال السلم واحتواء الصراعات التي يمتد أثرها لدول الجوار.

٢- اقتصاديًا: تثمر الزيارة وما تضمنته من لقاءات بزعماء أفارقة على هامش الكوميسا عن: 

 

أ- تعزيز التبادل التجاري والاستثمارات.

ب- فتح سوق للشركات المصرية للعمل في السوق الإفريقية في مشروعات البنية التحتية من طرق وأنفاق ومشروعات توليد طاقة وإعمار، فضلًا على الصناعة والتبادل التجاري والاستثمارات.

 

ج- فتح سوق للدواء المصري والمستلزمات الطبية، والاستثمار في صناعة وتجارة الدواء.

 

د- تعزيز الاستثمار الزراعي والحيواني عبر نقل خبرات التجربة المصرية لدول إفريقيا، وفي الوقت ذاته إمكانية الاستفادة من قدرات الدول الإفريقية المتمثلة في المساحات الشاسعة والمياه ورؤوس الماشية، عبر استثمارات مصرية على أراضيها.

 

٣- القوة الناعمة:تعزيز القدرة الدبلوماسية المصرية بالقوى الناعمة، الأزهر الشريف وما يقدمه علماؤنا من خدمات لدول إفريقيا، وكذا الكنيسة المصرية، فضلًا على البعثات الطبية والتعليمية وغيرها.

 

تحيا مصر عزيزة قوية متنامية القدرة، نموذجًا للدولة الإفريقية العربية الناهضة القوية.

 

[email protected]

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز